هل تكفي صواريخ إيران البالستية 10 أيام؟

تلقّت إيران ضربات موجعة، أدّت إلى تدمير جزء من منظومتها العسكرية، وبين الغارات الإسرائيلية والردّ الإيراني، هناك علامات استفهام تطرح عن مدى قدرة طهران على أذية تل أبيب وسط التطوّر التكنولوجي الهائل الذي تقاتل فيه إسرائيل بدعم من الغرب.

عاشت طهران بروباغندا تضخيم مدى قوّتها، وأثبتت الضربات الأوّلية عدم وجود قوة ردع قبل الهجوم. طهران كانت تستقوي بأذرعها، وبعد سقوط هذه الأذرع، أصبحت وحيدة في المواجهة.

وهناك اختلاف جوهريّ بين قدرة أذرع إيران على الردّ وضرب إسرائيل وبين قدرات طهران. فعلى سبيل المثال، يتمركز "حزب اللّه" على حدود إسرائيل، ولا يحتاج إلى صواريخ بعيدة المدى لاستهدافها، فهو قادر على ضربها بالقذائف المضادة للدروع وصواريخ الكاتيوشا، ووسط قدرة الصواريخ القصيرة المدى على استهداف مراكز إسرائيلية على الحدود والمستوطنات القريبة، يستطيع "الحزب" التسلّل إلى قرب المراكز العسكرية والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي بالرشّاشات.

تتلاصق حدود لبنان مع إسرائيل، وتساعد طبيعة الأرض اللبنانية على حفر الأنفاق وإطلاق الصواريخ على منصّات صغيرة بعضها مثبة على شاحنات تضرب وتختفي ما يصعّب على الطيران الإسرائيلي ضربها، بينما تحتاج الصواريخ البعيدة المدى والدقيقة إلى منصّات لإطلاقها وتحضير لساعات، ما يسهّل رصدها وضربها قبل انطلاقها، أو ضرب المنصّات بعد عملية القصف.

ما ينطبق على "حزب اللّه" وحركة "حماس" لا ينطبق على إيران، إذ تبلغ المسافة جوّاً بين طهران وتل أبيب وفقاً للخرائط الرسمية العالمية 1558 كيلومتراً، بينما تبلغ براً 2077 كيلومتراً، وبالتالي تحتاج طهران إلى صواريخ باليستية من أجل الوصول إلى الأهداف الإسرائيلية، في حين يغيب الاحتكاك البرّي مع إسرائيل.

في 13 حزيران 2025، قامت إيران بأول ردّ على الهجوم الإسرائيلي باستراتيجية غير مسبوقة: إطلاق أكثر من 150 صاروخاً باليستياً متوسطاً إلى بعيد المدى وأكثر من 100 طائرة مسيّرة نحو إسرائيل، في وقت أعلنت إسرائيل إطلاق طهران أقل من 100 صاروخ، إلّا أنّ الأرقام المعقولة تشير إلى إطلاق نحو 150 صاروخاً.

وذكرت تقارير من أواخر عام 2024 أنّ ما يقارب 50 بالمئة من صواريخ إيران فشلت في الوصول إلى أهدافها أو تحطّمت بعد الإطلاق (عملية الوعد الصادق) ويعود سبب الفشل إلى أخطاء تقنية أو اعتراض من قبل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي.

وتشير بعض التقارير بناءً على مصادر أميركية وغربية إلى فاعلية متزايدة للصواريخ وقدرة على تجاوز الدفاعات، لكن لا يمكن الجزم بمعدلات أعلى من 50 بالمئة. وحسابياً إذا أُطلق 150 صاروخاً فإنّ 75 صاروخاً فقط تصيب أهدافها فعلياً في إسرائيل.

وتملك إيران حسب التقديرات الاستخباراتية من 500 إلى 750 صاروخاً متوسطاً إلى بعيد المدى أبرزها خيبر وفتح وعماد وغيرها ونحو 50 منصة إطلاق فعّالة (TELs) مخصّصة لهذه الصواريخ.

وإذا أطلقت طهران كلّ يوم دفعة جديدة بقدرة استجابة عالية، فكلّ منصّة قادرة على الإطلاق مرّتين على الأقلّ في اليوم قبل أن تدمّر، وإذا استهدفت تل أبيب منصّتين في اليوم، تحتاج 25 يوماً لتدمير منصّات طهران.

أما من حيث الصواريخ، فهي تملك من 500 إلى 700 صاروخ باليستيّ، فاذا أطلقت يومياً مئة صاروخ كما تفعل، فيكفي مخزونها لـ 7 أيام من الهجوم المستمرّ. أما من حيث دقة الإصابة فلا تتجاوز العشرين في المئة وقد تصل إلى خمسين في أحسن الأحوال.

وفي حال قنّنت طهران من ضرب الصواريخ الباليستية لإطالة أمد استعمالها فهذا يعني ترييح تل أبيب وإعطاء فرصة للقبة الحديدية وأنظمة الدفاع الجوي لصدّها. وتعتمد طهران استراتيجية إطلاق مئة صاروخ لكي يصيب عدد قليل منها الأهداف، فإذا أطلقت عدداً قليلاً من الصواريخ فهذا سيمنح تل أبيب فرصة اعتراضها وإسقاطها.

وإذا نفد مخزون إيران الصاروخي البعيد المدى، فذلك يجعلها تلجأ إلى صواريخ متوسطة المدى لضرب قواعد أميركية في الخليج، عندها ستدخل واشنطن الحرب بعنف، في حين ستتمكّن تل أبيب بعد استنفاد قوة الردّ الإيرانية من ضرب ما تشاء داخل إيران وتدمير كلّ قوّتها العسكرية والنووية ومصانع الأسلحة والمراكز العسكرية.

ومع تصاريح القيادات العسكرية الإيرانية وتأكيدها أنّ المواجهة لن تقتصر على التحرّكات المحدودة والحرب ستتوسّع في الأيام المقبلة لتشمل كلّ المناطق المحتلّة والقواعد الأميركية بالمنطقة، فهذا يعني أنّ الإيرانيين لن يتمكّنوا من الاستمرار بضرب إسرائيل وهم بحاجة لاستعمال الصواريخ القصيرة المدى لاستهداف القواعد في الخليج والعراق وهذا سيدخل الولايات المتحدة في المرحلة الثانية من الحرب، حيث ستكون الصواريخ القصيرة المدى والمسيّرات السلاح الوحيد لطهران بسبب افتقادها لسلاح جوّ فعّال.