أرقام صادمة لضحايا السّير والطرقات في لبنان

45 قتيلًا، و263 جريحًا، هم حصيلة حوادث السّير في لبنان، في شهر آب الفائت فقط. ولما كانت هذه الإحصاءات تُنذر، في بلد ضئيل الحجم مثل لبنان، بأزمةٍ تتعدى ارتباطها بسوء التّنظيم والانتظام العام، لتتحول إلى طاقة هدرٍ موصولة لأرواح المواطنين.

تتناسل الأسباب لتفاقم هذه الظاهرة، التّي صارت حدثًا يوميًا، متصلاً بحوادثٍ سبقته وأخرى ستلحقه حتمًا، ولم تعالج جذورها وأسبابها قط، لا معالجة أمنيّة ولا لوجيستيّة أو بلدية جديّة، على امتداد الطرقات اللبنانيّة الرديئة التّي تغيب عنها الصيانة ويجتاحها التّفلت.

أرقام صادمة
لحظ مركز الدوليّة للمعلومات ارتفاعًا مُطردًا في معدلات حوادث السّير اليوميّة، لهذا العام مقارنةً بالسّنة الماضيّة (نهاية آب 2022، 1482 حادث سير)، إذ سُجل حتّى نهاية آب 2023، ما يُناهز 1507 حوادث سير في مختلف المناطق اللّبنانيّة، راح ضحيتها قتلى وجرحى. وكانت قد ارتفعت حصيلة الحوادث في النصف الأول للعام من 916 (2022) إلى 1099 حادثاً (بنهاية النصف الأول من 2023)، أي بزيادة 26 بالمئة من حيث عدد الحوادث، فيما ارتفع عدد القتلى من 129 قتيل إلى 199 قتيل، أي بزيادة 54 بالمئة، إنّما أعداد الجرحى ارتفعت من 1003 جرحى إلى 1230 جريح، أي بارتفاع 22.6 بالمئة.
وبالطبع، هذه الأرقام لا تشمل الحوادث الطفيفة.

ويعزو الخبير الإحصائي في الدوليّة للمعلومات، محمد شمس الدين، هذا التفاقم، إلى ارتباطه مباشرةً بعوامل عدّة، أبرزها، سوء حالة الطرق في لبنان وهو العامل الرئيسي الذي يسهم في وقوع الحوادث المرورية. وإلى جانب ذلك، فإن عدم وجود رقابة كافية على المركبات، خصوصًا تلك التي لا تلتزم بالمعايير اللازمة للقيادة على الطرق العامة، يمكن أن يؤدي أيضًا إلى زيادة حوادث السير. ولاحظنا أن هناك أيضًا نقصًا في رقابة السّلطات الأمنية، حيث يوجد بعض المواطنين الذين يقودون تحت تأثير الكحول، والمخدرات.

طرق رديئة
تظهر المناظر الشائعة اليومية لشبكة الطرق القديمة والرديئة في لبنان، والتّي تفتقر إلى القدرة على استيعاب الزيادة المستمرة في حركة السّير وتشوهاتها.. من حُفر وطُرق غير مُعبدة، أو مطبات ضخمة. ولما كانت شبكة الطرق القديمة في يوم من الأيام قادرة على ضمان السّلامة والتسهيلات لحركة السير والتّكيف معها، إلا أنها لم تعد تلبي متطلبات الواقع الحالي الناتج عن النمو السّكاني المتزايد، وتكاثر المناطق السّكنية الكثيفة في ضواحي المدن والعاصمة بيروت، ذلك وناهيك عن الزيادة المُستجدّة والكبيرة في أعداد السّيارات.

أما ضعف البنيّة التّحتيّة للنقل، وخصوصًا في بيروت، والتّي تعاني من التّدهور والإهمال الطويل الأمدّ، وغياب الصيانة الدوريّة للجسور والطرق، المؤديّة بصورة أساسيّة، حسب ما يُشير مراقبون، إلى حالة الازدحام المروريّ المزمنة، وحوادث السّير طبعًا.

ويبدو أن هناك نوعاً من التّشتت الرسميّ في هذا السّياق. إذ أن البلديات ووزارة الأشغال، يرمون المسؤوليّة على بعضهما البعض، لدى كل حادث سير أو كل ما يتصلّ بأوضاع الطرقات الرديئة، والتّي تنتشر فيها التعديات، أكان العمرانيّة، أو السّرقات للأملاك العامة، كأغطية الصرف الصحيّ (التّي تسببت بمقتل عشرات الشباب، والتّي تعثرت درجاتهم الناريّة فيها)، وغياب الإنارة ليلًا أكان في الأنفاق والجسور والطرقات المُعتمة كالأحياء الشعبيّة أو الأزقة، ذلك وناهيك عن الغياب شبه الكامل لإشارات المرور (إلا ما خلا بعض الشوارع في بيروت) والتعديات على أرصفة المشاة. 

أزمة السّير
يُسجل لبنان واحداً من أعلى نسب السّيارات للفرد في العالم (امتلاك المركبات)، وقد يُعزى هذا لعاملين، الأول يرتبط بالوجاهة الاجتماعيّة، وثانيًا إلى النقص الحادّ في الخدمات العامة، وانعدام الثقة فيها، مما يجعل السيارة الوسيلة الأساسية للتنقل، وهذا بدوره يرتبط بقلّة الإنفاق على النقل العام، ما يضطر غالبية الشباب الجامعيّ أو العامل في قطاع الخدمات أو القاطن في المدن المزدحمة مروريًا، إلى شراء الدراجات الناريّة (وغالبًا غير المرخصة) من دون مراعاة شروط السّلامة العامة، كارتداء الخوذ وغيرها.

فيما أدّت أزمة الفساد في "النافعة" وتوقف أعمالها في تسجيل السّيارات ورسوم الميكانيك، وتوقف أعمال الجبايّة وما يترتب عن ذلك، مضافًا، إلى توقف أعمال هيئة السّير المتعاقدة مع شركات لإنجاز رخص القيادة.. إلى المزيد من الفوضى. وهنا يُشير مصدر رسميّ في قوى الأمن الداخلي، لكون هذين العاملين هما الأساس في تفاقم الأزمة وارتباطها بالشلّل الاقتصادي والإداري الحاليين. فيما يعتبر المصدر أن أزمة العناصر الأمنية المعيشيّة وما يرتبط بها من تداعيات، قد أسهمت في الواقع الحاليّ. وخصوصًا في تعثر إمكانية تسيير دوريات على مدار السّاعة، لتعطل الآليات.

وبالحديث عن أزمة قوى الأمن، يشير المصدر الأمني لكون أزمة المحروقات فضلاً عن الأزمة المالية التّي لحقت بميزانية المؤسسة، والتّي يتغاضى المسؤولون عن إيجاد حلول لها، تجعل قوى الأمن الداخلي كبش محرقة لفساد السّلطات، وغيرها من الأزمات البنيوية، أدت طرديًا لولادة هذا الجو من البيروقراطية المشلولة. غير أن قوى الأمن الداخلي تحاول جاهدة أداء مهامها بعناصر متعبة وآليات تحتاج لصيانة ومحروقات، ومراكز معتمة.

أما بالنظر للعامل البشريّ المؤدي لحالة الفوضى المروريّة، فإن أخلاقيات سائقي لبنان بشكلٍ عام، تدّل على مستوى الانحدار المستمر في مدى احترام الأفراد لقانون السّير، وتفشي النزعة الفوضوية لتجاوز القانون وازدراء قيم الانتظام العام.