المصدر: الراي الكويتية
الأربعاء 9 تموز 2025 02:00:37
قال الموفد الأميركي توماس براك كلماته «الدافئة» ومشى تاركاً للبنانيين تفسيرَها، على طريقة «لوحة الموناليزا»، وإن مع معطياتٍ خلف الكواليس عن أن جوهر مَهمته كـ«وسيطٍ» في ملف سلاح «حزب الله» وأخواته يتمحور حول أن لبنان أمام نافذةٍ ضيّقة فإما يقفل بنفسه «بابَ الريح الهوجاء» التي ما زالت تحوم فوقه، وإما يكون عَزَلَ نفسه عن رياح التغيير التي هبّتْ على المنطقة ليبقى على قارعة الشرق الجديد أسير... قرقعة الصواريخ.
وفي الوقت الذي كان برّاك في اليوم الثاني لزيارته يواصل لقاءاته، حيث زار قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل وجال في منطقة جنوب الليطاني، فإن المواقف التي أطلقها أول من أمس وُضعت في «الغربال» وراوحت قراءتها بين حدّي:
- أنها تعبير عن «دبلوماسية دسّ السم في العسل» بمعنى أن المقاربة الهادئة التي اعتمدها براك وبدت أقرب إلى «الغموض الإستراتيجي» المتعمّد، انطوتْ عملياً على حشْر الدولة اللبنانية في زاوية إيجاد «الترياق» لمشكلة «حزب الله»، الذي وإن كان «مُنتَجاً للثورة الإيرانية» (في امتداده الآيديولوجي والعسكري) وفق خصومه، فإنه مُنْتِج أزمات متناسلة ومتاعب لـ«لبنان أولاً» قبل الإقليم.
- وأنها تعبّر عن تَفَهُّمٍ أميركي للتمهُّل الرسمي اللبناني في التعاطي مع قضية السلاح والتأني في تحويلها لغماً يَنفجر بالجميع في الداخل في الوقت الذي تسعى واشنطن إلى «إخماد الحرائق» في المنطقة ولو أحياناً على طريق «السلام بالقوة».
وإذ أفادت تقارير بأن جولة براك في جنوب الليطاني تخللتْها معاينة للإجراءات التي قام بها الجيش اللبناني لتنفيذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) في المنطقة وأنه أثنى على الجهود التي قام بها الجيش في هذه البقعة، فإن مَن تسنى لهم الاطلاع على فحوى محادثات أجراها الموفد الأميركي خارج لقاءاته مع رؤساء الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري ووزير الخارجية يوسف رجي، رسموا صورةً متعددة البُعد عن مهمته والردّ الذي تلقّاه من لبنان الرسمي (عون) على مقترَحه للحل.
لاءات... ولاءات
وبحسب هؤلاء فهناك 3 لاءات تُقابِلها 3 لاءات أخرى ارتسمت «بين السطور» و«فوق سطوح» زيارة براك وعلى هامشها:
- «لا» من «حزب الله» لتسليم سلاحه، وظهّرها تباعاً عشية الزيارة وصولاً إلى تكرار نائبه إيهاب حماده، «إننا لا نعتبر» الأميركي وسيطاً بل شريكاً (لاسرائيل)، معتبراً أن الحزب «وعلى عكس ما تقول الولايات المتحدة إنه مشكلة لبنانية، فهو كان حلا وضماناً للبنان، وأميركا وإسرائيل هما أساس المشاكل في العالم والمنطقة»، ومؤكداً أن «موضوع السلاح ليس مطروحاً إطلاقاً وهو فقط مطروح لدى بعض اللبنانيين في خيالهم وأوهامهم، ونص القرار 1701 يتحدّث عن إجراء جنوب الليطاني، «حزب الله» ملتزم بكل مندرجاته، لكن من انقلب وخرق ولم يُبقِ شيئاً هو الإسرائيلي».
وإذ لفت حمادة إلى «أسئلة رئيس الجمهورية المتعلقة بالتنصل الكامل للأميركي من أداء الإسرائيلي وخرق 1701»، معتبراً أن «هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات»، شدد على «البقاء في موقع المقاومة حتى تحرير كامل الأراضي العربية وتحرير أرضنا».
- «لا» من إسرائيل لبقاء وضعية «حزب الله» وسلاحه كما هي، أو ترْكها لدينامية داخلية «مفتوحة زمنياً».
- «لا» من الدولة اللبنانية لأي مواجهة داخلية مع الحزب من شأنها جرّ البلاد إلى صِدامٍ لا قدرة لها على تَحَمُّله، وأكلافه أعلى بكثير من أيّ حرب إسرائيلية و«ستحفر» في السلم الأهلي طويلاً، وتالياً فإن الحلّ بالنسبة لها «هو من الخارج إلى الداخل، ولن نقحم أنفسنا في ما قد يجرّ إلى ما لا تُحمد عقباه».
وفي حين يكشف مَن اطلعوا على جوانب من زيارة براك أن فحوى مقاربته يتمحور حول أن على الدولة أن تبسط سيادتها على كامل أراضيها وتحتكر السلاح وتضع «جدولاً زمنياً» افتراضياً محكوماً واقعياً بالسرعة الهائلة التي تتحوّل فيها المنطقة وإلا «بقيتْ خلف الركب وتحمّلت تبعات موقفها، و«هذه ستكون مشكلة لبنان»، فإنهم أشاروا إلى 3 لاءات ستترتّب على تلكؤ بيروت عن إعلاء المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار وعدم التقاط «فرصة العمر» التي يمثّلها الاهتمام «النادر» بـ«بلاد الأرز» من رئيس أميركي لـ«صبره» تاريخ صلاحية «قصير المدى».
... لا انسحاب إسرائيلياً من التلال الخمس ولا ضغط أميركياً لتحقيق ذلك، لا وقف للضربات على لبنان ولا دفعاً من واشنطن لإنهائها، ولا مساعدات لإعادة الإعمار، هو «المثلث» الذي بات محسوماً أنه سيتولّد من إضاعة بيروت المزيد من الوقت الذهبي، وسط اعتبار هؤلاء أن براك أراد توجيه رسالة واضحة وإن منمّقة وتتفادى إظهار الولايات المتحدة كدولة وصاية: «اتّخِذوا قراركم وتحمّلوا مسؤوليته»، لافتين استطراداً إلى أن الوضع في «بلاد الأرز» صار أمام احتماليْن:
- بالحدّ الأدنى أن يبقى على حاله من ضربات موْضعية إسرائيلية شبه يومية.
- وبالحدّ الأقصى أن تنفجر جولة جديدة من الحرب وهذه المرة لا يُعرف هل ستبقى الدولة ومرافقها محيَّدة عنها بعدما صار لبنان الرسمي في واجهة الردّ على المقترح الأميركي.