المصدر: المدن
الكاتب: طارق الحجيري
الأربعاء 30 تموز 2025 02:33:31
تختلف كارثة أزمة النفايات في قرى وبلدات شرقي بعلبك، عن باقي المناطق اللبنانية، لأنها ليست وليدة الأزمة الاقتصادية، وانهيار قيمة الليرة في العام 2019، بل هي مزمنة. ومع غياب أي خطة وطنية شاملة لمعالجة النفايات تترك كل بلدية لتدبر أمرها بنفسها. هذا فيما البلديات عاجزة عن تأمين الحد الأدنى لإدارة هذا الملف. فالشاحنات شبه متوقفة، رواتب العمال مُعلّقة، والمكبات العشوائية تزداد وتتمدد، وتحرق بين الحين والآخر.
إفلاس مقنع ونقص خدمات
في اللبوة، تكدّست النفايات في شوارعها وأزقتها، وصولًا إلى مجرى النبع الحيوي. يقول رئيس بلديتها الدكتور علي رباح لـ"المدن": "لا نملك حلولًا سحرية، الوضع المالي للبلديات إفلاس مُقنَّع، لدينا ستة عمال وشاحنتين، يرفعون قرابة الـ12 طنًا من النفايات، نحتاج فعليًا لأربع شاحنات و12 عاملًا حتى نبقي بلدتنا نظيفة".
يضيف رباح أنّ البلدية لجأت إلى فرض رسوم شهرية (300 ألف ليرة على المنازل و500 ألف على المحال)، لتأمين رواتب العمال وصيانة الآليات، فيما اتحاد بلديات شرقي بعلبك هيكل بلا أي قدرة، لا يضم كل البلديات، أمّا وزارة البيئة، فيسمعون بها بالاسم فقط، كما يقول.
رأس بعلبك حلول موعودة
في رأس بعلبك تتكرّر الأزمة وإن بأشكال مغايرة. يقول رئيس بلديتها سليم نصرالله "نحتاج شهريًا إلى مبلغ 1500 دولار لجمع النفايات ونقلها إلى مكَّب في خراج البلدة حيث تُحرَق، نؤمن المبلغ من مصادر متعددة، هذا هو المتاح، لكنه لا يرقى إلى الحل العلمي السليم، بعض الدول بدأت تستعمل النفايات في انتاج الطاقة النظيفة، لكن نحن ببساطة كبلديات "ما في مصاري".
ورغم تلقي وعود بالمساعدة، لكنها لم تترجم إلى أفعال حتى الآن وفق نصرالله، لذلك "نترَيَّث بفرض رسوم على الناس، علمًا أن بعض الأمور ندفع لحلها من جيوبنا الخاصة".
وزارة البيئة؟ "لا حس ولا خبر"
تُظهِر الأرقام من بعض بلديات المنطقة الحجم الكبير للنفايات اليومية، اللبوة 12 طناً، النبي عثمان 7 أطنان، حلبتا 5 أطنان، العين 10 أطنان، عرسال 27 طناً، الفاكهة 18 طناً، رأس بعلبك 7 أطنان، القاع 10 أطنان.
رغم كل هذه الصعوبات، ومع عجز البلديات. لا يظهر أيّ أثر لوزارة البيئة لا خطة، لا رقابة، ولا إشراف. حتى بعض المبادرات الفردية، أو جهود بعض الجمعيات البيئية سرعان ما تتعثر لغياب الدعم.
في بلدة عرسال مثلا، أنشأت "الجمعية المسيحية الأرثوذكسية" مركزًا صغيرًا لفرز النفايات وإعادة تدويرها لكنّه متوَّقف عن العمل لأسباب مالية كما تقول البلدية، تجربة تعكس الواقع العام فلا قدرة على الاستمرار دون دعم فعلي.
انهيار الليرة... شلّ البلديات
مع انهيار الاقتصاد عام 2019، وتدهور قيمة الليرة اللبنانية، فقدت البلديات قدرتها على تنفيذ حتى مهامها الأساسية. الموازنات المحدودة أساسًا تبخّرت، تضاعفت كلفة التشغيل بالدولار، بينما لا تزال الايرادات تحصل بالليرة، ما شلَّ البلديات بشكلٍ شبه كامل.
بعض البلديات لجأ إلى رسوم جديدة، أو طلب مساعدات المغتربين. فيما بلديات أخرى باتت بلا أيّ أدوات، سوى المراقبة من بعيد.
خطر بيئي وصحي
لا تقتصر الأزمة على منظر النفايات، بل تعدَّاها إلى تهديد مباشر للصحة العامة، أطفال يلهون قرب المكبّات، هواء مُحمَّل بالروائح السامة، وبيوت يقتحمها الدخان المنبعث من الحرق العشوائي.
تقول سيدة من اللبوة "لا نعرف أيّ وباء قد يظهر، الروائح والحشرات والقوارض حولنا، كلها تسبب الأمراض، هي كارثة فعلية قرب البيوت".
يُحذر الناشطون البيئيون من مشكلة النفايات وعشوائية المكبّات. وتقول الناشطة لوسي جبور إنَّ قرب المكبّات العشوائية من الينابيع والمياه الجوفية يهدّد مصادر الشرب الرئيسية لعشرات القرى، في منطقة تفتقر أصلًا إلى بنية تحتية للصحة العامة.
الحلول الممكنة... من يجرؤ؟
يرى بعض الخبراء أن الحلول لا يجب أن تبدأ فقط بالتمويل، بل بإعادة هيكلة ملف النفايات على أساس اللامركزية والتكامل بين القرى، عبر إنشاء اتحاد بلدي بيئي، وإنشاء محطات فرز ومعالجة لامركزية، يمكن أن تشكل بداية، شرط وجود رقابة صارمة ودعم تقني.
لكن في ظل غياب الإرادة السياسية، واستمرار الأزمة الاقتصادية، تبقى بلدات شرقي بعلبك من اللبوة إلى العين، ومن جبولة إلى القاع، مرورًا بالفاكهة ورأس بعلبك وعرسال، تغرق في أزمتها، لا مجرد أزمة بيئية، بل أزمة دولة لفظت أنفاسها في حاويات القمامة.