79% من اللبنانيين يطالبون بحصريّة السلاح بيد الجيش

في لحظةٍ يختلط فيها ضجيج السياسة بخيبات الواقع، يقدّم استطلاع جديد (نُشر في ٤ كانون الاول) لمؤسسة "غالوب" إحدى أهم وأقدم مؤسسات استطلاع الرأي في العالم، والتي تأسست عام 1935 وتشتهر بدقّتها العلمية وحياديتها، صورة واضحة حول موقف اللبنانيين من ملف السلاح وحصريته بيد الدولة.

أُجري الاستطلاع عبر مقابلات مباشرة بين 23 حزيران و16 تموز 2025 على عيّنة تمثيلية من 1,010 من اللبنانيين. والنتيجة الأساسية التي خرج بها تحمل دلالة سياسية واضحة: 79% من اللبنانيين يعتقدون أنّ السلاح يجب أن يكون حصريًا بيد الجيش اللبناني. هذا الرقم، بحدّ ذاته، يعبّر عن رغبة وطنية متزايدة في إنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي وتعدّد القوى التي تحمل السلاح والتي أثقلت الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية لعقود.

وعند قراءة النتائج بحسب الانتماء الطائفي، يتبيّن أن المشهد أكثر تركيبًا لكنه لا ينقض الاتجاه العام. ف"غالوب" تُظهر أن 92% من المسيحيين و89% من الدروز و87% من السنّة يؤيدون حصريّة السلاح بيد الجيش. في المقابل، أبدى 27% فقط من الشيعة تأييدًا للفكرة، مقابل 69% عارضوها. ورغم هذا التفاوت، فإن الخلاصة الكبرى تبقى ثابتة: هناك إجماع وطني واسع يؤكد أن مشروع الدولة لا يمكن أن يستقيم بوجود أكثر من سلاح وأكثر من قرار.

ويُذكر أن الاستطلاع استبعد مناطق تُقدَّر بنحو 10% من السكان، وهي مناطق تخضع لسيطرة أمنية مشددة، لكن هذا الاستبعاد لم يغيّر في اتجاه النتائج، حيث بقيت الأغلبية الساحقة على موقفها الواضح من حصريّة السلاح. وهذا ما يجعل الأرقام مؤشراً ذا دلالة، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار خصوصيات بعض البيئات. واللافت في نتائج "غالوب" أيضًا أنّ 94% من اللبنانيين يثقون بالمؤسسة العسكرية.

كما يُظهر الاستطلاع أن اللبنانيين لا يريدون الانجرار إلى أي صراع إقليمي، إذ يرفض 86% منهم مشاركة لبنان عسكريًا في أي نزاع دعماً لفلسطين، ويعارض 81% تزويد الفصائل بالسلاح. هذه الأرقام تعكس مدى تعب المجتمع اللبناني من الحروب وتجاربها، ورغبته في حماية ما تبقّى من استقرار داخلي ومنع استخدام البلاد كساحة لصراعات الآخرين.

بالنتيجة، يقدّم استطلاع "غالوب" رسالة لا لبس فيها: اللبنانيون يريدون دولة قوية وسلاحًا واحدًا. وهم، مهما اختلفت مواقعهم السياسية والطائفية، يجتمعون على حقيقة بسيطة: أن الأمن لا يبنى إلا عبر المؤسسات الشرعية، وأن مستقبل البلاد يبدأ من إنهاء تعدّد السلاح وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة.

هذا المزاج الشعبي، الذي ترصده مؤسسة عالمية تتمتع بمصداقية عالية، يجب أن يُقرأ بجدية من قبل المسؤولين الأساسيين. فلبنان يقف اليوم أمام فرصة لإعادة بناء عقد وطني جديد ترتكز فيه السيادة والأمن على مؤسسات الدولة وحدها، لا على أي سلطة موازية.