موضة "الشاليهات": نهضة سياحية أم "فورة وبتقطع"؟

لم يعد الاصطياف حكراً على بلدات وقرى، كعاليه وبحمدون وصوفر وبرمانا، عُرفت تاريخياً بكونها مقصداً للسياح، إما لتميّز طقسها أو بسبب الخدمات السياحية التي تقدّمها لروّادها. اليوم، «موضة» الشاليهات اكتسحت لبنان من أقصاه إلى أقصاه، بعضها يُبنى أساساً كشاليه مع حوض سباحة صغير خاص، وبعضها منازل قرّر أصحابها استثمارها، فاستحدثوا فيها أحواض سباحة وعرضوها للإيجار مقابل مبالغ تراوح بين 120 دولاراً و500 دولار لليلة الواحدة، بحسب موقع «الشاليه» ومزاياه!

توضح آيات زعيتر، وهي صاحبة مؤسسة للعقارات وبيع الشاليهات وتأجيرها في بيروت والجنوب، أن «الحجوزات تنفد قبل بدء الموسم الصّيفي بأشهر، وأن الزبائن من لبنانيين، مقيمين ومغتربين، وليس بينهم أجانب.
تميّز رئيسة دائرة الفنادق ومؤسسات الإقامة في وزارة السياحة سارين عمّار بين «الشاليهات» وبيوت الضيافة، إذ إن «بيت الضيافة هو، عادة، بيت تراثي لا يزيد عدد غرفه على عشر، يقيم المستثمر فيه أو ضمن نطاقه، فيشعر النزيل بأنه ضيف. أما الشاليه، فهو وحدة متكاملة أو وحدات متفارقة يختلف الإطار الهندسي فيها عن بيت الضيافة، وتضمّ إدارة عامة وحراساً. وتختلف الشاليهات عن الفنادق في درجات التصنيف، فمقابل 620 معياراً للفنادق ترتبط بالخدمات ومساحة الغرف ونظام الحرائق وغيرها، يخضع الشاليه لثلاث درجات تصنيف تتعلق بالخدمة فقط». ويعرّف المرسوم الرقم 6298/2011 بيوت الضيافة الأخيرة بأنّها «بيوت لبنانية خاصّة مؤهلة لاستقبال وإيواء روّاد الرياضة التي تمارس في الطبيعة وهواة السياحة البيئية والثقافية على أنواعها، يتم انتقاؤها في مناطق وقرى لبنانية، بهدف تعريف السيّاح الأجانب واللبنانيين على العادات والتقاليد المحليّة والمطبخ اللبناني».

وتنقسم الآراء حول هويّة «الشاليهات» التي انتشرت في مختلف المناطق، بين من يرى أنّها «تندرج، كما بيوت الضيافة، ضمن إطار القطاع العقاري المرتبط بالسياحة والضيافة، بما أنّ البعض يستأجرون الشاليهات أو بيوت الضيافة لتمضية الوقت داخلها من دون أن يقوموا بالضرورة بزيارة القرية أو ارتياد المطاعم أو القيام بأي نشاطات أخرى»، بحسب رئيس جمعية Rethinking Lebanon التي تُعنى بتشجيع السياحة الريفيّة جهاد الحكيّم. فيما تضعها عمّار في خانة النشاط السياحي، وخصوصاً السياحة الريفية التي «توفّر سياحة مستدامة بأبعاد ثقافية واقتصادية واجتماعية. فبعدما راجت أنواع جديدة من السياحة مثل الدينية والزراعية والبيئية وسياحة النبيذ، وغيرها، وتطوّر مفهوم السياحة ليشمل تبادل الأفكار والثقافات بما يحقّق التوازن المناطقي في المجال السياحي، برزت حاجة السائح إلى مساكن للمبيت فيها. ينقص مدينة بعلبك، مثلاً، هذه الوحدات السياحية، وخاصّة في ظلّ استضافة المهرجانات الفنيّة».

يعزو الحكيّم انتشار الشاليهات إلى أمرين، الأول يرتبط بالعرض، أي «حاجة المتمولين إلى استثمارات مربحة تتطلب رساميل قليلة إلى حدّ ما وشروطاً تنفيذية أسهل، وخصوصاً بعد انتشار الاقتصاد النقدي وفقدان الثقة بقطاع المصارف». والثاني يرتبط بمتطلبات المستخدمين، إذ «يتوجّه الجيل الجديد إلى الشاليهات وبيوت الضيافة كجزء من السياحة الريفية لميلهم إلى المغامرة وتجربة ما هو جديد، بعدما راجت عالميّاً هذه السياحة التي تؤمن تجربة مختلفة عن السياحة التقليدية، وبعدما قامت مواقع التواصل الاجتماعي بدور كبير في الترويج لبيوت الضيافة والشاليهات». ويلفت الحكيّم إلى عوامل أخرى، منها توجّه اللبنانيين إلى السياحة الداخلية مع تدهور قوتهم الشرائية وعدم قدرتهم على السفر، إذ «تبقى كلفة إيجار الشاليه أوفر من غرفة الفندق لأنه غالباً ما يتقاسم عدد من الأشخاص شاليهاً واحداً». أضف إلى ذلك أن «جائحة كورونا وما فرضته من حجر منزلي شجّعت على القيام بنشاطات ضمن المنزل، فظهر الميل، حتى بعد انحسارها، إلى أماكن يتجمّع فيها الأصحاب والأزواج والعائلات وتُحترم فيها الخصوصية».

لكن، ما الذي يدفع مجموعة من الأشخاص إلى تمضية يوم كامل في منزل - شاليه في قرية نائية قد تكون مجاورة لقريته، لا نشاطات أو خدمات سياحية فيها؟ هذه الفئة، وفق الحكيّم، «تريد تغيير جوّ كيفما اتفق. تجتمع لاحتفال في مناسبة معينة، أو لتضمية الوقت والاستفادة من شاليهات تضم أحواض سباحة، تطلب الطعام من الخارج أو تحضّره بنفسها». ويضيف: «لم أتخيّل استئجار بيوت في مناطق نائية كما يحصل اليوم، وخصوصاً في أماكن لا تتوافر فيها أيّ مقوّمات سياحية كالمناطق الأثرية والتاريخية، ولا الخدمات والبنى التحتية، ولا نشاطات ثقافية وترفيهية»، مشيراً إلى أن هناك شرائح تغويها هذه الأماكن، «كرغبة الملتزمين دينياً بتوفير مساحات خاصة للعائلات تشمل أحواضاً للسباحة».

هل يعدّ هذا نهضة سياحية تحرّك العجلة الاقتصادية؟ تجيب عمّار: «بالطبع. في العادة، تُقصد الشاليهات بغرض الاستجمام لوجود أحواض سباحة أو بحر أو حديقة، وغيرها». أما إذا كان الهدف التأمّل أو ممارسة نشاطات روحية، أو دعماً نفسيّاً أو جمعات عائلية فحسب، فـ«إنّ تشغيل الشاليه يحرّك الدورة الاقتصادية لأنّه يشغّل موظفين وعمّالاً في الإدارة والاستقبال والتنظيف والصيانة، عدا عن تقديم الطعام، وأحياناً الأكل البيتي». لكن هنا لا بدّ من نشر الوعي حول أهميّة التعرّف على المناطق وثقافة كلّ منها. كذلك، «يجب أن يكون هناك رقابة أكبر على هذه الشاليهات وبيوت الضيافة لجهة توفّر الرخص والشروط والمعايير حتّى يبقى لبنان ينافس عالميّاً في مجال السياحة». ومن أجل ذلك، تدعو وزارة السياحة الجهات المحلية من بلديات، ومحافظين، حتى المخاتير وكلّ من يؤدي دوراً تفاعلياً في المنطقة، ولا سيّما الجمعيات الأهلية إلى التنسيق معها لوضع الخطط، وسدّ النقص في متطلبات السياحة من خلال التشجيع على الاستثمار في المجال السياحي.

ترخيص الشاليهات
رغم أن موجة «الشاليهات» جديدة، لحظ المُشرّع بناء الشاليهات منذ نصف قرن، إذ يعود تاريخ المرسوم الرقم 15598 الخاص بتحديد الشروط العامة لإنشاء المؤسسات السياحية والاستثمار فيها إلى عام 1970، قبل أن يُعدّل ويصدر المرسوم 4221 عام 2000، والذي يتجاوزه معظم أصحاب «الشاليهات»، بين من لا يلتزم بالتقدّم بطلب رخصة إلى وزارة السياحة، ومن لا يعرف أنّ إنشاء «شاليه» يتطلّب ترخيصاً من الأصل. ويحقّ، بموجب المرسوم الأخير، لكلّ من تتوفّر لديه شروط معاطاة التجارة الاستثمار في مؤسسة سياحية، شرط التقيد بالقوانين والأنظمة السياحية. وينصّ في المادة الثانية «على من يرغب التقدّم بطلب من وزارة السياحة، يعرض فيه فكرة المشروع مرفقاً بدراسة للجدوى الاقتصادية وبالخرائط التمهيدية، وفي حال كان البناء قائماً يجب تقديم المستندات الثبوتية المتعلقة بقانونية البناء»، وضرورة «التقيد بالمخططات التوجيهية العائدة للمنطقة ومراعاة النواحي البيئية والمعمارية». وبعد الحصول على الموافقة في المرحلة الأولى، وإذا كان المشروع يُراد تشييده أو تحويره، يتقدّم المستثمر بطلب الموافقة الفنية الذي يجب أن يضم الخرائط التفصيلية العائدة له، ولا تعفي الموافقة الفنية من ضرورة الاستحصال على سائر الرخص والإجازات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة النافذة، ثم يبرز المستندات المطلوبة كمرحلة ثانية. وتمنح إجازة الاستثمار بعد دراسة الملف وإجراء الكشوفات الضرورية وأخذ رأي اللجنة السياحية الاستشارية».