فادي المصري: مجرد صدور القرار الإتهامي بانفجار المرفأ إدانة للمعطّلين وللمنظومة التي عرقلت التحقيق

قال نقيب المحامين في بيروت فادي المصري في مؤتمر صحافي: "قبل خمس سنوات اهتزّت بيروت وجوارها وسقط شهداء وتدمّرت المدينة فيما بقيت الدولة متفرّجة والمرتكبون بلا محاسبة."

وأشار الى أننا لا نملك ترف الإنشاء بل واجب الحقيقة ولا نلتزم إلّا بالفعل ولا نطلق المواقف للإستهلاك من نقابتنا بل نصوغها التزامًا.

وأضاف: "النقابة واجهت الفاجعة بالعلم والإرادة ومنحت صوتها للضحايا وتقدّمت بصفتها ممثّلة عن الضحايا ومكتب الإدّعاء في النقابة وجد مركزاً للحراك القانوني."

وأكّد المصري انّ التحقيق واجه عراقيل عدّة ولم نستسلم وقلنا "لا" لمن أصر على قتل الأمل ورفعنا العام الماضي في الذكرى الرابعة عودة التحقيق إلى مساره وإزالة العوائق.

وأعلن أنّ التحقيق عاد إلى الحياة والإجراءات استؤنفت والملفّ استعاد نبضه وتمكّنا مع مكتب الإدّعاء والتنسيق مع أهالي الشهداء من إنتزاع هذا الإنجاز بمواجهة التعطيل.

وأوضح أنّ عودة التحقيق هي استمرار لمسار هدفه الوصول بسرعة من دون ثغرات إلى المحاكمة أمام المجلس العدلي ونعد بمتابعة القضيّة أمام المجلس.

وتابع قائلاً: "التعويض على المتضرّرين أمر أساسي وعلى الدولة تحمّل المسؤوليّة."

وفي وقت سابق، أكد المصري عبر صوت لبنان انه عندما يكون هناك اصرار وإرادة وتصميم يصل أي تحقيق الى نتيجة وقال:"لو استسلمنا في العامين 2023 و2024 عندما تمّ ابطال قرارات المحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق بيطار ووقف التحقيق واطلاق سراح الموقوفين لما كنا وصلنا في 2025 الى عودة التحقيق".

أضاف:"لم نتخلّ عن التصميم والارادة في مواجهة التحديات وضياع المسؤوليات وعندما كانت هناك كل مكونات الاستسلام بل استمرينا في نقابة المحامين عبر مكتب الادعاء بمواكبة الملف وتقديم المذكرات ورفض طي الملف مع اصرار بيطار على عمله وموقف اهالي الضحايا الذين وقفوا سدا منيعا بوجه التسييس، هذه العوامل الثلاثة أدت الى استئناف التحقيق".

وقال المصري: "لا أفقد الأمل بل كلما أمل ان التحقيق في انفجار المرفأ سيستكمل وننهي الملف في جزئه الاول المتعلق بالتحقيق وننتقل الى المحاكمة امام المجلس العدلي".

وشدد على ان التحقيق سري وجزء من العقبات ذلّل و"نطالب بمعالجة ثغرات أخرى لكي يكون القرار الاتهامي خاليا من اي شائبة وكي تكون المحاكمة لائقة بتاريخ لبنان الحقوقي وتطلعات العالم الينا وللشعب اللبناني وذلك ليس فقط لكشف الحقيقة انما للقضاء على ثقافة الافلات من العقاب التي لا يجب ان تستمر وعار علينا ان نقبل بالافلات من العقاب ويجب ان يُقضى عليه من خلال جريمة المرفأ".

ورأى المصري ان مجرد صدور القرار الاتهامي انتصار للحقيقة وضد المنظومة التي كانت قائمة وما زالت جزئيا قائمة وحاولت عرقلة التحقيق مؤكدا ان القضية وطنية واقله هناك اهمال من الحكومة والقيّمين عليها والمكونات.

ولفت الى ان "التحقيق خرج من الجمود بفضل العناصر الثلاثة التي ذكرتها وصدور القرار بحد ذاته ادانة للمعطلين".

وأشار المصري الى ان التشكيلات القضائية التي صدرت لها تأثيران، الأول تقني للقضاء على الشغور والفراغ على صعيد المحاكم ومن ناحية ثانية هناك تأثير معنوي اذ ان التشكيلات خلقت أرضية وجوا لاستئناف العمل بالمؤسسة القضائية وهو أمر مهم لناحية ايقاف جو التعطيل الذي كان سائدا وذلك بفضل وزير العدل عادل نصار النشيط والذي قام بسرعة قياسية باصدار التشكيلات بدفع من السطلة التنفيذية.

وقال:"هناك جو عام موجود في البلد ضد التعطيل والشغور والجمود وعندما يعود المرفق القضائي بزخمه سينعكس ذلك ايجابا على قضية المرفأ".

وختم بالقول:"لنحوّل الألم الى أمل وهذا وعدي وعهدي الى اللبنانيين بمساعدة أصحاب النوايا الطيبة والوطنيين المخلصين".

الكلمة كاملة

أيها اللبنانيون،
أهالي شهداء الواجب وأهالي الضحايا،

الجرحى والمعذّبون والمنكوبون،

تعود اليوم ذكرى الفاجعة لتقرع الوجدان، لا كتاريخ عابر، بل كجرح مفتوح لا يُشفى.
قبل خمس سنوات، فُجِّر مرفأ العاصمة، فاهتزّت بيروت وجوارها، وسقط الشهداء والضحايا، وتضرّرت المدينة بأحيائها التاريخية العتيقة وأبنيتها الجديدة وبأبراجها الشاهقة وذُهل العالم من هول الكارثة، فيما بقيت الدولة متفرجة والمرتكبون، حتى الساعة، بلا محاسبة، والعدالة تتقدّم ببطء، مثقلةً بالعراقيل وتعطلها التجاذبات.

في حضرة الشهداء والضحايا والمتضررين جسدياً ومعنوياً ومادياً، لا نملك ترف الإنشاء، بل واجب الحقيقة.

وفي ظل صبر الأهالي، لا نُجيد إلا العمل ولا نلتزم إلا بالفعل.

ومن على منبر نقابة المحامين في بيروت، التي أصابها ما أصاب أهل المدينة، لا نُطلق المواقف للاستهلاك، بل نصوغها التزامًا ومسارًا.

لقد كانت نقابة المحامين، منذ اللحظة الأولى، في قلب المواجهة القضائية والحقوقية وفي عمق المأساة الإنسانية فوقفت ونظّمت وجنّدت وتوكّلت وواجهت الفاجعة بالأمل والعلم والعمل وقبل كل شيء بالإرادة.

منحت صوتها للضحايا، ومنبرها للمظلومين، وتقدّمت بصفتها ممثلة عن الضحايا لمن لا سند لهم.
فوُجِد مكتب الادعاء في النقابة، ليكون مركزاً منظٍّماً لحراك قانوني وأخلاقي، لا تنفصل فيه المهنة عن القضية، ولا يتوارى فيه الضمير وراء الصمت.

لسنوات، واجه التحقيق العدلي عراقيل ممنهجة، ومحاولات تعطيل صريحة، وقرارات صادمة، وعبثًا قضائيًا لم يشهد لبنان له مثيلًا.

ورغم كل ذلك، لم نستسلم. وقفنا، وواجهنا، وقلنا "لا" بوجه من أصرّ على قتل الأمل والرجاء بعد أن أصاب البشر بالصميم فضلاً عن الحجر والبنيان.

وفي العام الماضي، وتحديدًا في الذكرى الرابعة، رفعنا بوضوح، ومن "بيت المحامي" بالذات، مطلبًا أساسيًا:

عودة التحقيق العدلي إلى مساره الطبيعي، وإزالة العوائق المفروضة عليه.

لم يكن المطلب شعارًا، بل موقفًا موثّقا ببيانات، ومرافعات، ومراجعات ومطالعات حثيثة أمام الجهات القضائية المختصة وبعمل صامت مع من يجب وحيث يجب وكما يجب من أجل صون التحقيق واستكماله ومنع إغتيال المسار العدلي للقضية الكبرى.

واليوم، في هذه الذكرى الخامسة، نقف أمامكم لنقول بصدق:

لقد وفينا.

عاد التحقيق العدلي إلى الحياة. تحرّر من الجمود، واستُأنفت الإجراءات، واستعاد الملف نبضه القضائي.

لقد تمكّنا، مع مكتب الإدعاء الذي يقوم بجهد جبّار، ومن خلال الإصرار والتنسيق مع أهالي الشهداء والضحايا ومن خلال العمل المستمر على مدار السنوات الخمس،  من انتزاع هذا الإنجاز بمواجهة العجز والتعطيل.

وإننا في هذا اليوم، نعلن على الملأ، وبثبات وحزم كما عهدتمونا،

أولاً:
إن عودة التحقيق إلى مساره العدلي ليس نهاية المطاف بل إستمرار لمسيرة ومسار هدفهما الوصول بسرعة، ولكن دون أية ثغرات إجرائية أو قانونية، إلى المحاكمة أمام المجلس العدلي.

ثانياً:

نَعِدُ اللبنانيين بمتابعة القضية أمام المجلس العدلي، حتى يصدر الحكم العادل،
حكم لا يُظلم فيه بريء، ولا يُستثنى فيه مسؤول مهما علا شأنَهُ، ولا يُقفل فيه الباب على أي حقيقة.
سنُكمل حتى النهاية، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف التسويات، ولا تُقايض بالسياسة، ولا تُطمَس بمرور الزمن.

ثالثاً:

إن التعويض على المتضررين، جميع المتضررين، من أصحاب الحق، أهالي الشهداء والضحايا، والجرحى والمصابين بممتلكاتهم، أمر أساسي، وعلى الدولة تحمّل مسؤولية هذا التعويض في مطلق الأحوال.

رابعاً:

إن كشف الحقيقة والمحاسبة هما الطريق الوحيد لبلسمة الجرح الذي أصاب الوطن مساء 4 آب 2020 وهما المفتاح لإعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطن والدولة وبين صاحب الحق والقضاء، وبالتالي لعودة لبنان إلى مصاف الدول التي تحترم الإنسان وكرامته وسلامته وممتلكاته.

وفي الختام،

ان نقابة المحامين لن تتعب، لن تستكين، لن تساوم ستتابع النضال بإيمان وبحزم وبحكمة وبمناقبية من أجل إنتصار الحق والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب والحفاظ على الإنسان وعودة لبنان وطناً نفتخر به أمام الأمم ونسلّمه إلى أبنائنا أمانة ولا أغلى.

رحم الله شهداء الواجب والضحايا وبلسم جراح المصابين والمتألمين وحفظ لبنان على الدوام وطناً للحرية والإنسان.