نواف سلام في مواجهة "الحقيقتين"

على رغم مرور ست سنوات على واقع الانهيار المتدحرج التاريخي الذي أصاب لبنان منذ عام 2019 بما طوع اللبنانيين قسرا وقهرا وصدما بإحدى أقسى وأشرس أزمات الودائع المصرفية والمالية التي عرفها العالم وليس لبنان تحديدا، فستكون هناك لحظة صادمة متجددة لدى اللبنانيين عند إعلان الحكومة، اليوم او غدا، إقرار قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع بما يعني حسم الخيار النهائي لحجم ومدد إعادة النذر اليسير من الودائع وجنى الأعمار التي أودى بها الانهيار إلى كارثة غير مسبوقة. لم يعد ثمة مفاجآت تخبأ في هذا الملف الكارثي، وقد تطلق نيران كثيفة ومتعددة المصادر والجهات على القانون القيد الإقرار، وهذا اقل المتوقع والمبرر ربما في الكثير من وجهات النظر لا سيما منها التي ستصدر عن المودعين حيال الجهات المسؤولة والمتورطة والمتواطئة والمستفيدة من ذهاب جنى أعمار الناس هباء في احدى أسوأ الدول  الفاشلة التي تولتها سلطات وطبقات سياسية ومصرفية ومالية فاسدة واودت بها إلى سؤ المصير. ومع ذلك لا ترانا نحجب حقيقة أولى مفادها ان ما أعلنه رئيس الحكومة نواف سلام قبل يومين في بلوغ انجاز القانون المنتظر للشروع في إعادة الودائع وتوزيع المسؤوليات على الأطراف المعنية بسد الفجوة المالية، لم يكن حدثا سهلا عاديا بل بدا بمثابة الجراحة الصعبة التي لا مفر منها ووضع الناس امام حقيقتها المرة وتحمل مسؤولية انهاء حالة الغموض والتكاذب التي تشبه الكذب على المريض بدل مصارحته. يسجل لرئيس الحكومة في هذا النهج اتباعه شفافية الاعتراف بان ما حصل كان افضل الممكن ولو ان كثيرين لا يشاطرونه الرأي، ولم يجمل هذا الممكن بزي الاعتداد والتضخيم بما يعني احترام عقول المودعين خصوصا وينهي مسار التخبط في المعاناة التي صار عمرها ست سنوات . واذا كانت العدالة قتلت واغتيلت يوم تبخرت بلمح البصر ودائع الناس في غياهب انهيار لم يحاكم فيه أي مسؤول ومتورط ومتواطئ ومهمل وناهب وسارق بعد ، فان العدالة كما سوقها الرئيس نواف سلام في توزيع أنصبة الخسائر وسد الفجوة واسترداد النسب المقررة من الودائع وفق القانون الذي سيصدر كما هو او معدلا ، نفهم انها صارت الخيار الذي لن يكون خيار سواه بما يتعين على اللبنانيين التكيف معه ، وأقله صارحنا الرجل وقال هذه ذروة الممكن فلا يغشنكم احد بعد الان .

ليست المسألة ان مقاربة رئيس الحكومة يفترض ان تعجب او لا تعجب فئات من هنا وهناك ، بل هي في اختبار مقاربات المسؤولين لازمة بهذا الحجم الكارثي امام انعدام القدرة على إحلال العدالة بحدها الادنى في استرداد الحقوق وكفانا نسمع أكاذيب كل يوم من ساسة وزعماء بان الودائع عائدة كلها . المقاربة الأخرى لرئيس الحكومة التي تستحق التنويه بها دوما تتصل بما أعلنه قبل ساعات تماما عن التزام الانتقال في خطة حصر السلاح إلى شمال الليطاني بعد الاقتراب من انجاز نزع السلاح في جنوب الليطاني . عند مشارف مرحلة مثقلة بأخطار اندفاع إسرائيل إلى عداونية مفرطة ، ومضي "حزب الله" في ذاك النمط المتهور في تقديم الذرائع لحرب قد لا تبقي ولا تذر عليه وعلى مناطق لبنانية برمتها ، لن يكون اقل من إصرارالمسماة دولة لبنانية على احترام تعهداتها والتزاماتها في مواجهة إسرائيل والدول الراعية لوضع لبنان . اقله لكي تستحق الحكومة والدولة تسميتهما !