وزير العدل: بقاء السلاح انتحار وعام 2025 حاسم

على مدى السنوات الماضية شهد لبنان انهياراً غير مسبوق في مؤسساته الرسمية، وكان القضاء من أبرز الضحايا في هذه المرحلة القاتمة. هذا الجهاز الذي يفترض أن يكون الركيزة الأولى لاستقرار أي دولة، فقد جانباً كبيراً من ثقة المواطنين والمجتمع الدولي على حد سواء. فالعدالة ليست فقط مبدأً أخلاقياً أو واجباً دستورياً، بل هي الضمانة الأساسية لانتظام الحياة العامة، وهي الإطار الذي تستند إليه الاستثمارات والتنمية الاقتصادية، إذ لا يمكن لأي مستثمر خارجي أن يغامر برأس ماله في بلد لا يطمئن فيه إلى وجود قضاء قادر على حماية حقوقه وإنفاذ القانون.

لقد ترافق هذا الانهيار مع تعطيل طويل للتشكيلات القضائية، دام لما يقارب ثماني سنوات، شلت خلاله المحاكم وتعطلت ملفات مصيرية، من بينها ملف تفجير مرفأ بيروت الذي هز لبنان في الرابع من أغسطس (آب) 2020، ناهيك بملفات الفساد الكبرى، فيما أقفلت قضايا حساسة تتعلق باغتيالات سياسية بقيت طي النسيان.

ومع ذلك وفي خضم هذه الصورة القاتمة دخلت الدولة اللبنانية أخيراً في مسار نهضوي جديد مدفوعة بجملة من القرارات السيادية غير المسبوقة، أبرزها إقرار الحكومة اللبنانية للمرة الأولى بنداً واضحاً يقضي بسحب سلاح جميع الميليشيات وحصره بيد الدولة، مع تحديد جدول زمني يمتد حتى نهاية عام 2025، مما يعكس إرادة حقيقية لاستعادة السيادة وتعزيز الاستقرار.

وفي قلب هذه التحولات برز دور وزير العدل اللبناني عادل نصار الذي كان فاعلاً أساساً في دفع الحكومة نحو اتخاذ هذه القرارات المفصلية، وأسهم خلال أشهر قليلة من توليه منصبه في إقرار التشكيلات القضائية لجميع المراكز في لبنان، فاتحاً الباب أمام إعادة تفعيل ملفات كبرى طال انتظار تحريكها، بما فيها القضايا التي أقفلت في السابق والمتصلة بجرائم الاغتيال السياسي.

في هذا السياق أجرت "اندبندنت عربية" حواراً مع الوزير نصار للوقوف عند رؤيته لإصلاح القضاء ومتابعة الملفات العالقة واستطلاع آفاق المرحلة المقبلة في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها لبنان، ولا سيما أن الرجل يعيش سباقاً مع الوقت، وأن عينيه معلقتان على إنجاز قرار الحكومة بحصر سلاح الميليشيات قبل نهاية العام الحالي، الموعد الذي يرى فيه النقطة الفاصلة بين لبنان ما قبل الدولة، ولبنان الدولة المكتملة.

وفي الحوار معه بدا واضحاً أن الوزير نصار يستند إلى مسار سياسي وقانوني بدأه منذ أشهر، ويتعامل مع كل جلسة وزارية وكل قرار حكومي باعتبارها حلقة في خطة أشمل تمتد حتى نهاية عام 2025. وهذا التاريخ ليس صدفة، بل هو الموعد الذي يعده نقطة الحسم في ملف السلاح، ومن ورائه مستقبل الكيان اللبناني.

الميثاقية بين الحقيقة والتوظيف
بدأ نصار حديثه بفتح ملف الميثاقية، المفهوم الذي تحول في رأيه إلى أداة تعطيل تستعمل لخلط الحقائق. وأوضح أن الميثاقية في الدستور اللبناني تعني وجود مسلمين ومسيحيين في الجلسة، لا أن تقسم الحصص على المذاهب أي الموارنة والسنة والشيعة والدروز، وغيرهم، ولا أن يمنح غياب وزير من طائفة معينة حق تعطيل الدولة.

بكلمات أكثر حدة اعتبر أن القرارات التي زجت لبنان في الحروب لم تطرح أصلاً في إطار ميثاقي، بل جاءت من "حزب الله" وارتبطت بمصالح إقليمية، كما حصل في قرار خطف الجنود الإسرائيليين عام 2006، مما أدى إلى اندلاع حرب يوليو (تموز)، ثم بعد نحو عقدين فتح جبهة الإسناد في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

يقول نصار بلهجة قاطعة، "هذه قرارات حزبية، وليست طائفية"، والبحث في ميثاقيتها خارج الموضوع.

جلسة بلا صراخ والقرار الحاسم
عن الجلسة الحكومية التي عقدت الثلاثاء الخامس من يوليو الجاري، واتخذ فيها قرار سحب السلاح ضمن جدول زمني يصف نصار الأجواء بأنها كانت "حضارية جداً"، بلا مشادات كلامية، لكن المواقف كانت واضحة. بعض الوزراء المقربين من حركة "أمل" و"حزب الله" طالبوا بتأجيل البحث في موضوع السلاح، إلا أن الكفة الأخرى، التي كان نصار من ضمنها، أصرت على الحسم. ويؤكد أنه بالنسبة إليه، التأجيل لا يخدم الدولة، بل يمدد حال الشلل.

"لا دولة بلا حصر السلاح بيد السلطات الرسمية"، جملة كررها كأنها شعار سياسي شخصي، مؤكداً دائماً أن بناء الدولة ليس مواجهة لمصلحة الفريق على حساب آخر، بل للجميع، مهما كانت انتماءاته.لا يتردد نصار في تفصيل تسلسل الأحداث: الاجتماع الأول الذي صدر عنه القرار بتحديد نهاية السنة موعداً لحصر السلاح بيد الدولة، ثم الجلسة الثانية التي حضرها وزراء محسوبون على "حزب الله" وهم يعلمون أن بندها الأساس هو الموافقة على المبادئ الواردة في المقترح الأميركي. هذا المقترح، كما يشرح، نص في صفحته الثانية على إلزام الدولة تحديد تاريخ زمني لإنهاء حال السلاح الموازي. وهنا يشير، "لا يوجد أي طرف لبناني راغب أو قادر على الوقوف في وجه بناء الدولة. الجيش هو جيش الجميع، والدولة ليست ملك فريق. وعندما تكون الدولة قوية نستطيع مواجهة كل أنواع الاعتداءات بتضامن وطني شامل".

الورقة الأميركية بين الفرصة والأخطار

بالنسبة إلى وزير العدل، الورقة الأميركية – أو كما تعرف "وثيقة براك" نسبة إلى الموفد الأميركي توم براك – ليست مجرد نص سياسي، بل أول خريطة طريق تنفيذية، تبدأ بتحديد موعد نهائي لحصر السلاح، وتليها موافقة على الأهداف.

يقول، "لبنان قام بواجبه"، ونحن الآن ننتظر موقف السوريين والإسرائيليين لأن التنفيذ يحتاج إلى قبول الطرفين. ويحذر من أن عدم الانتظام في هذا المسار ينطوي على "أخطار جسيمة"، معتبراً أن الحكومة اتخذت القرار الصائب بتجنب تلك الأخطار.