6 سنتات أشعلت ثورة 17 تشرين... فهل توقظها زيادات الـ 6 أضعاف على تعرفة الاتصالات؟

ابتداءً من اليوم، سيَخشى اللبنانيون الإمساكَ بهواتفهم، وستصبح هذه الأجهزة الحيوية التي لم يعد باستطاع أي إنسان ولو في أقاصي الأرض الاستغناء عنها، أجهزةً حارقة لاسعة تُلْهِبُ مع كل نقرة على مفاتيحها جيوب أبناء «بلاد الأرز» وربما تعرقل أعمالهم أو حتى حاجاتهم المُلِحّة كالدراسة أو الطبابة.
الأول من يوليو، ومع تَبخُّر أي آمالٍ بإعلانٍ قريب لـ «يا هلا بالحكومة» الجديدة التي أَوْدع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تشكيلتها الأولية لدى الرئيس ميشال عون وسط «دخان أسود» لفّ آفاق السير بها، سيقول الكثير من اللبنانيين «باي باي» للتسلية وللعلاقات الاجتماعية عبر مواقع التواصل، وسيودّعون عادةَ إبداء الرأي في كل شاردة أو واردة، وسيمتنعون عن عرض صورهم وفيديواتهم أو متابعة ومشاهدة ما يبثه العالم من أخبار وصور وآراء وفيديوات... إنه زمن العودة الى الوراء وإلا...
وإلا يصبح على المواطن اللبناني الاختيار بين لقمة الخبز أو «ميغابايت» الإنترنت... فالتعرفة الجديدة للاتصالات التي أقرها مجلس الوزراء في مايو الماضي، بناء على اقتراح وزير الاتصالات جوني القرم، والتي تسري بدءاً من اليوم، حارقة، رغم تغليفها برداء الضرورة. وهي تأتي لتضيف إلى أعباء المواطن الذي بات يواجه ارتفاع تكلفة مختلف الخدمات وغلاء أسعار السلع بشكل يفوق قدرته بأشواط.

الخيار بالنسبة للوزير، كان إما زيادة التعرفة وإما انهيار قطاع الاتصالات وتوقف خدماته. وبين الشرَّيْن اختار القرم ومعه مجلس الوزراء، مجتمعاً رفع التعرفة لإنقاذ القطاع.

وبشّر القرم اللبنانيين قائلاً: «بات بإمكاني أن أتحمّس وأفكر ليس فقط في استمرار الإرسال بل أيضاً تحسينه».

وكان مدير عام «أوجيرو»، حذر في بدايات الانهيار المالي من أن «لبنان قد يصبح قبيلة بدائية خارج تغطية الإنترنت إن استمرت الأمور على حالها»، مؤكداً أن «قطاع الاتصالات مرتبط خارجياً بمورّد يؤمن الربط بالشبكة العنكبوتية ويقدم قطع الغيار وكل المعدات اللازمة لتسيير القطاع، ومحلياً مرتبط بموازنات يقرها مجلس النواب لصالح قطاع الاتصالات وأوجيرو، وبوزارة الاتصالات التي تعيش الأزمة المالية والاقتصادية كما أنه مرتبط بالمحروقات لأنه مضطر أن يكون بديلاً عن شركة الكهرباء عبر تشغيل مولداته الخاصة، ومتى تعثر تمويل هذه الأمور جميعها تعثر معها قطاع الاتصالات وبات مهدداً جدياً».

من هنا، لجأت الحكومة الى آخر الدواء وهو «الكي»، أي الى زيادة في التعرفة يتوقع أن يكتوي اللبنانيون بـ«نارها». فكم بلغت هذه الزيادة؟

أشار القرم إلى أنه تم الاتفاق في ما خص الخلوي على تقسيم السعر إلى ثلاث واحتساب الثلث المتأتي من هذه العملية على تسعيرة منصة صيرفة، على أن تكون هناك رزم خاصة للدفع المسبق بأربع دولارات ونصف وكذلك بـ7 دولارات.

أي بشكل أوضح، إذا كانت فاتورة الخلوي في السابق 90 دولاراً مثلاً وكانت توازي نحو 135000 ليرة على سعر دولار 1500، فإنها اليوم متى قسمت على ثلاثة وتم ضرب الثلث بقيمة دولار صيرفة الذي يبلغ اليوم 25500 ليرة، فإن الفاتورة تصبح 765000، أي أن سعرها تضاعف خمس مرات ونصف المرة. هذا من دون أن ننسى أن سعر صيرفة متحرك يومياً وقد يرتفع بارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

لكن رفع التعرفة سمح للشركات (تاتش وألفا) بتقديم باقات مختلفة الأسعار للمواطنين وعروض متعددة تتيح رفع السرعة مقابل خفض الوحدات أو رفع كمية الميغابيت مع الحفاظ على السرعة نفسها أو عروض وباقات تشجيعية أخرى لكنها تبقى موجعة متى قورنت بالأسعار الماضية.

فسعر أدنى باقة إنترنت أي التي لا تتخطى 500 ميغابيت الذي كان يوازي 10 دولارات أو 15000 ليرة سيصبح بنحو 90000 ليرة أي ست مرات أعلى وهي نسبة مرتفعة جداً ولو ترافقت مع زيادة في السرعة أو كمية الوحدات. فكيف يمكن أن يتحمل المواطن هذا الارتفاع وهو الذي يتحمل منذ بدء الانهيار الكبير زيادة نسبتها 16 ضعفاً في سعر البنزين والمازوت ونحو ست أضعاف في سعر الخبز هذا إن توافر، وارتفاعاً في سعر كيلواط الطاقة في المولدات الخاصة الذي قفز من نحو 700 ليرة للكيلوواط الواحد الى 13500 ليرة؟

مصدر موثوق في «أوجيرو»، وهي الذراع التنفيذية لوزارة الاتصالات وفي اتصال مع «الراي»، أفادنا بأن أسعار الشركات مثل «ألفا» و«تاتش» التي تؤمن الاتصالات الخلوية وخدمة 3G و 4G سترتفع بشكل كبير، كما تم إقرارها في مجلس الوزراء، «أما أسعار أوجيرو بالنسبة لخدمة الواي فاي والهاتف الثابت، فستشهد ارتفاعاً مدروساً جداً لن يكون عبئاً كبيراً على كاهل المواطن».

وأكد المصدر ان «هذا الارتفاع البسيط في التعرفة الذي لن يتجاوز الضعفين لن يقابله رفع لرواتب الموظفين بل سيضمن فقط تحصيل كلفة التشغيل وذلك لتأمين استمرارية خدمات أوجيرو».

ويؤكد أن «هذه الأسعار المدروسة سواء بالنسبة لخدمة الواي فاي أو الهاتف الثابت ستكون الملاذ الآمن للبنانيين، إذ ان المواطن الذي لن يعود قادراً على استخدام هاتفه الجوال بسبب ارتفاع تكلفة الاتصالات الخلوية وخدمة الإنترنت سيكون مضطراً الى خفض استهلاكه والحد من كميات الميغابايت التي يشتريها وسيلجأ الى انترنت البيت أو المكتب عبر الواي فاي ليلبي احتياجاته».

ومن هنا يتوقع زيادة المشتركين في «أوجيرو» وزيادة استهلاك المشتركين القدامى.

لكن المصدر يتابع بأسف، ان «اوجيرو لا يحق لها القيام بعروض وتقديمات كما شركات الخلوي او شركات الإنترنت الخاصة، كما أنه تُرك لها هامش ضيق جداً لرفع أسعارها وهي مضطرة للالتزام بالتسعيرة الثابتة التي يقرها مجلس الوزراء فيما شركات الإنترنت الخاصة غير ملزمة بهذه التسعيرة ويُترك لها هامش معين في تحديد أسعارها ورفعها وإن بشكل بسيط حين ترى ضرورة لذلك».

وبعد... ذات خريف ليس ببعيد (أكتوبر 2019) نزل اللبنانيون إلى الشوارع بالآلاف، يوم قررت الحكومة فرض ضريبة على خدمة «الواتساب» وأخواتها، تقارب 6 سنتات. تحركوا و ثاروا وكان رد فعلهم التلقائي بدايةً لثورة شعبية مدهشة غيّرت وجه لبنان وأيقظت شعبه الذي كان غارقاً في سبات عميق. كافحوا لسنتين في الشوارع ليعودوا ويغرقوا في حالة من الإحباط والذهول العقلي والنفسي بعدما أدمنوا تلقي الصدمات.

ستة سنتات أيقظتهم يوماً وستة أضعاف يبدو أنها غير قادرة اليوم على إخراجهم من حال اليأس والاستسلام التي تقبض عليهم.

وحدها السخرية السوداء باتت ملاذهم وصارتْ النكاتُ حول ثمن التواصل هي فَشَّة خِلْقِهم الوحيدة في زمن الانهيار... انهيار كل شيء.