المصدر: نداء الوطن
الكاتب: فتات عيّاد
الاثنين 16 حزيران 2025 07:30:47
تمثّل مصلحة تسجيل السيارات والآليات والمركبات - نافعة الدكوانة، نموذجاً مصغّراً عن الدولة اللبنانية، كمرفق عام يدرّ ملايين الليرات يومياً للإدارة، وينخره تاريخياً الفساد ونظام الرشى الممنهج. من هنا كانت رمزية زيارة الرئيس جوزاف عون لهذا المرفق العام، توازياً مع تعيين رئيس جديد للنافعة، هو العميد نزيه قبرصلي، مع مسيرة أمنية حازمة كرئيس سابق لتحري بيروت، في إشارة إلى أن عهد الإصلاح ومكافحة الفساد قد بدأ في لبنان بدءاً من النافعة.
الإصلاحات بدأت بالفعل منذ اليوم الأول للإدارة الجديدة، وتمحورت إدارياً حول حماية وتفعيل "مكننة" الإدارة، بدءاً من منصة حجز المواعيد tmo.gov.lb، التي كانت قد ضربت، في زمن الإدارة السابقة، مع فتح خط مواز للمواعيد من خارج المنصة لسماسرة، بالتواطؤ مع موظفين. هذا الإصلاح لم يكن إلا "أول الغيث"، واستتبع بإصلاحات أخرى أضاءت عليها "نداء الوطن" في مقال سابق بعنوان "إقفال مدارس سَوق وتوقيفات وQueueing system".
هذه الإصلاحات، ومع أنها تأتي ضمن الخطة الإصلاحية لرئيس النافعة ببعدها "قصير المدى"، لا "المتوسط" ولا البعيد"، فإنها مع ذلك، بدأت تتسبب بإنزعاج وخوف لدى المنتفعين من فساد النافعة، بدءاً من السماسرة، ما انعكس "حرتقة" و"تشويشاً" على تلك الإصلاحات.
مهاجمة الإصلاحات في الإدارة، لم تقتصر على بث الأجواء التشاؤمية الساخرة من جدواها، إنما حاولت ضربها بالصّميم. في السياق، تكشف "نداء الوطن" في هذا المقال، كيف يحاول المتضررون من المنصة، بدءاً من السماسرة، ضرب فكرة المكننة في الإدارة، وتكشف أيضاً عن حلحلة ملف أكثر 4000 رخصة سوق توقف العمل بها، بإشارة قضائية عام 2022.
تسخيف الإصلاحات: أو الخشية منها؟
منذ أن وضع ملف النافعة تحت مجهر الرئاسة الأولى، باتت معركة الإصلاح فيها، معركة الدولة برمتها، لرمزية هذا المرفق العام كـ "وكر" تاريخي للفساد، إن تم إصلاحه، أثبت أن الإدارة اللبنانية جمعاء، قابلة للإصلاح أيضاً.
من هنا، ليس مستغرباً، إيلاء وزير الداخلية أحمد الحجار اهتماماً كبيراً بهذا الملف، بتخصيصه ورشة مفتوحة لمعالجة ملف النافعة في الوزارة بشكل يومي، وفق ما كان العميد نزيه قبرصلي، رئيس النافعة بالتكليف، قد كشف في مقال سابق لـ "نداء الوطن"، بعنوان "خطّة إصلاحية في النافعة: خدمة "معجّلة" Queueing system وصولاً للمكننة".
هذا الجو الداعم للإصلاح في الإدارة، ترافق بدوره، مع همة إصلاحية استثنائية بوقت قياسي. "الإنجاز الأول" الذي سرعان ما حقّقته الإدارة الجديدة، قبل مضيّ شهر على عملها في النافعة، كان إقفال باب أخذ مواعيد لتسجيل السيارات من خارج منصة المواعيد tmo.gov.lb.
فبعد أن تمّ ضرب المنصة عبر فتح نظام حجز مواز من خارجها، قوامه التواطؤ بين سماسرة وموظفين في الإدارة السابقة للنافعة، وبيع المواطن موعداً مقابل مبالغ وصلت إلى 150 دولاراً من خارج المنصة، لم يعد بإمكان أي مواطن اليوم، حجز موعد إلا عبر خط واحد يمر منه جميع اللبنانيين بالتساوي، هو منصة حجز المواعيد.
ولمعالجة الـ Attack أو "هجمة" السماسرة على المنصة، بحيث كانوا يدخلون في وقت واحد، مع فتحها كل يوم العاشرة صباحاً، فيحجزون جميع المواعيد في غضون ساعة، ويحرم المواطن الذي يريد إجراء معاملته بنفسه من الحجز لأيام، خصصت الإدارة الجديدة خانة حجز للمواطن صاحب العلاقة، مستقلة عن خانة الحجز للوكيل، واضعة نظام الـ OTP، الذي يمنع الشخص من حجز عدة مواعيد في فترة زمنية محددة، على رقم الهاتف نفسه.
هذا الإنجاز تكمن أهميته، في تثبيت وحماية تجربة المكننة في الإدارة. فغياب - مكننة المواعيد - يعني حكماً، العودة إلى طابور الانتظار واحتكاك المواطن بالموظف، وبمعنى أدقّ، عودة البيئة المحفزة للرشاوى.
لكن لهذه البيئة الفاسدة، عشاقها، من كارهي الإصلاح في الإدارة، الذين بدأوا "يحرتقون" على صرامة الإصلاح، وصولاً للترويج - الوقح - لفكرة عودة الرشى في المواعيد على أنها طريق أسرع من المكننة.
المكننة التي خولت المواطن، أن يضمن وجود موعد له عوض الانتظار يوماً كاملاً بشكل عشوائي قد لا يضمن له دوراً في النافعة، أغضبت الجهات المستفيدة من العشوائية والفوضى والفساد، وكأن اللبناني "مش لابقتلو المكننة!".
أول المتضررين، كان بعض السماسرة، وعلى قاعدة "يللي بيغيّر عادته بتقلّ سعادته"، فقد لجأ إلى أساليب احتيالية جديدة، يستغل فيها انعدام ثقة المواطن بدولته، للكسب المالي، أما المواطنون الذين وقعوا ضحايا هكذا عمليات، فمستمرون بالتذمر على قاعدة أنه "ما بيحلها إلا السمسار". فكيف يحتال هؤلاء السماسرة على المواطنين؟
المنصة وبيع "الموعد المجّاني"
جولة بسيطة حول نافعة الدكوانة، لأي مواطن، يسأل كيف يحجز موعداً على منصة حجز المواعيد، tmo.gov.lb، كفيلة بفضح تكتيكات السماسرة الاحتيالية، ومحاولات خداع المواطن، التي وصلت حدّ بيع الموعد المجاني على المنصة!
"صعب تسجلي موعد على المنصة"، "السمسار بيعرف يسجل أكتر منك"، "بيكلفك الموعد 100 دولار... أنا بعملّك تسعيرة أرخص". هذه ردود بعض السماسرة على سؤالنا "كيف نحجز موعداً على منصة tmo.gov.lb".
أما مكاتب تسجيل السيارات في جوار النافعة، فلم تعد قادرة على التعتيم حول فتح خانة خاصة بالمواطن لحجز المواعيد، وبعضها يرشد المواطن بصدق إلى ذلك، أما البعض الآخر، فيدّعي أن المواعيد للخانة المخصصة للمواطن قد تم إقفالها مبكراً، ليعرض عليه حلّه السحري (ليس شيئاً سوى أن يحجز لك بنفسه)، بتسعيرة تبدأ من 30 دولاراً للموعد الواحد.
ووفق معلومات "نداء الوطن"، فهناك حجوزات تبقى متاحة على المنصة لوقت متأخر من الليل، على عكس ما يدّعي بعض أصحاب هذه المكاتب أو بعض السماسرة، وذلك بحسب نوع المعاملة. علماً أن العدد اليومي لمواعيد المنصة، محدود بسقف القدرة الاستيعابية للنافعة.
رخص السوق "المقفلة"... إلى الحلحلة
جدية الإدارة الجديدة في تنفيذ الإصلاحات، تجلت في مراحل عدة، إحداها، وعد رئيس النافعة العميد نزيه قبرصلي عبر "نداء الوطن"، باستحداث Queueing system، أو نظام إلكتروني لإدارة انتظار المواطنين، بالدور، في نافعة الدكوانة، لتخفيف الازدحام، وقد بدأ ذلك بالفعل في قسم السيارات السياحية الخصوصية، في أقل من شهر، ما سهّل عملية انتظار المواطنين.
أما في جديد الإصلاحات، فحلحلة ملف "متكدس"، إداريّاً منذ أكثر 3 سنوات، وهو ملف "رخص السوق"، التي أقفلت إبان التحقيقات والتوقيفات في النافعة، بعد فضيحة تزوير رخص سوق في مصلحة الأوزاعي، حيث تم توقيف أكثر من 4000 معاملة رخصة سوق في فروع عدة للنافعة، وذلك بإشارة قضائية، عام 2022.
في السياق، تكشف مصادر "نداء الوطن"، أنّ هذا الملف وضع اليوم على سكة الحل، حيث تعالج كل حالة على حدة، ويمكن لمن علقت رخصهم آنذاك، أن يراجعوا الإدارة اليوم فيها.
محاربة الفساد "إلزامية" لإصلاح الإدارة!
الإصلاحات الإدارية المطلوبة كثيرة، وبعضها ليس سهلاً ويتطلب تمويلاً ووقتاً لوضعه على السكة في إدارة بقيت لعقود في حالة إدارية مهترئة، سيما وأن المنجز من الخطة الإصلاحية لرئيس النافعة إلى اليوم، ما زال ضمن بعدها القصير، أما الفروقات الملموسة بشكل نسبي كبير، فلن يشعر بها المواطن إلا عند التحول إلى المكننة الشاملة في النافعة.
وعلى الرغم من "تصفير" عداد المواعيد من خارج المنصة على قاعدة: زمن الوساطات انتهى، ليس غريباً أن تعاب إدارة النافعة اليوم، بأنها "تتلهى بمكافحة الفساد"، من جهات منتفعة من فساد النافعة السابق، بحجة أن "الأولوية للإصلاح الإداري". فالتشويش على مكافحة الفساد، منبعه الخشية من أن يطال كل الأيادي "المنتفعة" من النافعة على حساب المرفق العام!
لكن الأهم اليوم هو عدم التراخي في توازي الإصلاح ومكافحة الفساد في آن، إذ إن الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد لا يسيران بالتوازي وحسب، بل إن تحديث وتطوير أي إدارة، في بيئة فاسدة، قادر على الإطاحة بأي إنجاز.
وفي سياق مكافحة الفساد، فقد بلغت حصيلة التوقيفات الحديثة حتى اليوم، بملفات فساد في النافعة وفق مصادر مطلعة لـ"نداء الوطن"، 6 أشخاص بين سماسرة وموظفين، علماً أن هذه التوقيفات منفصلة، عن توقيفات قد حصلت قبل أشهر، مع فتح ملف خوة الـ 50 دولاراً، التي كان المواطن يحجز فيها موعداً لتسجيل سيارته عبر يوم مخصص لمعارض السيارات المستعملة، مقابل "بونات بنزين" كانت تقدمها لهيئة إدارة السير، وهو ما توقف قبل استلام الإدارة الجديدة مهامها، بمجرد فتح الملف في شعبة المعلومات.
وتبقى العين على الإصلاحات بعيدة المدى، وصولاً للمكننة الشاملة في النافعة اليوم، في ظروف مؤاتية للإصلاح فيها. لكنها في الوقت عينه معركة ليست بالسهلة، فإصلاح ما أفسده حكم المافيا والميليشيا، لا يتم بعصا سحرية. ولعلّ أهم إنجاز يعول على تحقيقه في النافعة اليوم، هو بناء ثقة المواطن اللبنانيّ بالإدارة ودولة المؤسسات!