المصدر: نداء الوطن
الكاتب: باتريسيا جلاد
الاثنين 3 تشرين الثاني 2025 06:35:33
انتشر أخيرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يظهر منتوجات زراعية تُروى بمياه الصرف الصحّي في منطقة عكّار، ما أثار مخاوف وتساؤلات حول مدى تلوّث الأطعمة التي يستهلكها المواطن يوميًا، وسبل حماية صحّته من المنتوجات الغذائية التي يشتريها من أسواق الخضار والسوبرماركات. فور نشر هذا الفيديو، تحرّكت وزارة الزراعة وأتلفت كامل المحصول في الحقول المخالفة لقانون السلامة الغذائية. فهل تضمن تلك الإجراءات سلامة المزروعات والمنتوجات النباتية والحيوانيّة في كلّ المناطق اللبنانية؟
ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها عن ريّ أراضٍ زراعية بمياه الصرف الصحّي، لكن ما تمّ توثيقه في الفيديو المصوّر وانتشاره بسرعة، شكّل دليلًا قاطعًا على أن تلك الآفة قائمة وتهدّد المواطنين في أمنهم الغذائي والصحيّ، فما السبيل إلى الحدّ منها وكيف تتمّ مكافحتها؟
وزير الزراعة نزار هاني ردّ على سؤال «نداء الوطن» بالتأكيد أن «وزارة الزراعة تقوم في إطار مهامها الرقابية بجهود مستمرّة لحماية سلامة الغذاء وضمان جودة الإنتاج الزراعي في مختلف المناطق اللبنانية. منسوب الرقابة والمساءلة والمحاسبة يرتفع، وكلّ من يخالف المعايير الصحيّة تتلف مزروعاته وتشمّع الأرض لتفادي زرعها مجدّدا ويحال على القضاء».
في الفيديو المتداول في عكّار حول سيل مياه الصرف الصحّي في حقول زراعيّة فيها، أخذت وزارة الزراعة كما أوضح هاني عيّنات من المياه تبيّن من نتائجها أنها غير نظيفة والمنتوجات المزروعة في تلك الحقول هي خسّ وبقدونس، «فأتلفنا على الفور المحاصيل بقرار قضائيّ».
وفي منطقة صور، استعان أحد المزارعين بمضخة مياه لريّ مزروعاته بمياه غير نظيفة فنفذت وزارة الزراعة، وبناءً على إشارة المدّعي العام المختص، وبمؤازرة القوى الأمنية، إجراءات ميدانية حاسمة تمثلت بإتلاف كامل محصول الحقول، وذلك بعد أن أظهرت نتائج الفحوصات المخبرية عدم مطابقة المزروعات للمعايير الصحّية المعتمدة. وقد تمّ تنظيم محاضر رسمية وختم الأراضي المخالفة بالشمع، مع منع إعادة زراعتها مجدّدًا إلى حين استيفاء الشروط القانونية والفنية المطلوبة.
فالمزارع الذي يروي المزروعات المطروحة في السوق بمياه غير نظيفة تتمّ ملاحقته يقول هاني «استنادًا إلى قانون سلامة الغذاء رقم 35/2015 الصادر بتاريخ 24 تموز 2015، الذي حدّد آليات المراقبة والعقوبات على المخالفين».
وفي ما يتعلّق بالرقابة المولجة بها وزارة الزراعة، تتمّ استنادًا إلى القانون كما يلي: يأخذ المراقبون في وزارة الزراعة عيّنات، وبناء عليها يتمّ إغلاق المؤسسات المخالفة موقتًا أو نهائيًا. أمّا العقوبات فتتدرّج كالتالي: إنذار أو غرامة مالية، إلى الحبس من شهر إلى ثلاث سنوات إذا نتج ضرر صحّي جسيم، وتضاعف العقوبة في حال التكرار أو التزوير في البيانات الغذائية.
تفعيل الجولات الرقابية
في مجال الرقابة التي تزيد شيئًا فشيئًا، أوضح هاني أن «هناك في الوزارة 150 مراقبًا تمّ الاجتماع معهم لتحديد برنامج تفعيل الجولات الرقابية على مصانع الصناعات الغذائية (الألبان والأجبان...) أيضًا للتأكّد مما إذا كانت المصانع تلتزم بالشروط الغذائية بشكل كامل متكامل فضلًا عن التدقيق في محلات بيع الأدوية الزراعية. فسلامة الصناعات الغذائية والتي مصدرها مواد زراعية وإنتاج حيواني ونباتي هي من مهام وزارة الزراعة، أمّا مهام وزارة الصناعة فتنحصر بمنح الرخص».
طبعًا، تغطية كامل المناطق اللبنانية برقابة المنتوجات الزراعية والحيوانية والنباتية التي تباع في المحال والسوبرماركت تبدو صعبة، حول ذلك قال هاني «إن المراقبين يعتمدون سياسة أخذ عيّنات بشكل عشوائي في كل المناطق اللبنانية وذلك ضمن السياسة المتّبعة في الوزارة والتي نصّ عليها قانون السلامة الغذائية وهي سياسة تتبّع المنتوجات بجميع مراحلها وتسمّى traceability من المزارع إلى المكان الذي تباع فيه في السوق».
وفي هذا الإطار يضيف: «تعمل وزارة الزراعة على ضبط المحاصيل الزراعية وتطوير القطاع وتدريب المزارعين على اعتماد سلامة الغذاء والمراقبة حتى في مراكز التوضيب وآلية العمل لناحية سلامة الغذاء في الحليب ومشتقاته وما إذا كانت المنتوجات تستوفي المواصفات العالية».
تعيين هيئة سلامة الغذاء
فضلًا عن كلّ الإجراءات التي تتخذها الوزارة، تمّ وبعد طول انتظار تعيين هيئة سلامة الغذاء (تتألف من رئيس ونائب رئيس وممثلين عن وزارات الزراعة والصحّة والصناعة والنقابات) في مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 24 تشرين الأول، على أمل أن تقرّ المراسيم التطبيقية لها وتباشر عملها. قانون سلامة الغذاء أناط بالهيئة تطبيق القانون ووضع المعايير لاعتماد السلامة الغذائية.
وبالتالي، يمكن استخلاص أن ضمان جودة وسلامة الغذاء في لبنان، من المنتج إلى المستهلك يتطلّب استنادًا إلى أبرز ما جاء في قانون سلامة الغذاء:
- تطبيق ممارسات النظافة الجيدة (GHP) وممارسات التصنيع الجيدة (GMP).
- تتبّع المنتوجات في جميع المراحل.
- الالتزام بمعايير التخزين والنقل والتعبئة.
-الإعلان الصادق عن المكوّنات والمصدر وتاريخ الصلاحية.
-سحب أي منتج يُثبت أنه مضرّ بالصحة فورًا من السوق.
قطاع الأدوية الزراعية
إلى كل ذلك، لا بدّ لتحقيق السلامة الغذائية، من تنظيم قطاع الأدوية الزراعية التي تعتبر أولوية وطنية، والذي أدرجته وزارة الزراعة ضمن أولوياتها في المرحلة الراهنة بحسب هاني نظرًا إلى الدور الأساسي في سلامة المنتج الزراعي وحماية الصحّة العامة.
وفي هذا المجال، يؤكّد ضرورة توثيق عمليات بيع الأدوية الزراعية عبر تطبيق نظام «الوصفة الزراعية» غير المعتمدة في دول الجوار. فوزارة الزراعة تسعى إلى شراكة حقيقية مع جميع أصحاب المصلحة في القطاع الزراعي، وفي مقدّمهم أصحاب محلات بيع الأدوية الزراعية»، مشيرًا إلى «أن التعاون بين الوزارة والقطاع الخاص سينعكس إيجابًا على نوعية الإنتاج وجودته».
والوصفة الزراعية هي وثيقة رسمية أو إلكترونية يصدرها مهندس زراعي مُرخص، تُحدّد نوع المادة أو المبيد أو السماد الذي يجب استعماله، وكميته، وطريقة استخدامه، بناءً على تشخيص الحالة الزراعية أو المرض النباتي في الحقل. فهي تحمي محلات بيع الأدوية الزراعية القانونية كما تحمي المزارعين والمستهلكين، وهي ضرورة إنسانية ووطنية لضمان جودة الإنتاج الزراعي، والحفاظ على المياه والتربة والبيئة.
وإذا كانت وزارة الزراعة تخضع جميع المنتجات الزراعية التي تدخل الأسواق اللبنانية بشكل قانوني لفحوصات دقيقة، فإنها، كما قال هاني، «تعمل في الداخل على توسيع رقعة الفحوصات لتشمل الإنتاج المحلي، ضمن منظومة تتبُّع متكاملة تطبّق تدريجيًا». فوزارة الزراعة تتابع حتى اليوم تسجيل نحو 55 ألف مزارع في السجل الزراعي، وتعمل على ربط هذا السجل بمنظومة دعم وتتبّع خاصة بكل قطاع إنتاجيّ.
إلى ذلك، يدرج ضمن أولويات وزارة الزراعة حاليًا إقفال جميع محلات بيع الأدوية الزراعية غير المرخصة، وهذه الإجراءات لا تستهدف الصيدليات الزراعية القانونية، بل تسعى لتنظيم السوق وحماية الصحّة العامة وسلامة الأغذية.
تعتبر وزارة الزراعة اليوم في مرحلة تشاور وتعاون للوصول إلى توافق وطني حول آلية تنظيم قطاع الزراعة وبيع الأدوية الزراعية، فالفوضى السائدة في سوق المبيدات يجب أن تتوقف، والوصفة الزراعية ليست عقابًا بل وسيلة لتنظيم العمل وحماية المزارع والمستهلك في آن واحد.
إن تطبيق الوصفة الزراعية سيساهم في الحدّ من تداول الأدوية المهرّبة وضبط استخدام المبيدات بما ينسجم مع المعايير الدولية، والوزارة تعمل بتعاون وثيق مع الأجهزة الأمنية لضبط عمليات التهريب ومحاسبة المخالفين. فطبيعة عمل محلات بيع الأدوية الزراعية حاليًا تقتصر على بيع الدواء الزراعي وليس وصفه.