7 أكتوبر وتحوُّلات حزب الله: يَستشعر كسرَه سياسياً

يعود 7 أكتوبر، في محطته الثالثة، لا تريده إسرائيل أن يكون ذكرى للعملية التي نفذتها حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وإنما تسعى فيه إلى محو "عارها". وهذا ما تعمل لتكريسه بطرح شعار تغيير وجه المنطقة وتوازنتها، بما يتيح لها أن تكون صاحبة النفوذ والدور الأكبر في الشرق الأوسط. لقد واجهت إسرائيل حركة حماس والشعب الفلسطيني ككل في غزة، ولا تزال تواصل حربها وترفض أي وقف نهائي للحرب، وهو ما يتضح من خلال المسار التفاوضي الذي تعتمده وتصر من خلاله على تطبيق المرحلة الأولى وهي إطلاق سراح الأسرى. وأما المرحلة الثانية فتريدها حصراً للبحث بنزع سلاح حركة حماس. ومع لبنان، واجهت إسرائيل حزب الله، وهي تضرب المرتكزات اللبنانية ككل، ولا تتيح النقاش إلا في بند وحيد وهو سحب سلاح الحزب الذي تعمل على وضعه كنقطة تحدٍّ بين الدولة اللبنانية من جهة والحزب من جهة أخرى. 

3 مجموعات داخل الحزب

تأتي ذكرى 7 أوكتوبر، وقد تعرضت فيها المنطقة لمتغيرات جذرية، يبدو حزب الله أكثر المتأثرين بها، وهو الذي يستشعر مواصلة حرب التطويق والتضييق والخنق. وقد شهد الحزب تحولات كبيرة في بنيته، وسط كثرة الأحاديث عن تباينات في الرأي والاختلاف، بينما هناك من يذهب إلى توزيع الحزب على ثلاثة مجموعات: الأولى واقعية وتريد التعاطي مع الواقع القائم والتركيز على العمل السياسي. والثانية، مجموعة رافضة للواقعية بالكامل وتصر على التصعيد ومواصلة بناء القدرات العسكرية استعداداً للمواجهة مع رفض تقديم أي تنازلات في الداخل. وأما المجموعة الثالثة فتضم الذين انفكأوا عن الدور والأداء بفعل الضربات وبفعل الخذلان الذي شعروا به بنتيجة الاختراقات وعمليات الاغتيال التي طاولت الأمين العام السيد حسن نصرالله والأمين العام هاشم صفي الدين والقيادات الأخرى. 

نموذج لبنان يتكرَّر في غزة

نتج عن هذه الحرب كلام كثير حول التباين في الآراء داخل حزب الله. وأخيراً برز موقف الحزب الذي يرحب بما قررته حماس، بعدما كان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قد انتقد الخطة واعتبر أنها تلبي المصالح الإسرائيلية والأميركية. وموقف حزب الله الجديد والمرحّب جاء نتيجة اتصالات حصلت بين الجانبين وشاركت فيها إيران أيضاً. وبحسب المعلومات، أبلغ الحزب حركة حماس أن ما قصده قاسم كان تحذير الحركة من التعرض لخديعة من جهة اسرائيل والولايات المتحدة، قوامها استئناف الحرب بعد تسليم الأسرى. ويعتبر الحزب أن الأهداف الإسرائيلية والأميركية من المعركة لم تتحقق بعد، فيما يبقى تكرار نموذج لبنان في غزة احتمالاً قائماً من خلال إصرار الإسرائيليين على احتلال نقاط ومواقع أساسية، إضافة إلى احتفاظهم لأنفسهم بهامش توجيه الضربات كلما أرادوا. كذلك هناك نقاط أخرى قابلة لتهديد خطة ترامب، ًأبرزها إصرار إسرائيل على عدم قيام حماس بأي دور في مستقبل غزة أو القضية الفلسطينية ككل، إضافة إلى عدم البت بمصير السلاح ومصير قيادات الحركة.

مقاربتان في الشأن السياسي الداخلي

لا بد من تسجيل حصول تباين في الآراء داخل حزب الله وحول كيفية التعاطي مع المرحلة المقبلة، من منظور سياسي، إذ تشير مصادر قريبة من الحزب إلى أن هناك وجهتي نظر داخله: الأولى تشير إلى ضرورة التعاطي بواقعية وعدم الاستمرار بالتصعيد والذهاب للتفاوض والبحث عن تسوية سياسية شاملة يضمن فيها الحزب مكتسابته داخل بنية النظام أو من خلال تطبيق اتفاق الطائف الذي كرر نعيم قاسم الدعوة إلى تطبيقه كاملاً، وما يعنيه ذلك هو تطبيق قانون انتخابي على قاعدة الدوائر الكبرى بدلاً من الدوائر الصغيرة، مثل اعتماد المحافظات الخمس أو الست، إضافة إلى طرح فكرة انشاء مجلس شيوخ وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وبين طرف آخر داخل الحزب يصر على التصعيد وعدم تقديم أي تنازل، بغض النظر عن أي تداعيات أو نتائج.

لاريجاني وقاآني وقاليباف

ومن أبرز الدلائل على التباينات داخل الحزب كان موقف نعيم قاسم الرافض لخطة ترامب، وبعدها البيان الصادر عن الحزب مرحِّباً بما قررته حماس. وهذا ليس التباين الأول، وهو يشكل انعكاساً لتباينات إيرانية بين تصريحات لاريجاني من جهة، وقاليباف من جهة أخرى. فلاريجاني لا يزال يشير إلى صبر حزب الله وحكمته في عدم التصعيد، بينما خرج قاليباف قبل أيام بموقف واضح مفاده أنه لو كان مكان قيادة حزب الله لأطلق الصواريخ على العمق الإسرائيلي. لكن الجديد هو دخول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني على الخط، إذ أشار إلى حكمة حزب الله وتحمله وعدم تنفيذه عمليات ضد إسرائيل رغم قدرته على ذلك. واللافت أكثر هو كلام قاآني عن احترام إيران لما يقرره لبنان وحزب الله واللبنانيون في شأن ملفاتهم. ويبدو هذا الموقف وكأنه يميل إلى جانب لاريجاني، فيما مؤشرات أخرى داخل الحرس الثوري تبدو مع اتجاه التصعيد.

 خسائر سياسية في الداخل

المؤكد أن حزب الله سيبقى في حال مراقبة لكل التطورات، وهو لن يقدم على اعتماد أي خيار أو قرار في هذه المرحلة. لكنه، في المقابل، يعلم حجم الضغط الذي يتعرّض له. وهو يعتبر أن هذا الضغط يتجاوز الجانب العسكري، ليشمل الجوانب السياسية المختلفة، كمثل التضييق عليه مالياً من خلال تطويق القرض الحسن، أو من خلال الإجراءات التي عمّمها وزير العدل على كُتّاب العدل بوقف التعامل مع المصنفين على لوائح الإرهاب الأميركية، وصولاً إلى البحث في سحب رخصة جمعية رسالات، وهذه كلها يضعها الحزب في خانة تضييق الخناق عليه سياسياً، من دون إغفال مسألة خوض انتخابات نيابية شرسة ضده داخل البيئة الشيعية، في محاولة لخرقه شيعياً، وإيقاع خسارة به وبحلفائه على مستوى المجلس النيابي ككل، لتكون خسارته داخلية أيضاً، وليست فقط خارجية، بفعل القوة العسكرية الإسرائيلية.