موسم الزيتون في الجنوب يعيش انتكاسة "الحرب".. وزراعته تنتعش في البقاع

منذ أكثر من خمسين عامًا، ولم يمرّ موسم الزيتون بهذا التراجع الكبير. نكسةٌ كبيرةٌ عاشها القطاع، إذ تراجع الإنتاج بحسب المزارعين إلى أكثر من 70 %، ويعود السبب إلى الحرب التي طالت القرى، واستخدمت خلالها أسلحة سامة قضت على قطاع الزيتون بشكلٍ كبيرٍ.


مع بداية تشرين الأول، ينطلق الناس نحو حقول الزيتون أو ما يُعرف بـ"البترول الجنوبي الأخضر"، فالزيت في الجنوب يُعد نفطًا يدرّ أموالًا على أصحابه.

ولكن، ومن سوء الحظ خيّبت شجرة الزيتون، آمال المزارعين هذا العام. فلا الإنتاج جيد، ولا الكميةُ كافية ولا الجودة مميزة. هذا ما أدّى إلى ارتفاع تنكة الزيت إلى أكثر من 200 دولار، ومرشّحة للارتفاع في ظل انخفاض الإنتاج.

عوامل عدّة أسهمت في تراجع الإنتاج، تبدأ من ندرة الأمطار، وإهمال الاعتناء بالأشجار بسبب الحرب، والصواريخ السامة التي ضربتها إسرائيل وتركت آثارها الخطيرة على الزراعة، ومن بينها الزيتون.

المزارع الجنوبي يخسر مصدر رزقه
حسين الملاط هو أحد فلاحي بلدة عيترون جنوبي لبنان، يقول إنّ "أراضيه تعرّضت بشكلٍ مباشر للضرر، بسبب القنابل التي تفجّرت، سيّما القنابل العنقودية، والتي سببت أضرارًا هائلة على منتجاتنا الزراعية، حتى بعد انتهاء الحرب. وكثيرة هي الحقول التي لم نستطع أن نصل إليها بسبب الألغام والبقايا المتفجرة. وأنا شخصيًا خسرت أكثر من 5 دونمات، وكل تعبي الذي سعيتُ من أجله طوال سنيني تبخّر. تضررت أشجار الزيتون بالكامل، والبعض منها لم أرَ أثره حتى، بسبب القصف المستمر في المنطقة. كما خسرتُ محاصيل مثل الزهرا، والكرنب، والتفاح، أي ما يقارب الـ10,000 دولار كخسائر مباشرة. ويوم عدنا إلى الزراعة، المحاصيل لم تعد كما كانت سابقًا".

كما يشير المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS) إلى أنّ "استخدام الجيش الإسرائيلي للفوسفور الأبيض أدّى إلى احتراق آلاف الدونمات الزراعية، وتلوّث الهواء والتربة، وقدّر المجلس الخسائر البيئية المباشرة بأكثر من 214 مليون دولار".

وقد أعلن مسؤولو الوزارة أنهم يعملون على إعداد برنامج وطني للاستصلاح البيئي يشمل تأهيل التربة، فحص المياه الجوفية، وإصلاح الشبكات الزراعية المتضررة، فور توقف العمليات العسكرية.

انتعاش زراعة الزيتون في البقاع
يشير رئيس تجمّع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، إلى أنّ "أراضي البقاع الشمالي بدأت تستعيد الحياة مع تمدّد زراعة الزيتون بوتيرةٍ متسارعة. فقد شكّل تراجع الإنتاج في الجنوب دافعًا للمزارعين في البقاع لاستغلال الأراضي المهملة، وتحويلها إلى بساتين زيتون، في مشهدٍ يعكس قدرة الطبيعة على التجدّد رغم كل الخسائر".

ويضيف للدّيار، أنّ "المزارع اللبناني لم يعد باستطاعته الاعتناء بأرضه كما في السابق، فقسم كبير من الأشجار قد احترق وأتلف خلال الحرب، سيّما في منطقة جنوب لبنان. شجرة الزيتون هي الشجرة الأولى التي تعرضت للتلف والقطع والتلوث. وهذا ما زاد لدى المزارع البقاعي الرغبة في الاعتناء بهذه الشجرة المثمرة والجبّارة، سيّما في الهرمل ورأس بعلبك وكل هذه المناطق البعلية التي تتمتع بندرة في المياه".

ويؤكد أنّ "معدّلات العام هذا، كانت متدنية كثيرًا فلم نصل إلى 30% من المعدّل الماء الطبيعي، فإذا كان المعدّل 600 ملم في تل عمارة، هذا العام لم تصل المياه إلى أكثر من 220 ملم. وهنا في هذه الحالة، ما من تغذية في الينابيع والأنهر ولا الآبار الارتوازية، فمن شهر 2 و3 كنّا متوقّعين أننا سنصل إلى هذه المصيبة. بالإضافة إلى آثار الحرب التي أثرت أيضًا في المساحات الخضراء".

ويضيف: "المشكلة أن المزارع بقي متأملًا رغم وجود مصائب بقاعية مثل تدنّي مستوى المياه في بحيرة القرعون الى أدنى مستوى منذ تاريخ بحيرة القرعون وصولًا لليوم. من 50 عامًا، مارسنا العمل الزراعي ولم نشهد هذا الشح من الامطار".

شح المياه والتوجه نحو البدائل
الترشيشي يعتبر أنّ الشح في المياه أثّر في الزراعة، من خلال" رفع كلفة إنتاج الرّيّ من 7 % إلى 30%. ومن هنا ستزداد الخسائر لدى المزارع، وبالتالي كثرٌ من المزارعين (20% منهم) عانوا من تلف في مزروعاتهم، و30 % سقوا أراضيهم نصف الكمية المطلوبة، لذلك الإنتاج لم يكن كافيًا. و50% سقوا مزروعاتهم بالكمية المطلوبة ولكن بكلفة عالية جدًا مع خسارة في الرأسمال. واليوم، مع قلّة تصريف الإنتاج وكساد الأسعار مثل البطيخ، البطاطا والبصل باتت أسعارها أقلّ من كلفتها بكثير. لذلك، علت صرخة المزارع أكثر وأكثر. وإسرائيل دمّرت آلاف الدونمات من أراضي الزيتون الجنوبية (حوالى 12% من مَزارع الزيتون في جنوب وشرق البلاد أي حوالى 36% من الإنتاج الوطني). وأدّى القصف اليومي والمكثّف إلى إحراق وتلف وقطع أعداد كبيرة منها، وتلويث البعض الآخر، جرّاء المواد السّامة الناتجة من هذه الحرب. كما تلوّثت التُربة والأرض ما أدّى إلى صعوبة احتضان هذه الأراضي للأشجار.

وفي المقابل، بدأت أراضي البقاع الشمالي تستعيد الحياة مع تمدّد زراعة الزيتون بوتيرةٍ متسارعةٍ. فقد شكّل تراجع الإنتاج في الجنوب دافعًا للمزارعين في البقاع لاستغلال الأراضي المهملة، وتحويلها إلى بساتين زيتون، في مشهدٍ يعكس قدرة الطبيعة على التجدّد رغم كل الخسائر. فموسم الزيتون الذي كان يشكّل مصدر رزقٍ أساسيًا لأكثر من مئة ألف عائلة جنوبية في أوقات السلم، يسهم في توفير فرص عمل موسمية لآلاف العمال الذين يعملون على قطفه، أو يشتغلون في معاصر الزيتون المنتشرة في المنطقة".