المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مايز عبيد
السبت 13 أيلول 2025 07:44:21
تشهد طرابلس في السنوات الأخيرة نموًّا ديموغرافيًا متسارعًا، جعلها من أكثر المدن اللبنانية كثافة سكانية. هذا التوسّع، الذي كان يمكن أن يشكّل رصيدًا تنمويًا لو أُحسن توظيفه، تحوّل بفعل غياب التخطيط إلى عبء خانق يضغط على بنيتها التحتية وخدماتها العامة. ففي ظلّ غياب سياسات حضرية واضحة، باتت الكثافة السكانية تتجسّد في أحياء مكتظة، تعاني من فوضى عمرانية تفتقر إلى أدنى معايير السلامة والتنظيم.
العشوائيات الناشئة على أطراف المدينة وفي قلبها تكشف حجم الأزمة. أبنية مرتفعة بلا تراخيص، طرق ضيّقة لا تحتمل هذا التدفق البشري، غياب شبكات صرف صحّي ملائمة، وانعدام المساحات الخضراء. كلّ ذلك يهدّد بانهيارات اجتماعية واقتصادية، حيث يتحوّل السكن من حق أساسيّ إلى مصدر معاناة يومية، ويصبح التوسّع السكاني وقودًا لمزيد من الفقر والبطالة والتفكّك.
لكن المشكلة ليست في النموّ الديموغرافي بحدّ ذاته، بل في سوء إدارته. فطرابلس تملك رأسمالًا بشريًا ضخمًا يمكن أن يشكّل رافعة تنموية، إذا ما ترافق مع خطط جدية للتخطيط العمراني وتحديث البنية التحتية. التجارب العالمية أثبتت أن المدن المكتظة ليست بالضرورة مدنًا فاشلة، بل يمكن أن تتحوّل إلى مراكز حيوية للنشاط الاقتصادي والثقافي إذا أحسنت استثمار طاقاتها.
الحلّ لا يكمن في إجراءات ترقيعية أو تنظيم جزئي لبعض الأبنية، بل في رؤية شاملة تنطلق من وضع سلطة حضرية موحّدة، قادرة على فرض القانون وتوجيه النموّ العمراني ضمن إطار منظم. إلى جانب ذلك، تبقى ضرورة تفعيل خطة رسمية للنهوض الاقتصادي كاملة متكاملة لطرابلس أمرًا محوريًا، من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب والحدّ من البطالة.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: أين بلدية طرابلس من كلّ هذا المشهد؟ فالمتابعون يرون أنها لا تملك أيّ خطط أو استراتيجيات لمعالجة التوسّع العمراني العشوائي، مكتفية بدور المتفرّج على أزمة تتفاقم يومًا بعد يوم. فهل تستمرّ البلدية في غيابها، تاركة المدينة رهينة فوضى البناء والانفجار السكاني، أم تستفيق أخيرًا لتتحمّل مسؤولياتها وتضع أسسًا لإنقاذ طال انتظاره؟