٤ آب... شهداء أحياء لم يُعوّض عليهم

٤ آب ٢٠٢٠... وكأنه اليوم! مرّت سنتان على جريمة ارتكبت بحق لبنان وشعبه الجبّار، سنتان والمشهد لا يمحى من ذاكرة الصغير قبل الكبير... إنفجار هزّ بيروت بالكامل ووصل صداه الى قبرص والجوار فكيف لنا أن ننسى صوته وشكله والدمار الذي خلّفه نفسياً جسدياً معنوياً وحتى مادياً؟ عجز اللسان عن الكلام والقلم عن الوصف، فالحزن في القلب باق وفي الذاكرة مطبوع.

شكّل يوم ٤ آب المشؤوم كابوسا للبنانيين وكارثة لأهالي الضحايا الذين ما زالوا يموتون الف ميتة كل يوم بفعل عدم كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة المحميين سياسياً. البعض خسر فلذة أكباده، والبعض الآخر تشوّه، والبعض خسر مآواه ومحاله التجارية ولم يعوّض عليه حتى بالقليل وكأن لا يكفيه ما ألمّ به حتى أصبح مضطراً لترميم ما فعلت به دولته على نفقته الخاصّة.

فأصبح لكل عائلة في بيروت، في الرابع من آب، قصة.

 

خسروا مآواهم وجنى العمر...

عائلة تسكن في منطقة الرميل في الأشرفية، مقابل مرفأ بيروت تماماً، عاشت مأساة كبيرة بعدما هبط سقف البيت على رؤوس أفرادها وهم داخل منزلهم لحظة الانفجار، وتروي الأم في حديث خاص لـ KATAEB.ORG، لحظات الخوف التي عاشتها العائلة آنذاك بوجود طفل رضيع بقي بحالة صدمة لفترة ولم يستطع التعبير عن خوفه وعما رآه وسمعه الا بالبكاء.

هذه العائلة خسرت منزلها بالكامل، خسرت الذكريات الجميلة في هذه المنطقة الصامدة، ولولا الرحمة الالهية كانت المصيبة أكبر والخسارة لا تتعوض.

وتروي الأم: "خسرنا بيتنا وكل شي فيه... بس الحمدالله ما حدا مات"، وتضيف: "لملمنا ما تبقى وذهبنا الى منزل ابنتنا الكائن في جبيل لأن منزلنا لم يعد صالح للسكن، فالجدران تصدّعت وهي معرضة للانهيار في أية لحظة. انتظرنا لفتة من أي جهة أو حتى مساعدة مادية لترميم المنزل والعودة اليه كوننا خسرنا جنى عمرنا، ولكن الوعود بقيت حبرا على ورق ولم يعوّض علينا بشيء".

 

أهم الحواس فقدت...

ندبات وجروح أتت لتعيش مع البعض، ربما لتذكرهم في كل لحظة تمر بالمصيبة التي ألمّت بهم.

عائلة مؤلفة من أب وأم وابنتين، يعشيون أسوء أيامهم بعدما خسرت الأم نظرها أهم حواسها.

وتحدث الزوج لموقعنا عن المصيبة التي خضّت العائلة بعدما خسرت "عامود البيت" نظرها لحظة الإنفجار، عندما كانت متواجدة في المنزل الكائن في الجميزة، فتعرّضت لضربة على رأسها أفقدتها نظرها بشكل كلي.

وتابع الزوج: "دخلنا آنذاك الى المستشفى على عاتق الدولة اللبنانية ككل العائلات المتضررة، ولكن الأطباء أجمعوا على فكرة أن زوجتي لن تستعيد نظرها بتاباً، فالضربة أتت على "العصب" الذي يربط العيون بالدماغ، ما أدى الى توقفه عن العمل إثر الضربة القوية التي تعرّضت لها".

وختم متأثراً: "تعيش زوجتي حالة من اليأس والحزن بعدما استفاقت من غيبوبة دامت لأكثر من شهرين، وهي ترفض المساعدة من أي جهة، وأنا اضطر أحياناً الى ترك عملي والبقاء بجانبها، وعلى من نلقي اللوم والى من نتوجه، دولتنا هي التي فعلت هذا بنا، وأفقدتنا أغلى ما نملك".

 

تعويضات لا تبلسم الجراح...

روت موظفة في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في الأشرفية لموقعنا، المأساة التي عاشتها لحظة الإنفجار أثناء تواجدها داخل مكتبها في المستشفى.

وقالت: "هبط السقف على رأسي، وشعرت بدوار حاد، ولكنني اضطررت لإستجماع قوتي والتوجه الى الطوارىء لكن أحداً لم يتمكن من مساعدتي بسبب الفوضى وعدد المصابين والقتلى الذي لا يحصى، فاستقليت سيارة وتوجهت الى "مستشفى بحنس".

وردا على سؤال إذا وقعت كلفة الاستشفاء على عاتقها الخاصّ أم تلقت مساعدة مادية ما، أجابت: "دخلت مستشفى بحنس على نفقتي الشخصية لكن شركة التأمين عوّضت عليّ بعد عام تقريباً".

وختمت قائلة: "ماذا تساوي التعويضات المادية بالنسبة للآلام والصداع الدائم والتعب النفسي والجسدي التي ما زلت أعاني منها؟"

 

مرّ عامان على ثالث أكبر جريمة بحق الإنسانية في العالم، سنتين والجرح لم يندمل. تعاطفت دول العالم مع الشعب والدولة المسؤولة مصمّمة على  التهرّب من مسؤولياتها وحماية الجناة والمجرمين.

خسائر بشرية، جسدية، نفسية ومادية كثيرة،لا تعد ولا تعوّض مهما جار الزمان، فالمطلب واحد ومن فم جميع المتضررين: العدالة والمعاقبة، فلا التعويضات المادية ولا غيرها تسترجع ما أُخذ من النفوس والقلوب...