المصدر: أساس ميديا
الكاتب: ملاك عقيل
الخميس 4 كانون الاول 2025 08:10:34
“التمسّك بالسلاح هو تمسّك بالاحتلال”. صاحب هذه العبارة هو سفير لبنان السابق في واشنطن بين عامَي 1992 و1993 سيمون كرم، ابن بلدة جزّين الجنوبيّة، الذي اختاره رئيس الجمهوريّة جوزف عون لرئاسة وفد لبنان في اجتماعات اللجنة التقنيّة العسكريّة “الميكانيزم”، “بعد التنسيق والتشاور مع الرئيسين نبيه برّي ونوّاف سلام”، في مقابل مشاركة عضو مجلس الأمن القوميّ غير العسكري أوري رزنيك عن الجانب الإسرائيليّ.
حصل ذلك في ذروة التصعيد الإسرائيليّ والتسريبات عن حرب وشيكة ضدّ لبنان، ومواظبة الجانب الإسرائيليّ على تحليق مسيّراته فوق الضاحية والجنوب والبقاع والمقرّات الرسميّة.
بموجب الإعلان الرئاسيّ انتقلت، بدءاً من يوم أمس، رئاسة الوفد اللبنانيّ في اجتماعات “الميكانيزم” في الناقورة من قائد قطاع جنوب الليطاني العميد نقولا تابت إلى السفير سيمون كرم، أحد أركان “قرنة شهوان” السيادية سابقاً.
عُقِد اجتماع “الميكانيزم” يوم أمس الأربعاء بحضوره بعد انتقاله بطوّافة عسكريّة من وزارة الدفاع إلى مقرّ الاجتماع في الناقورة، إضافة إلى حضور المستشارة الأميركيّة مورغان أورتاغوس. وهو ما يعني أنّ وفد لبنان في اجتماعات الناقورة بات يتألّف من سيمون كرم رئيساً، والعميد تابت ورئيس فرع مخابرات الجنوب العميد سهيل حرب عضوين.
هل بدأ التّفاوض السّياسيّ؟
في 27 تشرين الثاني الماضي، وخلال استقباله مساعد الأمين العامّ للأمم المتّحدة خالد خياري، أكّد الرئيس عون “عدم تلقّي الرئاسة الأولى أيّ ردّة فعل على المبادرات التي أطلقتها بهدف التفاوض على الرغم من التجاوب الدوليّ”، وهو الكلام الذي كان يكرّره أمام الزائرين الدوليّين، من بينهم وزير الخارجيّة المصريّ بدر عبدالعاطي.
في هذا السياق، تؤكّد معطيات “أساس” أنّ الطلب اللبنانيّ لتعيين “مدنيّ” ضمن لجنة “الميكانيزم”، “تجاوباً مع مساعي الحكومة الأميركيّة” كما جاء في بيان الرئاسة الأولى، بقي على طاولة التداول طوال الأسابيع الماضية، لكن من زاوية حصريّة: “إقناع الطرف الإسرائيليّ بتطعيم لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائيّة بمدنيّين تمهيداً لبدء ورشة التفاوض رسميّاً، وخصوصاً أنّ لجنة “الميكانيزم” معنيّة بالإطار العسكريّ المحض لتنفيذ وقف إطلاق النار، وآليّته العملانيّة على الأرض”.
لا حديث رسمياً بعد عن بدء التفاوض السياسي الذي قد يحتاج إلى إطار مختلف عن كادر “ميكانيزم” التقني-العسكري، سيّما أن أجندة الجانب الإسرائيلي متضاربة بشكل كبير مع الأجندة اللبنانية.
أمس أعلن رئيس الحكومة نواف سلام عن استعداد لبنان “لمفاوضات فوق عسكرية مع إسرائيل، وبأن الخطوة محصّنة سياسياً وتحظى بمظلة وطنية”. كما لا معلومات حتى الساعة عن إطار التفاوض داخل “ميكانيزم”، مباشر أو غير مباشر، أو لجهة توسيع “جدول أعماله”، وهو أمر متوقع لجهة الحديث بملفات الانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاعتداءات، وتسليم سلاح الحزب، وإعادة الأسرى، وإعادة الإعمار.
طُرحت عدة إسماء قبل التعيين، لكن رئيس الجمهورية، وفق المعطيات، رفض انتداب أي وزير من الحكومة، تحديداً نائب رئيس الحكومة طارق متري أو الوزير غسان سلامة، كذلك تمّ لاحقاً استبعاد إسم رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن الدكتور بول سالم، لصالح سيمون كرم أحد أركان “قرنة شهوان” سابقاً، وأبرز وجوه “14 آذار”، والمناهض للاحتلال السوري، والمروّج الدائم لدولة “لبنان المستقلّ عن أي نوع من التدخلات الخارجية”، والداعم للثورة السورية في بداياتها، والمعروف بقربه من الاميركيين.
ممثّلون لنتنياهو في بيروت؟
أمس لاقى الجانب الإسرائيليّ الإعلان الرئاسيّ اللبنانيّ بإلقاء قنبلة بين أحضان السلطة السياسيّة، عبر تأكيد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو أنّ “تكليف ممثّل عن نتنياهو لقاء مسؤولين لبنانيّين محاولة أوّليّة لإرساء أساس للعلاقة والتعاون الاقتصاديّ بين الطرفين”.
أضاف بيان نتنياهو: “سأكلّف فريقاً إسرائيلياً بلقاء مسؤولين حكوميين لبنانيين، بهدف ترسيخ أسس العلاقات الاقتصادية مستقبلاً”. لاحقاً، أكدت المتحدّثة باسم رئاسة الحكومة الإسرائيلية “حصول مباحثات مباشرة هي الأولى منذ عقود بين مسؤولين إسرائيليين وآخرين لبنانيين، ضمن سياق جهود نتنياهو لتغيير وجه الشرق الأوسط”.
هكذا حَصَرَ نتنياهو قبول إسرائيل إرسال ممثل عنها إلى اجتماعات الناقورة بالمنحى الاقتصادي، وإجراء لقاءات مع مسؤولين حكوميين في لبنان، فيما تحدّثت السفارة الاميركية في بيروت عن “حوار مدني مستدام، بالإضافة إلى الحوار العسكري”. وحتى يوم أمس لم يكن قد صدر بيان ردّ عن رئاسة الجمهورية على البيان الإسرائيلي، كما لم يُرصد أي موقف للحزب الذي سيكون لأمينه العام كلمة يوم الجمعة.
موفد “سحب السّلاح”!
بعد الضربة العسكريّة القاسية التي تلقّاها “الحزب”، ثمّ “نكسة “الموافقة على اتّفاق لم تلتزمه إسرائيل، ثمّ معاينة “الحزب” على مدى عام كامل لاغتيال مئات من شبابه ومقاتليه وقياديّيه، وتكريس احتلال إسرائيل للجنوب، وتثبيت المنطقة العازلة، ومنع عودة الجنوبيّين إلى منازلهم وأرضهم، يمكن بالتأكيد التسليم أنّ تعيين كرم في موقعه يُشكّل إحراجاً لـ”الحزب” باعتبار أنّه، بنظره، رسول “سحب السلاح”، ولديه إلى جانب خبرته الدبلوماسيّة القصيرة وعمق تجربته السياسيّة والفكريّة، مخزون سياسيّ لم يتآلف يوماً مع فكرة وجود الحزب المسلّح، ولا مع منظار الدولة التي كان يتبنّاها “الحزب”. وكلامه في تمّوز الماضي يكاد يختصر “من هو سيمون كرم”؟
وفق المعلومات، سلّم “الحزب” بالضغط الرئاسيّ، الذي كان الرئيس نبيه برّي يُشكّل جزءاً منه، بتعيين ممثّل مدنيّ عن لبنان في اجتماعات الناقورة، لكن ليس سيمون كرم، الذي لطالما انتقد “لعب إيران بالنار في الداخل اللبنانيّ”، ورفض احتكار “الحزب” للدولة.
سبق أن رفض “الحزب” في كتابه المفتوح إلى الرؤساء الثلاثة “التورّط والانزلاق إلى فخاخ تفاوضيّة، ولسنا معنيّين بالخضوع للابتزاز العدوانيّ والاستدراج نحو تفاوض سياسيّ”.
“الخونة” و”المؤدِّبون”
في آخر ظهور إعلاميّ-سياسيّ للسفير كرم خلال مشاركته في حفل تكريم المفكّر والأمين العامّ السابق للمجلس الثقافيّ للبنان الجنوبيّ حبيب صادق في تمّوز الماضي، قدّم خارطة طريق التفاوض، وأكد أنّ “شروط إنهاء الحرب جاءت أفدح من الحرب، وما يزيد الأمور بشاعة أنّ الذين أذعنوا لوقف إطلاق النار من طرف واحد مع إسرائيل، يطلقون ناراً سياسيّة وأمنيّة كثيفة على الداخل، ساعين إلى إحياء ما ظنّوه “غَلَبةً” لعِبوا دورها سحابة سنوات قصيرة عجاف، وانتهت بهم وبالبلاد وأهلها إلى هذا الخراب العميم. يهاجمون الدولة لاعتمادها الخيار الدبلوماسيّ، وهو الوحيد المتاح بعد النكبة، والجيش بحجّة أنّه عاجز عن حماية البلاد والناس، “والقوّات الدوليّة” لسعيها إلى تنفيذ القرارات الدوليّة، وسائر اللبنانيّين إذا قالوا لهم كفى”.
أضاف كرم: “كلّ هؤلاء خونةٌ ومتآمرون، وبقايا السلاح وبقايا العسكر وبقايا الأمن وبقايا الإعلام مستنفرون لتأديبهم وإخضاعهم. وذلك في وقت لا يُضاهي استمرارَ الضربات الإسرائيليّة إلّا دقّتُها القاتلة. تصيب مراكز يُفترَض أنّها سرّيّة، وتستهدف مسؤولين عسكريّين وأمنيّين وتمويليّين لا يُفترَض أن يَعرفهم أحد خارج الحلقة الضيّقة في البيئة الحاضنة.
صبرٌ (قاصداً “الحزب”) على إسرائيل التي قتلت، حتّى الآن، ما يزيد على مئتي ناشطٍ منذ أوقفوا نارهم، ولا صبرَ على الداخل: رئاسةً وحكومةً وجيشاً ومجتمعاً مدنيّاً ومراكز ثقافيّة وجامعات ومدناً وبلدات، بما في ذلك تلك التي فتحت بيوتها وقلوبها للنازحين في محنتهم، بل هناك كلمةٌ جارحة مع كلّ إطلالة، وآخرها: “باقين على قلوبكم”، مؤكّداً: “لا نملك إزاء هذه العدائيّة الطافحة إلّا أن نلوذ بالدولة… أن تقول الدولة، نيابةً عن الجميع، ومفوّضةً منهم: إنّ التمسّك بالسلاح هو تمسّكٌ بالاحتلال”.
وفق قناعة السفير كرم، “الخيار الدبلوماسيّ يعني القبول بالتفاوض في ظلّ ميزان القوّة القائم، ثنائيّاً وإقليميّاً، وهو السبيل الوحيد المتاح أمام الدولة. لها أن تستعين، وإلى حدٍّ ما أن تستقوي، بأصدقاء لبنان، عرباً ودوليّين، لكن لا يجوز أن يفاوض هؤلاء نيابةً عنها، فيما هي تكتفي بالمطالبة بإزالة الاحتلال”.
إنهاء العداء
لفت كرم إلى أنّ “طرح “اتّفاق الهدنة” هو المدخل التفاوضيّ الصحيح من دون أوهامٍ حول أن الحلّ المرتجى يمكن أن يتجاوزه. وهدف التفاوض الرئيس: إنهاء احتلال التلال الخمس وملحقاتها، وتحديد وترسيم الحدود البرّيّة، وتثبيت اتّفاق تحديد الحدود البحريّة، على الرغم ممّا تضمّنه من تفريطٍ في موارد البلاد، والذهاب بمزارع شبعا إلى التحكيم الدوليّ مع إسرائيل وسوريا”.
أضاف: “الهدف الموازي هو التفاوض على العبور من “إنهاء الأعمال العدائيّة”، الذي يحكم الواقع الحاليّ، إلى شروط إنهاء العداء بين الدولتين، ضماناً لتمكّن لبنان من إعادة إعمار الجنوب، بالموارد الوطنيّة المتاحة، والمساعدات العربيّة والدوليّة، وعودة الناس إلى بلداتهم وقراهم، ومباشرة الإعمار. الحكمة والحنكة معاً تقتضيان ربط المصالح الوطنيّة الكبرى الأمن والمساعدات والاستثمارات بمجرى التفاوض، عربيّاً ودوليّاً، مع اعتبار أنّ الخارج بات يتحدّث بلغة الاستثمار أكثر بأضعاف من لغة المساعدات”.