من محمد المحمصاني الى جبران تويني... صحافيون شهداء بالرصاص والأسيد والسيارات المفخخة!

في 6 أيار من كل عام نستذكرهم، في كلماتهم أثقال من الحرّية جعلت منهم مشروع شهادة، ما لبث ان تحوّل الى حقيقة منذ ذلك التاريخ، الذي اصبح يوماً استثنائياً مفعماً بأريج العنفوان ورائحة الحبر المشّعة بالحرّية.

 من محمد المحمصاني الى جبران تويني، قائمة الاسماء تطول والقافلة مستمرة منذ العام1915، عرف خلالها لبنان الاستعمار العثماني ومن ثم الانتداب الفرنسي، فالاستقلال الاول، ثم الثورات الداخلية وصولاً الى الحرب اللبنانية، مروراً بالاحتلالين السوري والاسرائيلي، وانتهاءً بثورة الارز والاستقلال الثاني ...

تاريخ حافل من القمع ومسيرة كبيرة سقط فيها صحافيون كبار، سّطروا بأقلامهم ملاحم بطولة، وكتبوا الحق والحقيقة ودافعوا عن سيادة لبنان واستقلاله، بدءاً بالصحافي الشهيد محمد المحمصاني، الذي سقط مع شقيقه محمود في بداية مسيرة الشهادة في العام 1915، حين أعدمهما جمال باشا في ساحة البرج التي اصبحت لاحقاً ساحة الشهداء. بعدها إقتيد في 6 ايار من العام 1916 أحد عشر صحافياً هم: أحمد حسن طبارة، سعيد فاضل عقل، عمر حمد، عبد الغني العريسي، عارف الشهابي، باترو باولي وجورجي حداد، ليسيروا على درب الشهادة. وبعد أقل من شهر انضمّ فيليب وفريد الخازن الى قافلة الشهداء، التي توقفت مع انتهاء حكم جمال باشا وانهيار السلطنة العثمانية.

 

لكن في العام 1958 عاد القتل ليكون رادعاً للكلمة الحرّة، فسقط نقيب المحررين آنذاك نسيب المتني، ليتبعه في العام 1966 الصحافي كامل مرّوة، ومن ثم في العام 1976 حين سار رئيس تحرير صحيفة  " لوريان لو جور" ادوار صعب على درب الحرّية، فسقط اثناء توجّهه الى مكتبه في منطقة الحمرا.

اما الفاجعة الكبرى فكانت الطريقة التي ُقتل فيها الصحافي الكبير سليم اللوزي بعد خطفه على طريق المطار في العام 1980، حيث اُحرقت يده بالأسيد واُطلق الرصاص على رأسه، علماً انه كان يُصدر مجلّته "الحوادث" من العاصمة البريطانية. وبعد أشهر معدودة نالت يد الغدر من نقيب الصحافة حينها رياض طه، الذي تعرّض لمحاولة اغتيال سابقة لم تنجح، وكان قد ُسجن في العام 1955 بسبب بعض مقالاته، حتى سقط شهيداً في العام 1980.

 

بعدها إستمر مسلسل القتل... فسقط الصحافي سهيل طويلة شهيداً في العام 1986، حتى طلّت ثورة الاستقلال الثاني في العام 2005، فطالت يد الغدر منسّق هذه الثورة الصحافي في جريدة النهار سمير قصير، ليتبعه بعد اشهر النائب والصحافي الحرّ جبران تويني، الرمز والصوت الصارخ المُطالب دوماً بالحرّية.

كل هؤلاء سقطوا لانهم أزعجوا البعض في كتاباتهم، وهذا البعض عمل على إسكات صدى أقلامهم ونجح بذلك، فكان القتل الرادع الوحيد للقيام بهذه المهمة...

اذا القائمة طويلة، والمساحة لا تتّسع لذكر جميع الأسماء التي سقطت دفاعاً عن الحقيقة الصعبة. انه قدر الصحافيّين الاحرار دائماً يسقطون شامخين، ليكونوا حافزاً للحرّية وفداءً عن قناعاتهم الوطنية .

الصحافة مهنة لا تنتهي متاعبها، واليوم مساحة الحرّية تضيق اكثر فأكثر،وتحتاج لمَن يحرّرها. إستدعاءات الصحافيّين تتوالى على خلفية طرح أسئلة لم تعجب البعض، او إجراء مقابلة كشفت المستور، والنتيجة يدفع ثمنها الصحافي دائماً.

 من هنا نطالب بتحرير الحريّة، وبعودة لبنان الى الصورة التي تغنّى بها، أي مشهدية الكلمة الحرّة التي لطالما كانت عنوانه.

صونيا رزق