أراد تحدّي الدولة فخدم إسرائيل... هذه خلفيات تخلّي "الحزب" عن عرض العضلات

ظلّ "حزب اللّه" يتحدّى ويرفع السقوف، طوال الفترة الماضية، متحدثًا عن ترميم قدراته العسكرية ومتباهيًا بتعافيه من تداعيات "حرب الإسناد"، وبقي يعتمد هذا الخطاب المكابر حتى تاريخ 26 تشرين الأول الماضي.

تبدّل النبرة

في ذلك اليوم، وفي مقابلة مع قناة "المنار"، تخلّى أمينه العام نعيم قاسم عن هذه اللغة، مفضّلًا مقاربة موضوع السلاح بنوع من الغموض، فقال ردًّا على سؤال عن جهوزية "حزب اللّه": "بصرف النظر عن مستوى التعافي الذي حصل في "حزب اللّه"، نحن مقاومة، ونقول أمام العالم كلّه: نحن كمقاومة جاهزون للدفاع، ولسنا جاهزين لفتح معركة، ولا يوجد لدينا قرار لشن حرب ولا قرار بمبادرة قتال". وأوضح أنه "منذ عام 2006 حتى عام 2023 كان الردع قائمًا على إبراز فائض القوة، وقد أثبتت هذه الطريقة جدواها. أمّا اليوم فلدينا تكتيك مختلف. نحن لا نُظهر فائض قوّة، ولا نمتلك فائض قوة. نعمل بطريقة اعتيادية، ولدينا ما يكفينا من القوة، فلماذا نُظهر أكثر ممّا نملك؟".

ظن البعض حينها أن مسحةَ عقلانية وواقعية لفحت قاسم وحلّت عليه، لكن الحقيقة وفق ما تكشف مصادر سياسية مطلعة لـ "نداء الوطن"، أن هذا التراجع أتى بناء على نصيحة وصلته من رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن بعض الوسطاء العرب وعلى رأسهم مصر، بضرورة الإقلاع عن سياسة "عرض العضلات" لأنها تخدم إسرائيل وتقدّم لها الذريعة التي تبحث عنها لاستئناف الحرب على "الحزب" من جديد.

منذ ذلك اليوم، تضيف المصادر، غابت مسألة استعادة القوّة والتعافي، في شكل شبه تام، عن أدبيات "الحزب" وكلمات مسؤوليه. لكن بعد ماذا؟

سوء تقدير

والحال أن "حزب اللّه"، أراد من تأكيد نفض نتائج الحرب عنه، أولًا رفعَ معنويات شارعه وبيئته، وثانيًا والأهم، توجيهَ رسائل تحدّ إلى الدولة اللبنانية أنه "إذا كنت تظنين أنك ستنزعين سلاحنا، فها نحن نراكمه ونضاعفه"، ولم يكن مهتمًا كثيرًا بوقع هذا الكلام على الدولة العبرية.

غير أن سوء تقديره الأمور، جعل خطابه هذا، يرتدّ عليه اليوم ويضع رأسه من جديد تحت المقصلة الإسرائيلية. وها هو يضطرّ إلى خفض سقفه والتلطّي خلف الدولة وخلف الرئيس بري لحماية نفسه من ضربة إسرائيلية يكثر الحديث عنها، سببها الأول "إعادة الحزب بناء ترسانته"، وقد ارتضى "الحزب"، رغم مكابرته في الإعلام، خيار التفاوض مع إسرائيل لإبعاد كأس تجدّد الحرب عنه.

السحر انقلب على الساحر

إذًا، انقلب السحر  على الساحر، تتابع المصادر، وبسبب عنجهية "الحزب" الذي رفض تطبيق قرارات 5 و 7 آب الحكومية واتفاق 27 تشرين، معتبرًا أن الالتزام بها يكون فقط بعدم مهاجمة إسرائيل لا بتفكيك بنيته العسكرية أيضًا، قد يدفع ثمنها اليوم غاليًا ومعه لبنان بأكمله. وعليه والدولة أن يدركا، وفق المصادر، أن إبداء الاستعداد للتفاوض لن يكون كافيًا لتفادي الحرب، ما لم يُصَر إلى إنهاء الجناح العسكري لـ "حزب اللّه". فهل تتجرّأ الدولة على تنفيذ خطتها قبل خراب البصرة؟ أو هل يبادر "الحزب" ويسلّم السلاح طوعًا ويحمي ناسه أولًا من موجة تهجير ودمار وخراب جديدة؟