هل يختار لبنان الذكاء السياسي أو الانتحار الجماعي؟

تتصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب وشرق لبنان تزامنًا مع تكثيف الحركة الدبلوماسية الغربية والعربية تجاهه، ضمن المساعي الدولية والإقليمية الرامية إلى منع توسّع رقعة الاعتداءات وانزلاق المواجهة إلى حرب جديدة لم يعد لبنان قادرًا على تحمّل تبعاتها، وهو الذي لا يزال يحاول النهوض من تحت ركام حرب العام الماضي.

وعلى الرغم من أن كُلًّا من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس ومدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد حملا رسائل متقاطعة حول أهمية حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية تمهيدًا لاستعادة الدولة سيادتها على كامل أراضيها، فإن ما يميّز الدور المصري في أي مبادرة قد تُطرح جديًّا في المستقبل هو عمق العلاقة اللبنانية – المصرية، التي تضمن أن تمثّل مصر مصالح لبنان على أفضل وجه، بعكس الانحياز الأميركي العلني لإسرائيل وأمنها ومصالحها في المنطقة كأولوية مطلقة.

ولذلك، لاقت زيارة اللواء حسن رشاد ترحيبًا واسعًا من قبل الرئاسات الثلاث، ما شكّل نقطة التقاء إيجابية بين أصحاب وجهات النظر المختلفة. ومن الضروري التقاط دعوة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون للعودة إلى المفاوضات التي أطلقها بعد مؤتمر السلام في شرم الشيخ، الذي غاب عنه لبنان، في ظل استعداد مصر للتدخّل على خطّ التهدئة في الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية بعد نجاحها في ملفّ غزة. كما يُفترض إعادة الزخم إلى لجنة «الميكانيزم»، التي لم تمارس مهامها بالجدّية المطلوبة حتى اليوم، ما فتح المجال أمام العربدة الإسرائيلية، وتركيز الضغط على الجانب اللبناني لنزع سلاح حزب الله، من دون إلزام الجانب الإسرائيلي بوقف اعتداءاته أو إخلاء النقاط الخمس المتنازع عليها.

من هنا، يجب الاستفادة من تقاطع هذه النقاط الثلاث للدفع نحو تفعيل المفاوضات غير المباشرة بشكل جدّي عبر لجنة الميكانيزم، وذلك لعدّة أسباب. أولًا، لتفويت الفرصة على العدو في الاستمرار بسياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها لإقامة منطقته العازلة حمايةً لمستوطناته في الشمال. ثانيًا، لأن لبنان مدعوّ للالتحاق بدول المنطقة التي تعتمد الحوار والمفاوضات لحلّ خلافاتها التاريخية مع الكيان الصهيوني، حيث تُثمر الدبلوماسية نتائج ملموسة بأقلّ الأضرار والتكاليف. وثالثًا، لأن اختلال ميزان القوى جعل المواجهة العسكرية ضربًا من العبث والانتحار الجماعي، في ظلّ التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي والدعم الأميركي المطلق، الذي جرّ الويلات على لبنان تحت ذريعة القضاء على سلاح المقاومة.

وأخيرًا، أسوةً بالمفاوضات غير المباشرة التي خاضها لبنان مع إسرائيل عام 2022 وأفضت إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية لحماية ثرواته من الغاز والنفط، لا بدّ اليوم من تكرار التجربة ذاتها بوساطة الولايات المتحدة ومصر، لترسيم الحدود البرّية وحماية السيادة الوطنية، تمهيدًا لبسط سلطة الجيش اللبناني على كامل الأراضي. بذلك، ينخرط لبنان في مسار الاتفاقات الإقليمية التي تبشّر بانفراجات اقتصادية كبرى حين يستتبُّ الأمن والاستقرار، لا تمهيدًا للتطبيع كما يروّج البعض.

وكما قال القائد والفيلسوف الصيني سون تزو:
«الذكاء في الحرب ليس في خوض كل معركة، بل في معرفة متى تُقاتل ومتى تُفاوض».
فهل يعتمد لبنان الذكاء السياسي أم يختار الانتحار الجماعي؟