ميزان القوى "المختل".. لماذا تتجنب حماس و"حزب الله" الرد على إسرائيل؟

تصعّد إسرائيل إلى مستوى جديد من التوتر في المنطقة، فبعد أيام من تكثيف الضربات على جنوب لبنان والبقاع، شنت القوات الإسرائيلية، يوم أمس الأحد، ضربة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، هي الأعنف منذ انتهاء الحرب المفتوحة مع حزب الله قبل نحو عام. 

وتعد هذه المرة الأولى منذ يونيو/حزيران عام 2024 التي يُستهدف فيها هذا الحزام السياسي والديموغرافي الحساس للمجتمع الشيعي.

الضربة التي طالت مبنى سكنيًّا مكتظًّا أسفرت عن مقتل رئيس الأركان العسكري للميليشيا، هيثم علي طباطبائي، بالإضافة إلى خمسة قتلى و28 جريحًا، بحسب وزارة الصحة اللبنانية.  

تحذير للجناح المتشدد في حزب الله
وبحسب صحيفة "لوريان لو جور" الناطقة بالفرنسية، لم يكن اللافت في الهجوم حجم الدمار فقط، بل الرسالة: فإسرائيل تعتبر العملية تحذيرًا مباشرًا للجناح المتشدد داخل حزب الله، إذ إن طباطبائي يُعد من أبرز قادته ضمن وحدة "قوة الرعد"، المعروفة بقربها من مراكز القرار العسكري المتشدد.

وتشير الصحيفة إلى أن هذا الجناح يرفض تقديم أي تنازلات في ملف السلاح، ويدفع نحو استئناف الهجمات ضد إسرائيل.

وترى الصحيفة أن إسرائيل أرادت التأكيد على أن إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله، أو العودة إلى المواجهة، ليستا خيارًا سهلًا، وأن أي تحرك من هذا النوع سيواجه برد قاسٍ.

كما تذكّر بأن إسرائيل اعتمدت الأسلوب نفسه بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول لعام 2024، عندما نفذت سلسلة عمليات دقيقة ضد قادة ميدانيين ووحدات عسكرية لحزب الله.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل "لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قوته"، داعيًا الحكومة اللبنانية إلى الالتزام بتفكيك سلاح الحزب وفق اتفاق وقف إطلاق النار. 

خسارات أكتوبر وأثرها عسكريًّا
وتشير تحليلات غربية، منها تقرير "ذا ناشونال"، إلى أن حزب الله خرج من حرب أكتوبر لعام 2023 بخسائر كبيرة في ترسانته الصاروخية وبنيته القيادية، ما قلل من قدرته على تنفيذ رد عسكري واسع.

وتضيف التقديرات أن حزب الله اضطر لإعادة ترتيب صفوفه وحماية ما تبقى من قدراته الاستراتيجية بدل الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة جديدة.

كما تؤكد تقييمات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي "INSS" أن السيطرة الإسرائيلية على الأجواء وقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة تجعل أي رد مباشر من حزب الله محفوفًا بمخاطر هائلة، قد تشمل خسائر بشرية واسعة ودمارًا كبيرًا في البنية المدنية والعسكرية.

الاستراتيجية الحالية.. الانتظار والحسابات السياسية
مصادر مقربة من ميليشيا حزب الله قالت لصحيفة "لوفيغارو"، إن الحزب قد يتبع استراتيجية "الحد الأدنى من الرد"، لتجنب حرب واسعة لا يملك الظروف المناسبة لها.

ويوافق الدكتور أندرياس كريغ، من كلية كينغز لندن، هذا التقييم، معتبرًا أن حزب الله قد يفضل عمليات محسوبة ضد أهداف عسكرية محددة بدل مواجهة شاملة تستنزفه أكثر.

ويرى محللون آخرون أن التريث الحالي من قبل حزب الله ليس ضعفًا، بل حسابات دقيقة للحفاظ على توازن القوى مع إسرائيل، خاصة بعد الضربات الموجهة ضد البنية التحتية العسكرية في الأشهر الأخيرة.

من جهة أخرى، تؤكد تقارير "أمنيستي إنترناشونال" أن أي رد غير محسوب قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من المدنيين، ما يضع حزب الله وحركة حماس أمام معضلة بين الرد على الهجمات والحفاظ على التوازن السياسي والعسكري.

تداعيات شبيهة لحركة حماس
تجربة حزب الله الأخيرة أصبحت نموذجًا لحركة حماس، التي تتجنب بدورها الرد المباشر على الهجمات الإسرائيلية لحماية ما تبقى من قدراتها العسكرية، وتقليل الخسائر المدنية داخل قطاع غزة، ولا سيما بعد نزيف القدرات الذي تعرضت له خلال المعارك السابقة.

ويرى الباحث عماد سلامي، من الجامعة الأمريكية في بيروت، أن حزب الله، رغم الضربات، لا يزال يمتلك بنية قيادة وسيطرة فعّالة، ما يمكّنه من اختيار وقت الرد وطبيعته ضمن استراتيجية مدروسة.

ويعكس اغتيال هيثم علي طباطبائي أن ميزان القوى لا يزال يميل بوضوح لصالح إسرائيل، وأن كلًّا من حزب الله وحماس يفضّلان في هذه المرحلة الرد السياسي والعقائدي والدبلوماسي على التصعيد العسكري المباشر.

وستحدد الأيام المقبلة ما إذا كان هذا النهج سيستمر، أم أن أي خطأ في الحسابات، أو عملية كبرى جديدة، سيعيد المنطقة إلى دوامة التصعيد واسع النطاق.