1 أيار: القانون "يستضعف" العمّال ورفع الأجور بعيد المنال

يحل يوم العمال هذه السنة بينما يزداد واقع العمال والموظفين في لبنان مرارة. تتوالى الحكومات، ويستمر معها العجز والانصياع لأرباب العمل وإغفال معاناة الأجراء، الذين يتسارع سقوطهم في حُفرةٍ أعمق من الفقر. يأتي ذلك وسط رفض "الهيئات الاقتصادية" لأي تعديلٍ عادل للحد الأدنى للأجور، وعرقلتها اجتماعات لجنة المؤشر أو التسبب بتأجيلها، كما حدث في الاجتماع الأخير الذي تم تأجيله إلى 7 أيار 2025.

يتعمّق غرق اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود في آلامهم منذ عام 2019، بعد أن تراجع الحد الأدنى للأجور بنسبة 55 في المئة، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها. كما استمرت الزيادات الكبيرة – غير المفهومة وغير المبرّرة – في أسعار السلع والخدمات الأساسية والتعليم وبدلات الإيجار، رغم تراجع موجة التضخم العالمي من جهة، وقرار دولرة الاقتصاد الذي اتخذه وزير الاقتصاد والتجارة السابق أمين سلام من جهة أخرى.

لقد تآكلت القدرة الشرائية منذ بدء الانهيار الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 70 و90 في المئة، بالإضافة إلى تدهور الخدمات العامة. في حين أصبح الجزء الأكبر من اللبنانيين يعاني بشكل متزايد من آفتي البطالة المزمنة والبطالة المقنعة، حيث تشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى بلوغ المعدل العام للبطالة في لبنان نحو 30 في المئة، ومعدل العمالة غير النظامية نحو 60 في المئة.
هذا يعني أن جزءًا كبيرًا من اللبنانيين يعاني من تآكل مهارات العمل إلى جانب خسارة كاملة للأجور والمدخرات، وما يرافقه ذلك من أعراض اكتئاب وتزايد في معدلات الجريمة. بينما يعاني جزءٌ أكبر من عدم استغلال مؤهلاتهم ومهاراتهم بشكل كامل، بسبب عدم توفر وظائف مناسبة، حيث يضطرون إلى العمل خارج إطار القوانين والأنظمة، ومن دون عقود عمل مقابل أجور منخفضة لتلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم. يُضاف إلى كل ما سبق استمرار وزارة العمل في التلكؤ في تنظيم العمالة الأجنبية، ما يتيح لأصحاب العمل استغلالها لزيادة الإنتاجية من جهة، وخفض معدل الأجور من جهة أخرى، مما يرتب تبعات كارثية على العمالة المحلية. كما تستغل قوى أقصى اليمين السياسي هذه الوضعية، مضاعفةً بذلك من حدّة خطابها العنصري، وهي القوى ذاتها التي تعادي مصلحة الطبقة العاملة اللبنانية عبر دعمها أهداف وتطلعات "الهيئات الاقتصادية" على اعتبارها ممثلة الاقتصاد اللبناني.

 

معضلة الحد الأدنى للأجور

لم تفضِ اجتماعات لجنة المؤشر إلى أي نتيجة إيجابية. فمن جهة، يطالب الاتحاد العمالي العام، ممثلًا برئيسه بشارة الأسمر، برفع الحد الأدنى للأجور إلى 900 دولار أميركي في المناطق، أي ما يعادل 81 مليون ليرة لبنانية، وإلى 1200 دولار في بيروت، أي ما يعادل 108 مليون ليرة. وهذه الأرقام تأتي وفقًا لدراسات الاتحاد العمالي الخاصة، لكن يبدو أن الاتحاد قد تبنّى نتائج دراسة الشركة الدولية للمعلومات، التي حدّدت أن متوسط الحد الأدنى للأجور يجب ألا يقل عن 890 دولاراً، على اعتبار أن الكلفة الأدنى لا تقل عن 675 دولارًا في الشهر، والكلفة الأعلى لا تتجاوز 1121 دولارًا، وذلك من دون أخذ أعباء الطبابة والتعليم الخاص بعين الاعتبار، وبعد تقليص مجموع التكاليف المتوجبة على الأسرة إلى أدنى حد ممكن. أي أن هذه الأرقام التي قدمها كل من الاتحاد العمالي العام وشركة الدولية للمعلومات تمثل ما تحتاجه الأسرة اللبنانية للبقاء على قيد الحياة وتلبية المتطلبات الضرورية فقط.
ومن جهة أخرى، يصرّ أرباب العمل، ممثلين بـ "الهيئات الاقتصادية"، على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دولار فقط، أي ما يعادل 27 مليون ليرة، رغم تقديم الاتحاد العمالي تنازلات كبيرة ومطالبته برفع الحد الأدنى إلى 550 دولارًا فقط.

ويشير الباحث في شركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، إلى أن 80 في المئة من المؤسسات الخاصة في لبنان قادرة على دفع حد أدنى للأجور يصل إلى 900 دولار شهريًا. ويضيف أن الدولة، باعتبارها المُشغِّل الأكبر، قادرة أيضًا على رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، إذا تمكنت من معالجة التهرب الضريبي، وخصوصًا التهرب من دفع الضريبة على القيمة المضافة. وتعقيبًا على تهديدات أصحاب العمل بإقفال مؤسساتهم، متذرعين بعدم قدرتهم على دفع أجور أعلى، كرّر شمس الدين في أكثر من تصريح صحافي مقولة "خليهن يسكّروا!"، مؤكدًا أن ما يروّج له من قبل أصحاب العمل بعيد عن الواقع "فالمؤسسات الكبيرة تفتتح المزيد من الفروع لكنها ترفض زيادة الحد الأدنى للأجور"، وبالتالي فهي تستحوذ على قيمة متزايدة من عملٍ غير مدفوع الأجر. ويستند شمس الدين في تحليله واستنتاجه إلى ثلاثية مؤشر التضخم بحسب إدارة الإحصاء المركزي، ومستويات الأسعار وكلفة المعيشة، والوضع الحالي للمؤسسات وقدرتها على التحمل. كما يشدّد على ضرورة ربط تعويض غلاء المعيشة بمرسوم زيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور.

 

نحو مشروع قانون عمل جديد

في تصريح خاص لـ "المدن"، يقول المدير التنفيذي للمرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين الدكتور أحمد الديراني: إن سوق العمل تغير بشكلٍ كبير منذ أن أقرّ قانون العمل عام 1946، فهناك فئات عمالية جديدة، وفئات عمالية أخرى لم تعد موجودة، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من العمالة الهشّة وغير النظامية التي لا تغطيها التشريعات. وهذه الفئات العمالية معرّضة لجميع أشكال التجاوزات والاستغلال لأن قانون العمل لا يشملها.

وقد حاول جميع وزراء العمل المتعاقبين منذ اتفاق الطائف حتى يومنا هذا تحديث قانون العمل، لكن محاولاتهم لم تكتمل لأنهم لا يتواصلون مع الفئات المعنية بالشكل المطلوب، رغم أن قانون العمل هو أهم عقدٍ اجتماعي على الإطلاق في أي مجتمع". ويعطي الديراني المادة رقم 7 من قانون العمل الحالي مثالًا على الثغرات والإشكاليات التي ينطوي عليها، وهذه المادة تنصّ على عدم شمول عشرات الآلاف من العمال والموظفين، مثل العمال الزراعيين، والعمالة المنزلية، والعمال المياومين في البلديات والإدارات الرسمية والمؤسسات العامة والمؤسسات العائلية. ويشير إلى أن معدل العمالة غير النظامية بلغ اليوم 66 في المئة، وأن المتغيرات لم تصب سوق العمل وحده، بل أيضًا عقود العمل، وجزء كبير منها غير منظم ويغيب عنها قانون العمل بشكل كلي.

لكنه يرى أن الأولوية هي لخلق فرص عمل مستدامة، ويقول: "يجب على قانون العمل أن يتضمّن بنودًا تُلزِم الدولة باتباع سياسات تهدف إلى تأمين فرص العمل وفتح مجالات عمل جديدة، وهي خطوة طارئة تسبق إعادة تنظيم علاقات العمل".

ويضيف الديراني: "لا يؤمن قانون العمل الحالي المساواة، خصوصًا في فرص العمل والأجور والترقيات للنساء، ولا يتضمن مواد ملزمة تحمي حقوقهن، خصوصاً فيما يتعلق بالعمل خلال فترة الحمل والولادة والرضاعة. كما أن قانون العمل لا يوفر الحماية المناسبة للعمال والعاملات المنزليين، لاسيما بعد إلغاء مجلس شورى الدولة لعقد العمل الموحد عام 2020. ولا ينص على تشريعات خاصة بحقوق المعوقين العاملين ولا أفراد مجتمع الميم، إضافة إلى أنه لا يلحظ القانون رقم 220/2000 الذي يضمن الحق في العمل والتوظيف والتقديمات الاجتماعية للمعوقين".

ويركّز على أن قانون العمل الحالي "لا يؤمن حماية واستقرار وديمومة العمل، حيث إن المادة 50 منه لا تتضمن رادعًا ماديًا أو آليات قانونية فعّالة لحماية العمال من الصرف التعسفي. وهذا الأمر يشكل أزمة لأولئك الذين عملوا في نفس المؤسسة لفترة طويلة، حيث يكون تعويض الصرف التعسفي بسيطًا جدًا بالنسبة لصاحب العمل".

أما فيما يتعلق بجهود المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين في هذا الإطار، يشير الديراني إلى "أننا في المرصد، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، ومجموعة من الاتحادات النقابية الفاعلة، نعمل منذ حوالي عامين على إعداد مسودة قانون عمل جديد يعالج كل الثغرات والإشكاليات المثارة. وقد نظمنا ورش عمل عديدة مع العمال في مختلف القطاعات، وجميع الفئات المعنية بقانون العمل، وقمنا بتشكيل لجنة قانونية للمتابعة، وسنعلن خلال أقل من شهرين عن إنجاز مسودة الإطار المرجعي، والمبادئ التي يجب أن تحكم التعديلات، إضافة إلى مسودة كاملة لقانون عمل جديد. وبعد إنجاز هذه الخطوات سنتوجه إلى أصحاب القرار السياسي وأصحاب العمل وجميع المعنيين لنقاش هذه الأوراق".

 

يومٌ للعمال وليس عيدًا للعمل!

في هذا اليوم من كل سنة، لا بد دائمًا من التذكير أن ذكرى الأول من أيار اختيرت تكريمًا لذكرى الحركات العمالية التي ناضلت وضحّت لتحقيق مطالبها وحقوقها العمالية، وخاصةً بعد الأحداث التي حصلت في شيكاغو عام 1886، حيث أعلن مئات الآلاف من العمال الإضراب وخرجوا في تظاهرات للمطالبة بزيادة الأجور وتقليص ساعات العمل إلى ثماني ساعات، ففتحت عناصر الشرطة النار عليهم وارتكبت مجزرة بحقهم.

ومنذ ذلك الحين، توالت الإضرابات والتحركات الغاضبة في هذا اليوم حول العالم، وشهدت العديد من البلدان قمعًا وحشيًا بحق العمال، من روسيا القيصرية إلى تركيا والأرجنتين وبولندا وفرنسا وإندونيسيا والمكسيك والهند وتشيلي وإسبانيا والبرازيل، واللائحة تطول. ليس هذا اليوم، كما يردّد الكثير من أصحاب العمل في لبنان وبلدان أخرى، مخصصًا لتكريم العمال على إنتاجيتهم وتعبهم، ولا عطلةً رسمية تتمنن الدولة بها عليهم، ولا عيدًا للتفاخر والاحتفال بالعمل؛ بل هو يومٌ للتذكير بالحقوق الإنسانية والاجتماعية للعمال، والمطالبة بأجور عادلة، وظروف عمل لائقة، والحق بالتنظيم النقابي. وهو أيضًا يومٌ لتسليط الضوء على مكامن الخلل والإشكاليات المتعلقة بعلاقات العمل، بالإضافة إلى كونه يومًا للتضامن العالمي بين المنتجين بأيديهم وعقولهم في جميع أنحاء العالم.