بين إشادة الرئيس الاميركي دونالد ترامب من على منبر الكنيست الاسرائيلي الاسبوع الماضي، بالعمل الجيد الذي يقوم به رئيس الجمهورية جوزف عون لنزع سلاح حزب الله ودعمه له، وبعدها صدور احاطتين، الاولى عن قائد القيادة الوسطى في الجيش الاميركي براد كوبر، والثانية عن القيادة نفسها، والتأكيد على الالتزام بدعم العمل الدؤوب الذي يقوم به الجيش اللبناني لدعم الامن الاقليمي، والقول بأن شركاءنا اللبنانيين يقودون الجهود لنزع سلاح الحزب، والاشادة بما حققه الجيش حتى الآن في الحفاظ على الامن والاستقرار، وبين ما اعلنه الموفد الاميركي توم براك في بيانه التفصيلي بالامس حول الوضع في لبنان، فارق كبير، وتناقض واضح، والذي ضمَّنه بما يشبه خارطة طريق اميركية لحل مشكلة الاحتلال الاسرائيلي للتلال الخمس جنوبا، وفيه ملامة واضحة على تردد السلطة اللبنانية في حزم امرها لنزع سلاح الحزب، وتضمينه تهديدا مباشرا بمخاطر غير محسوبة، اذا استمرت الدولة في سياستها على هذا النحو، رابطا تسوية المشاكل مع اسرائيل بالتوصل الى اتفاق على حل المشاكل القائمة معها، وربط تقديم المساعدات واعادة الاعمار بالتقدم الذي يحصل مع اسرائيل بهذا الخصوص.
يذهب بعض المراقبين الى اعتبار الفارق بين مواقف الرئيس الاميركي والقيادة الوسطى وبيانات براك المتشددة، بما يشبه توزيع ادوار غير معلن بينهما، في حين يبقى الهدف من كل هذه المواقف المتعارضة، ممارسة اقسى الضغوط على المسؤولين اللبنانيين، ليس لتسريع عملية نزع سلاح الحزب فقط، بل الى تجاوز كل الصعوبات والمحاذير، للتشدد اكثر بممارسة السلطة، ووضع حد نهائي لمراعاة الحزب وتجاوزاته، وبدء البحث الجدي، إن كان من خلال التفاوض المباشر او غير المباشر، للحاق بمسار التسويات في المنطقة، بينما يتم التذكير باستمرار بما تقدمه الولايات المتحدة الاميركية والدول العربية من حوافز ومساعدات لاعادة التعافي والنهوض من جديد، مكافأة لها على التقدم في مسار التوصل لاتفاقات امنية مع اسرائيل في وقت قريب.
ويشبِّه هؤلاء المراقبون، ما يصدر عن الادارة الاميركية من بيانات ومواقف متضاربة تجاه لبنان، بسياسة العصا والجزرة. اذ ان بيانات الاشادة والدعم هي لترغيب المسؤولين لمتابعة واكمال تنفيذ قرار الحكومة ولاظهار جدية، وتشدد اكثر في نزع السلاح وضبط الخروقات والتجاوزات، وبيانات التهديد والتحذير الصادرة عن براك وغيره من المسؤولين وبعض نواب الكونغرس، لازالة التحفظات وتجاوز المحاذير لتحقيق تقدم ملموس على صعيد ما يُحضَّر من ترتيبات، او اتفاقيات سلام او تطبيع مع اسرائيل.
ويلاحظ هؤلاء المراقبون، بأن الامر لا يقتصر على البيانات المتضاربة تجاه لبنان، بل يترافق ايضا مع تصعيد عسكري ملحوظ واعتداءات اسرائيلية متواصلة على اهداف ومراكز يتردد انها لحزب الله، وتكبيل حركة المواطنين على طول الحدود الجنوبية، بالتزامن مع الامتناع عن ملاقاة موقف رئيس الجمهورية جوزف عون، الداعي لاجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل، من الجانب الاميريكي تحديدا، ما يعني تكثيف الضغوط بالحد الاقصى، للحصول على مزيد من التنازلات من لبنان بخصوص ما يُحضَّر للمنطقة ككل.