332 ألف نازح غادروا لبنان حتى اليوم... فما هو العدد المتبقي؟

انضمّ 194 نازحًا سوريًا على الأراضي اللبنانية صباح أمس، إلى نحو 30 ألفًا ممن سبقوهم في مغادرة لبنان، مستفيدين من مبلغ مئة دولار للفرد بالإضافة إلى 600 دولار للعائلة من ضمن برنامج العودة "المنظمة" بدعم من مفوّضية اللاجئين UNHCR ومنظمة الهجرة الدولية IOM. بينما بلغ مجمل عدد النازحين الذين أحصت الـ   UNHCR مغادرتهم الأراضي اللبنانية حتى نهاية شهر تشرين الأول، 332 ألفًا ممن تملك بيانات بأسمائهم. والمتوقع أن يرتفع هذا الرقم حتى نهاية العام الجاري إلى 400 ألف، وفقًا لما أفادت به ممثلة المفوضية في لبنان كارولينا ليندهولم بيلينغ.

ولكن كم هو عدد السوريين الذين لم يغادروا بعد؟

لا إجابة واضحة حتى الآن، سواء من السلطات اللبنانية أم من المفوضية نفسها. ومن يستمع لإجابة وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد خلال مواكبتها ميدانيًا رحلة العودة "المنظمة" السابعة التي انطلقت من زحلة مرورًا بمركز المصنع الحدودي يوم أمس، يستنتج بأن التقديرات لا تزال تسيّر الدولة اللبنانية في هذا الملف. فهي قد اعتمدت على المتداول حول أعداد المسجلين لدى المفوضية والتي تقدر بمليون ونصف نازح. علمًا أن تسجيل النازحين لدى المفوضية كان قد توقف بطلب من السلطات اللبنانية منذ شهر أيار من العام 2015، ولم تفرج المفوضية عن الداتا المتوفرة لديها على الرغم من كل الضغوط التي مورست عليها منذ أكثر من عام. وهناك أعداد كبيرة أيضًا من غير المسجلين لدى المفوضية، ومن الذين دخلوا خلسة الأراضي اللبنانية خلال هذه المرحلة، وبعضهم استفاد من بطاقات دعم حتى من دون أن يكون مسجلًا رسميًا لدى المفوضية.

في المقابل، قدّرت السيد أعداد من دخلوا إلى لبنان إثر سقوط نظام بشار الأسد في موجتين منفصلتين بنحو 90 إلى مئة ألف. بينما تشير التقديرات الميدانية، إلى أن أعداد من هجّروا من 27 قرية بمحاذاة منطقة القصر الحدودية في منطقة الهرمل وحدها، يتخطى المئة ألف، هذا عدا عمّن نزح بعد أحداث السويداء السورية، وغيرهم من مسيحيي سوريا وعلوييها.

هل يخرجون من الباب ليعودوا من الشباك؟

تجنبت السيد الخوض بأرقام دقيقة حول أعداد هؤلاء، ولكنها قالت إن هناك أيضًا "معالجة خاصة لأحوالهم، ستقررها اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة هذا الملف". وعن ماهية هذه المعالجة، وهل هناك إمكانية لعودتهم إلى بلادهم بظل تبدّل النظام؟ قالت السيد "هذا الحديث يطرح بين الدولة اللبنانية والدولة السورية، لإيجاد حلّ مستدام ومشترك للبنان وسوريا".

في الأثناء، بدت السيد مطمئنة إلى أن لا عودة بهذا الملف لزمن خروج النازحين من الباب، أي المعابر الشرعية، ليعودوا من الشباك، أي عبر طرقات التهريب. بل اعتبرت أن ما اختلف "بين الخطة التي نطبّقها وما كان سائدًا في السابق، أنه إذا عاد السوري بطريقة غير شرعية، فهو لن يعاد تسجيله من قبل الـ  UNHCR وبالتأكيد لن يستفيد من أي مساعدة، وسيعتبر كأي شخص دخل لبنان بطريقة غير قانونية وغير شرعية ويعاد ترحيله".

نحو 25 ألفًا يغادرون شهريًا وفقًا لتقديرات الأمن العام؟

في محاولة لمتابعة البحث عن أعداد الذين لم يغادروا لبنان من خلال مفوضية اللاجئين، خصوصًا أن بدء العام الدراسي، بدا منذ إطلاق برنامج العودة الطوعية المنظمة موعدًا مفصليًا بالنسبة لكثير من العائلات التي فقدت مقاعد أبنائها في المدارس الرسمية أو الخاصة نتيجة تقليص المساعدات. ولم تفرج أوساط المفوضية عن رقم أيضًا. وأوضحت مصادرها أن كثيرين يغادرون من خارج هذا البرنامج، وهناك أيضًا من ليس مسجلًا لدى المفوضية، بينما الرقم يتبدّل يوميًا. هذا، في وقت تبدو العودة الطوعية لغير المسجلين لدى المفوضية أكثر نشاطًا من المسجلين. إذ كشف المقدم إيهاب الديراني رئيس مركز الأمن العام في منطقة المصنع الحدودية للسيد، أن هناك نحو 700 إلى ألف شخص يغادرون يوميًا هذه النقطة من خارج برامج الدعم، مقدرًا أعدادهم شهريًا بنحو 25 ألفًا.

فهل تواجه مراكز الأمن العام تحدّيات مرافقة لهذه الزحمة؟

يوضح الديراني أن الأمور تسير وفقًا للمطلوب، والإدارة تزوّدنا بكل المطلوب والمنظمات الدولية أيضًا لا تقصّر. فيما أوضحت السيد أنه بموازاة عمل اللجنة الوزارية، هناك لجنة تقنية منبثقة عنها، وهي تجتمع أسبوعيًا، وتضمّ ممثلي الأمن العام والجيش اللبنانيين ووزارتي الشؤون الاجتماعية والخارجية، وهي على تنسيق تام وترفع أي خلل في عملها إلى اللجنة الوزارية.

الدولة والمفوضية "أحبّا بعضهما" مجدّدًا؟

في الجولة، أشادت السيد بتنسيق الدولة مع نفسها أولًا، ومع المنظمات المانحة ثانيًا. وهذا ما بدا جزءًا من توجيهات أممية، سياسية، وأمنية. وقد هدفت إلى نشر جوّ من الطمأنينة لدى النازحين، بأنهم لن يكونوا ملاحقين بأي مخالفة لفترة إقامتهم في لبنان أو لدخولهم خلسة إليه. وأن كلّ التسهيلات متاحة أمامهم، ليس فقط من خلال توفير وسائل الانتقال إلى جانب مبالغ الدعم المالية، وإنما حتى من خلال تأمين تجهيزات لوجستية بدت بصمة المنظمات المانحة واضحة في توفرها عند نقطة المصنع تحديدًا، حتى من خلال تكفلها تأهيل المراحيض والإنفاق على نظافتها.

استرعى هذا التنسيق بالمقابل، كلامًا جميلًا متبادلًا بين الديراني وممثلة مفوضية اللاجئين التي أكدت أن الهدف المشترك "ليس مجرّد تأمين العودة واجتياز الحدود، وإنما مساعدة الناس الذين قرّروا العودة بعد كل هذه السنوات، لكي يعيدوا بناء حياتهم الجديدة. وبالتالي، فإن التحضيرات المواكبة للعودة، هي لتحصين العائدين بالمستندات والظروف التي تؤمّن الاستدامة".

عودة العمالة متاحة وإنما مع بعض التنظيم

فهل سيسمح لهؤلاء بالعودة إلى لبنان كيد عاملة تشكل حاجة في قطاعات مختلفة ولا سيّما قطاعي البناء والزراعة؟

يوضح الديراني أمام الوزيرة السيد بأن الأولوية حاليًا هي لملف العودة. مشيرًا إلى أن الأمن العام ليس الجهة المخوّلة بتقديم تراخيص العمل بل هي وزارة العمل. بينما توضح السيد بأن "هذا الأمر أيضًا هو قيد بحث كي تكون الاستعانة باليد العاملة بطريقة منظمة".

الأهم أن قافلة العودة لم تنقطع بعد، ومع أن المسجلين للعودة يوم أمس كانوا 241 بينما المغادرون كانوا 194، فإن المرحلة المقبلة ستتضمّن تسيير رحلة كل أسبوع تقريبًا حتى نهاية العام وفقًا لما أكّدته بيلينغ. ليبقى الأهم تطبيق الدولة اللبنانية قراراتها على أرضها، واستعادتها زمام المبادرة بهذا الملف، انطلاقًا من إعداد إحصاء دقيق لمن تعتقد أن طريق عودتهم لن تكون معبّدة مثلما هي الحال لمعارضي نظام الأسد السابق ومؤيّدي النظام الحالي.