لا "المِيثاق الوَطني" أدّى الى وِفاق ولا " الوِفاق الوَطني " أدّى الى مِيثاق ...؟!

كتب المحامي انطوان القاصوف : 

تَقولُ الواقِعة التاريخيّة : " كانت مَلكة بلجيكا ، أرملة " الملِك الفارِس " ، تَعشقُ المُوسيقى ... وفي كلّ صيفٍ كانَت تُسافر الى " وارسو " الخاضِعة آنذاك قَسراً للنِّظام الشُّيوعي ، لِحُضور مَهرجان الموسيقيّ "شُوبان " ...
وفي إحدى المَّرات وبينَما كان أحدُ الوزراء يُرافِقها في زيارةٍ لإحدى الكَنائس ، رَسمَ إشارةَ الصّليب وهو يَدخلُ الكَنيسة، فقالتْ لهُ : " آه ، أنتَ كاثوليكي "؟ فأجابَها مُتلعثِماً : " نعم ، بعض الشّيء كما كلّ البُولنديين ... لكنّني لستُ مُمارِساً ..."؟!
إستَنْتجَت المَلكة " أنّ حال البُولنديين مُعاكسة مع الشّيوعيّة ، فهُم يُمارِسُونَها ولكنّهم لا يُؤمنون  بِها ..."؟!
هذه الوَاقعة تُلخّصُ مَأساةَ كلّ بلدٍ ، أجبَره التّاريخ وفٕرضت عليهِ الجغرافية ، مُمارسةَ عَيشٍ ليسَ عَيشه وحَياةً ليسَت حَياته ... ولكنْ، لا يُمكِن إجبارُ شَعبٍ على الإستمرارِ في الأكذُوبَة الى الأبد ... والدّليل كيفَ تَحرّرت بُولندا وغيرها مِن دُول اوروبا الشّرقية وكيفَ وصلَ الدَّور الى قلبِ روسيا، فتَفّككَ الإتحاد السّوفياتي وكيفَ تَشتّتَ الإتحاد اليوغوسلافي وكيفَ أصبحَ الإستقلالُ هَدَفاً لكلّ دَولةٍ مُحتلّة ومُستَعمَرة ؟! 
    هذا ما حصلَ وما يَحْصُل مع شُعوبٍ عَديدةٍ عَبر التّاريخ ، فَهل هذا ما هُو حاصِلٌ معَ " شُعوب " لبنان ؟ أم أنّ هذه " الشّعوب الُّلبنانيّة "وُجِدٕت لتَعيشٕ مع الأُكذوبة الى الأبد ؟!
    عندما تمَّ وَضعُ المِيثاق الوَطني، اعتَبَره " الكِبار " إنّه تَكريس لِما هو " مُتَفَاهَمٌ عليه " ... ولكِن عندما وَقَّعوا في الطّائف على " الوِفاق الوَطني " اعتَبَره الجميع إنّه تَسوية لِما هو "مُختٕلفٌ عليه "؟!
    مع " المُتفاهَم عليه " هلْ نَنسى بَعضاً من اللّبنانيين الذين تَجري في دِمائهِم بَدَلُ الكُرَيات الحَمراء والبيضاء ، كُرياتٌ سوداء كوجُوهِهِم ، كيفَ اساءوا في مَراحلَ عَديدة ، فلَم نَسْلَمْ من إنقلاباتِهم وحرُوبهم وحَوادِثهم وفِتَنهم وإغتيالاتِهم ، وجَعَلونا نَعيشُ في قلقٍ دائِم خَوفاً مِن خَطر ٍداهِم يُهَدّدُ بِزوالِ الوَطن ؟
    وهَلْ نَتَناسى كَيف زَعْزَعت الكَيان ، القضِيّة الفلسطينيّة : مع " النَكْبة " ، سَيلان مِن اللُّجوء البَشري الذي ما زَال يَتناسَل ، ومع "النّكَسة " ، طَوفانٌ مِن النُّزوح العَسكري ... ومع " إتفاقيّة القاهرة " ، بدءُ إنهيارِ السّيادة ... ومِن ثُمّ إنكشافُ مَشروعِ الوَطن البَديل بَدَل الوطنِ السَّليب ، ومِن " فَتح لاند " الى " لبنان لاند " حينَ أصبحَ السِّلاحُ الفلسطيني، الذِّراع العَسكريّة الطّائفيّة في الحَرب الأهليّة ، وحينَ صارَ " ابو عَمّار " يُفاخِر بأنّه حَكَمَ لبنان طِيلة خَمسة عَشَر عاماً ؟!
    وما عَجِزَت عَنهُ القَبْضة العَسكرية الفلسطينيّة ، لمْ يَوَفِّرهُ الإحتلالُ السُّوري طِيلة خَمسة عَشر عاماَ إضافيةً تحت مُسمى الدَناءة والخِسّة ( الشَّرعي – الضّروري – المُؤقت ) كلّ ذلكٕ تأكيداً لمَقولة حافظ الأسد : نحنُ شعبٌ واحدٌ في دَولتين  ... وهذا ما يُؤكّدُه بعضُ مُكتشِفي أسباب أزمَتِنا الإقتصادية الحاليّة تحت عُنوان :" نحنُ نَستورِد لِدَولتين ..."؟؟!!
    كما أنّ التّاريخ والجغرافية فَرَضا عَلينا " جِيرة " دَولتين واحدةٌ لا نَعتَرفُ بها والأُخرى لا تَعتَرفُ بِنا ..."؟! 
    أمّا مَع " المُخْتَلَف عليه " صحيح أنّ الوطن بَقي ،ولكّننا تَحوّلنا مع " الوَرثة " مِن دَولة الى غَابة ... الى جهنّم ؟!
    ألَسْنا جُمهوريّة مِن دونِ رَئيس ؟ الفراغُ قاعِدة وانتخابُ الرّئيس إستثناء ، ألاَ يَصحُّ في تَوصيفِ "جَلساتِ" إنتخابِه، ما قالَه " الفْرد انشتاين " : الغَباءُ هو انْ نَفعلَ ذاتَ الشّيء مَرّةً بعدَ أُخرى ونَتوَقّع نَتيجةً مُختلِفة "؟! 
ألَسْنا في عَدلِيّة بِدون عَدالة لأنّ العَدْلَ جَعَلُوه مُستَحيلاً فأصْبَحنا نُطالِب - فقط - بتوزيعِ الظُّلم بِطريقةٍ عادلِة ؟!
ألسْنا نَعيشُ في وَطَنِ العَار لأنّ إنْسانَنا باتَ يُهانُ مِن أجلِ لُقمةِ العَيش ؟
ألَسْنا في مَدارسَ مِن دُونِ عِلْم ، فإذا كانَ لِكُلِّ عَصرٍ جَاهليِنَه فنحنُ اليومَ نَجمعُ جَاهليّةِ كُلِّ       العُصُور ؟!
ألسنا في دولةِ الإعاشَة وشَعبِ المَجاعَة : وزارةُ الماليّة مِن دونِ أموال ؟ 
ألَسْنا في دولةٍ مُؤسساتُها مِن دُونِ إدارات ؟ 
ألَسْنا مَع مَصارِفَ مِن دونِ وَدائِع ؟
ألَسْنا " بالوعة " كَهرباء مِن دُون نُور ؟
ألَسْنا مَوارد مَائية مِن دُون مِياه ؟
ألَسْنا مَرضى مِن دُون دَواء؟ من دون إستشفاء؟ مِن دون حتى أمَلٍ بالشّفاء ؟
ألَسْنا في حالةِ لُجوءٍ مُتَدَفِّقٍ ونُزوحٍ مُتواصلٍ بَحْثاً عن تَوطينٍ دائِم ؟
    وفوقَ كلّ هذه المَآسي ، ألَسْنا في عهدةِ فَريقٍ مُسلّحٍ بالحَديد والنّار ، يَحكُمُ ويَتٕحكّم ، وصارَت السّيادة في عَهدة " السّيد" ؟! وفريقٌ آخر ، سِلاحُهُ الدّستُور والقانون ، "يَطرحُ الصّوت " قائِلاً ، مُطالِباً ، مُردّداً : لا حلّ إلاّ بِنَزعِ سِلاح الحَديد والنّار ، لِنعودَ دَولة ديمقراطيّة ... والدّكتاتور المُستبدّ لا يُبدي أيً اهتمام ولا يَصدرُ عنه – حتّى – أي ردّة فِعل سِوى عبِارة : شاءَ منْ شَاء وأبَى مَن أبَى ؟!
    أمّا مُصيبَةُ المَصائِب ، فيُمثّلُها فريقٌ وُصوليّ مُتخاذِل شِعارُه :" لا يُمكن أن نكونَ كُلُّنا ابطالاً ، إذْ أنّ هناكَ حاجةٌ إلى مَنْ يَجلِسُ في صُفوف المُشاهدين ويُصَفّق ..."؟!
   مع  المِيثاق الوَطني،  كانَ لبنان " ذا وَجهٍ عَربي "
   مع الوِفاق الوَطني ،  أصبحَ لبنان " عربيّاً " من رأسهِ حتّى أخمَصِ قَدَميه ، 
ولكنْ أينَ أصبَحَت العُروبة ؟
هل شَتَّتَها "التّطْبيع الإبراهِيمي "؟
هل إغْتالتْها " الشُّعوبيّة الفارِسيّة "؟
هل عادَ ماضي التّتْريك يُطارِدُها مِن جَديد ؟ أمْ باتَت ضَحيّة صِراع الأتراك والأكراد ؟

    " الميثاق الوَطني " أكَد المُؤكّد ، أمّا " الوفاق الوَطني " فأكّدَ بأنّه مِن المُؤكّد أنّ لا شيءَ أكيد...؟!
    " الميثاق الوَطني " جاءَت نَتائِجُه مُخيّبَةً لِلآمال ،
أمّا الوِفاق الوَطني ، فجاءَت وَقائِعه قاتلِة للآمال ، وكأنّ الذي أعادَ تكوينَ الكَيان اللُّبناني تَعمّدَ أنْ يَجعلَ مِنهُ وَطناً يَعيشُ ولكنّه لا يَحيا ؟! فلا الميثاق الوطني أدّى الى وِفاق  ولا الوِفاق الوَطني أدّى الى مِيثاق ... ليبقى السُّؤال على الدَّوام : 
    لبنان الى أين ؟؟!!

هُناكَ شُعوبٌ تُقدّمُ الحُريّة على سِواها 
       وشعوبٌ تُقدِّمُ التَّسامُح 
       وشعوبٌ تُقدِّمُ المُساواة 
نحنُ يَجب أن نُقدِّم هذا الثّالوث على كلّ شيء ، ونَضَع مِيثاقاً وِفاقيّاً وَطنيّاً جَديداً يُعيد لنا وَطننا ...؟!
لبنان قبلَ كُلّ شَيء،  وفَوق كلّ شَيء ، وبَعد كلّ شيء ...!
دولةٌ مَدنيةّ - عِلمانيّة ، وَسَحْبُ التّداوُل بِعبارة "إلغاء الطائفيّة السِياسيّة " لِما تَحْمِلُه مِن إلتباسٍ في المَعنى والمَرمى؟!
التّأكيدُ على مَبدأ فَصل السُّلطات : التَشريعيّة – التَنفيذيّة وخاصّة القضائّية والكفّ عنْ المُطالبة بإستقلالية القَضاء ، لأنّ الدَّولة التي لا تَقوم على هذا المَبدأ تَفقُد أساسَها الدّستوري ؟
قانونٌ واحدٌ مُوحّدٌ لأحوالِنا الشّخصية ، كما هو الحَال مع قانونِنا المَدني والجَزائي والإداري وغيره ...؟!
الإنتقالُ مِن مَركزيّة الدَّولة الى  اللامركزيّة المُوسَّعة إداريّاً وماليّاً ...!
إلغاءُ القانون الإنتخابي المِسخ ( نسبية + اكثرية + ارتودكسية + لوتو لبنانيّة ) والإنتقال الى قانونٍ عصريٌ يتناسب مع اللامركزيّة! 
لا "عَيش مُشترك " لأنّه تَعايُش مُشترك في العَلن ،  وتَكاذُبٌ مُشترك في السِّر ، علينا أن نُؤكّد في السّر وفي العَلَن ، بأنّه علينا أن نَحيا حَياةً واحدةً وَنعيشَ عَيشاً "مُتنوّعاً " ؟!
لأنّنا لا نستطيعُ حلّ مَشاكِلِنا بِنفس طَريقة التّفكيرِ التي أدّت لِخَلْقِها ، لذلك في الأزمات الكُبرى يَسقط " رِجالُ السُّلطَة "ويُؤتى بالرّجال الكِبار " رجال الدّولة "ليعمَلوا بالمُتفاهَم عليه " ويعالِجوا " المُختَلَف عليه " فهلْ هذا ما نحنُ عليه ؟
خارج الشّرعيّة والميِثاق والوِفاق والدّستور والقَوانين ، مُسلسلُ المَآسي لنْ يَنتَهي ... وما عَلينا إلاّ أنْ نعملَ بِقولِ المُفكّرة والنّاشِطة البُولندية رُوز لكسبورغ : 
    "عندما يُصبح الظُّلم قانوناً ، يُصبح التَّمَرُّد واجِباً "؟!