المصدر: الراي الكويتية
الكاتب: وسام أبوحرفوش وليندا عازار
السبت 11 تشرين الأول 2025 23:51:32
بـ «مَجزرة الجَرافات والحَفارات» التي ارتكبتْها في المصيلح، جنوب لبنان، دقّتْ إسرائيل «النفيرَ» تجاه «بلاد الأرز» و«حزب الله» في ما بدا رسالةً بـ «بريد النار» بأن «جاهزون» للجبهةِ «التالية» بعد أن تُنجز المرحلةُ الأولى من اتفاق غزة، وأياً تكن مآلاتُ ما بعدها والمزروعة بأكثر من «لغم».
ولم يكن ممكناً قراءةُ أكبر عدوان جوي يَستهدف منطقةً اقتصاديةً وصناعية في لبنان منذ انتهاء حرب الـ 65 يوماً في 27 نوفمبر 2024، من خارج مسرح «وقف العمليات» الذي يُستكمل تركيب «البازل» الخاص به في غزة ليعاود تشكيل «رقعة الشطرنج» برمّتها التي يتحرّك عليها واقع الشرق الأوسط منذ عقود.
ومن قلْب «تسونامي النار» الذي زلْزل المصيلح - الزهراني ودمّر نحو 300 جرافة وحفارة داخل مجموعة معارض ومنشآت حوّلتها أكثر من عشر غارات حُطاماً وتَسَبَّبتْ بسقوط شخص وإصابة 6 بجروح خطرة وخسائر بمئات ملايين الدولارات، أطلّت برأسها مَخاوف بدا أن إسرائيل أرادتْها أن «تُحفر» في الحساباتِ اللبنانية للمرحلة المقبلة «المخيفة».
ورغم أن «العنوانَ الأوضحَ» لـ «محرقةِ الآليات» التي أدّتْ أيضاً لدَمارٍ واسعٍ في خِيَمٍ حديدية داخل المنشآت وسياراتٍ كانت مركونةً بالمنطقة، بدا عمليةَ إعادة الإعمار التي لم تبدأ بعد ومُسح أمس قسم كبير من «بينتُها التحتية» واللوجستية، فإنّ «تتمةَ» الإشارات المُشَفَّرة حَمَلَتْ أبعاداً لا تقلّ خطورةً بإزاء الاستعداد الإسرائيلي لنقْل «كرة النار» من غزة إلى «بلاد الأرز» بحال أي «سوء احتسابٍ» بأن تل أبيب في وارد التسليمِ بـ «السرعةِ التبطيئيةِ» التي اعتمَدها لبنان الرسمي في عنوان سحْب سلاح «حزب الله» أو السماح بتحويلها غطاءً لإطلاقِ مسار الإعمار أو العودة إلى القرى الأمامية، وهو الملف الذي رَفَعَ الحزب والرئيس نبيه بري الضغط باتجاهه في الأيام الأخيرة وصولاً لارتهان موازنة 2026 وإقرارها في البرلمان بتضمينها بنداً عن إعادة الإعمار.
وإذ كان بارزاً أن الغارات العشر كانت على بُعد مئات الأمتار من دارة بري في المصيلح، فإن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي زعم «أن الجيش هاجم بنى تحتية تابعة لحزب الله استُخدمت لتخزين آليات هندسية مخصّصة لإعادة إعمار بنى تحتية ارهابية في جنوب لبنان»، وكتب عبر منصة «اكس»: «يواصل الحزب محاولاته لترميم بنى تحتية إرهابية في أنحاء لبنان معرضاً مواطني لبنان للخطر ومستخدماً اياهم دروعاً بشرية، فوجود الآليات وأنشطة حزب الله في تلك المنطقة يشكلان خرقاً للتفاهمات بين اسرائيل ولبنان حيث سيواصل جيش الدفاع العمل لحماية دولة إسرائيل».
وفي توصيفها للمشهد المُرْعب في المصيلح، كتبت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية أن الغارات أدت لتدمير أكثر من 300 جرافة وحفارة، بينها نحو 100 آلية «بوب كات»، صغيرة الحجم، وأن «المعارض التي تعّرضت للتدمير الكامل هي معارض دياب، طباجة، جعفر، صفاوي وترحيني وتُعتبر من أكبر وأضخم معارض الآليات في لبنان، كما تعرضت الآليات في معارض عمار، فرحات، سلامة، خاتون، وخلدون لأضرار كبيرة، وقدرت الخسائر بمئات ملايين الدولارات».
وإذ أشارت إلى أن بعض الغارات «أحدثت حفراً ضخمة في المنطقة إحداها بعمق 8 أمتار، كما تسبب العدوان الجوي بأضرار جسيمة بشبكة التوتر العالي 66 فولت، وبتحطم زجاج عشرات المنازل والمحال والمؤسسات التجارية على مسافة مئات الأمتار»، أصدر فوج الهندسة في الجيش اللبناني، بياناً حول صاروخ لم ينفجر معلناً «سننتظر 72 ساعة وبعدها سيتم سحبه لمكان آمن ولن يتم تفجيره في منطقة المصيلح».
ووفق «الوكالة الوطنية» فقد سقط في العدوان مواطن سوري كان برفقة لبناني أصيب بجروح حرجة وذلك داخل سيارة فان تنقل الخضار والفواكه وصودف مرورهما لحظة الغارات.
ومع تَغَوُّلِ إسرائيل في ترسيم حدود «الحرب المقبلة» المحتملة على «حزب الله» و«الخطوط الحمر» لأي مسارٍ مكمّل لخطة غزة على المستوى اللبناني، وذلك بمعزل عما إذا كانت فصول «سلام القطاع» ستُستكمل بسلاسة أم لا، اعتبرت أوساط واسعة الاطلاع أن لبنان لابد أن يكون كمَن «تَحَسَّس رأسه» أمس وهو يراقب المنطقة «تتحوّل» من حوله وهو على «مقاعد المتفرّجين» ويرصد في الوقت نفسه طلائعَ «كرات النار» التي توقّع بها تل أبيب إصرارِها على سحْب سلاح «حزب الله» بالضغط الديبلوماسي أو «باليد العليا» الإسرائيلية.
ولم يكن عابراً أمس موقفُ اعتُبر ذات إشاراتٍ ضمنية برسْم «حزب الله» من الرئيس اللبناني العماد جوزف عون الذي قال: «مرة أخرى يقع جنوب لبنان تحت نار العدوان الإسرائيلي السافر ضد منشآت مدنية. بلا حجة ولا حتى ذريعة. لكنّ خطورة العدوان الأخير أنه يأتي بعد اتفاق وقف الحرب في غزة، وبعد موافقة الطرف الفلسطيني فيها، على ما تضمّنه هذا الاتفاق من آلية لاحتواء السلاح وجعْله خارج الخدمة. وهو ما يَطرح علينا كلبنانيين وعلى المجتمع الدولي تحديات أساسية. منها السؤال عما إذا كان هناك مَن يفكّر بتعويض غزة في لبنان، لضمان حاجته لاستدامة الاسترزاق السياسي بالنار والقتل. كما السؤال عن أنه ما دام تمّ توريط لبنان في حرب غزة، تحت شعار إسناد مُطلقيها، أفليس من أبسط المنطق والحق الآن، إسناد لبنان بنموذج هدنتها، خصوصاً بعدما أجمع الأطراف كافة على تأييدها؟»، وأضاف: «إن مسؤوليتنا عن شعب لبنان كله وأرضه كلها، تفرض علينا طرح هذه التحديات، لا مجرد التنديد الواجب بعدوانٍ سافر».
بدوره أعلن وزير الداخلية أحمد الحجار خلال جولة تفقدية على مكان الغارات الإسرائيلية على المصيلح أن «الجيش اللبناني يمثل عنوان السيادة والصمود الوطني والحكومة أعطته كامل الدعم في مواجهة العدوان والتهديدات». وقال: «الأهمّ هو وجودنا إلى جانب أهل الجنوب، ونحن كحكومة سنقوم بكل ما هو مطلوب منا لضمان حماية المواطنين والحفاظ على أمنهم واستقرارهم. كل اللبنانيين خلف الجيش، وهو الضامن لاستمرار السيادة والحماية كل الأراضي اللبنانية».
وتعليقاً على الغارات المروعة، قال بري إن «العدوان الإسرائيلي السافر في شكله ومضمونه وفي زمانه ومكانه وبالأهداف التي طاولها لن يغير من قناعاتنا وثوابتنا وثوابت وقناعات أهلنا، الذين مجددا بأرواحهم ومنازلهم ومصادر رزقهم يدفعون ثمن تمسكهم بأرضهم وحقهم المشروع في حياة كريمة»، مضيفاً «المشهد يحكي عن نفسه ويعكس الطبيعة العدوانية للكيان الإسرائيلي، فهو كما في كل مرة ليس عدواناً على المصيلح وأهلها وأصحاب المنشآت الصناعية فيها، إنما هو عدوان على لبنان وأهله كل أهله هناك، استهدف المسيحي كما المسلم واختلط الدم بالدم، فلنتوحد من هناك من أجل لبنان في مواجهة العدوان».
أما «حزب الله»، الذي اغتالت إسرائيل أحد عناصره بغارة استهدفت سيارته في برج قلاويه الجنوبية، فاعتبر في بيان أن «هذا العدوان يأتي في إطار الاستهدافات المتكرّرة والمتعمدة على المدنيين الآمنين وعلى البنى الاقتصادية ولمنع الناس من العودة إلى حياتها الطبيعية وهو تعبير عن الغطرسة والإجرام الصهيوني المستمر والمتواصل تحت نظر الدول الضامنة لاتفاق وقف النار (27 نوفمبر) ولجنة الإشراف عليه، وفي ظل صمت عربي ودولي وغطاء أميركي كامل».
وشدد على أنّ «ذلك يستدعي من اللبنانيين جميعاً تضامناً وطنياً ومن الدولة موقفاً حازماً يرتقي إلى مستوى التحديات والتهديدات القائمة، ويتطلب حركة ديبلوماسية وسياسية مكثّفة، ورفع الصوت عالياً في كل المحافل العربية والدولية، والتقدم بشكوى عاجلة إلى مجلس الأمن للضغط على العدو الإسرائيلي لوقف اعتداءاته وانتهاكاته»
وأكّد أنّ «هذا العدوان الإسرائيلي لا يمكن أن يستمر ولابدّ من مواجهته، وعلى الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها الوطنية تجاه شعبها والقيام بدورها الحامي والحاضن والراعي له».
وفي إطار متصل استوقف الأوساط المطلعة موقف للوزير السابق مصطفى بيرم (من حزب الله) قال فيه «إن من يريد أن يتحدث عن السيادة والكرامة فليتعلم من دماء الشهداء ومعاني التضحية التي صنعها هذا المكوّن لأنّ لا سيادة تعلو على من قدّم للوطن والإنسانية أغلى ما يملك، ولولا المجاهدون الذين صمدوا 66 يوماً في وجه العدوان لكان العدو رفع علمه في بيروت وبعبدا (حيث القصر الجمهوري اللبناني)».
بيروت ودمشق
ولم تحجب هذه التطورات الخطيرة الأنظارَ عن الزيارة التي وُصفت بالتأسيسية لمرحلةٍ جديدة بين «لبنان الجديد» و«سوريا الجديدة» والتي قام بها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وناقش فيها ملفات أمنية وقضائية واقتصادية وسياسية، على وقع «إهداء» دمشق لبيروت قرار تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني - السوري، الذي فَرَضه نظام الوصاية أيام حُكْم الأسدين، وحصْر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة.
وغداة هذه الزيارة التي التقى خلالها الشيباني عون ورئيس الحكومة نواف سلام ووزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، مستثنياً بري في ما بدا رسالة سياسية ذات مغزى، كشف مدير إدارة الشؤون العربية في الخارجية السورية محمد طه الأحمد ما تم التفاهم عليه خلال المحادثات في بيروت التي شملت مجموعةَ ملفات بينها السجناء السوريون والنازحون وترسيم الحدود والمفقودون اللبنانيون في سوريا.
وأوضح الأحمد أن الجانبين توصلا إلى اتفاق على «تسليم السجناء السوريين ما عدا الذين ترتّب على جرمهم دم بريء».
وأوضح في تصريحات تلفزيونية نقلتها «العربية» أن الوزارة طرحت «موضوع المعتقلين في السجون اللبنانية في ثلاثة اجتماعات وتواصلت مباشرة مع الجانب اللبناني»، مؤكدا «أن استجابة الجانب اللبناني جيدة جداً»، معبراً عن أمله بطي صفحة الماضي بين البلدين.
وأشار إلى أن «هناك الكثير من التهم الملفقة للموقوفين السوريين في السجون اللبنانية»، علماً أن هناك أكثر من 2000 سوري موقفون في لبنان ويشكلون نحو ثلث إجمالي السجناء، وفق ما كان كشفه مصدر قضائي لـ «فرانس برس»، موضحاً أن «نحو 700 منهم يستوفون شروط التسليم، لكن الأمر يتطلب اتفاقية جديدة».
ومن هؤلاء السجناء السوريون، مئات الموقوفين بتهم «إرهاب» والانتماء إلى تنظيمات متشددة وفصائل مسلحة، وقد أحيلوا على المحكمة العسكرية، وآخرون متهمون بشن هجمات ضد الجيش اللبناني في مناطق حدودية في ذروة النزاع السوري الذي اندلع عام 2011.
وكان عون أكد خلال لقائه الشيباني أنّ قرارَ دمشق بتعليق العمل بالمجلس الأعلى يستوجب تفعيل العلاقات الدبلوماسية «وننتظر في هذا الإطار تعيين سفير سوري جديد في لبنان لمتابعة كل المسائل من خلال السفارتين في كل من دمشق وبيروت».