أرقام متفائلة جداً عن إيرادات السياحة صيفاً وشتاءً... فمن أين؟

كتبت سلوى بعلبكي في النهار: 

لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي تُعدّ فيه الأرقام وجهة نظر. الدين العام وجهة نظر، الخسائر المصرفية وجهة نظر، الهندسات المالية وجهة نظر، الاستيراد والتصدير وجهة نظر، سعر الصرف وجهة نظر... إلا السياسة فهي وجهة مصالح.

في سياق تسويق "النجاحات" الوزارية والحكومية، أعلن وزير السياحة أن أكثر من 6 مليارات دولارات ضخها القطاع السياحي في شرايين الاقتصاد خلال موسم سياحة صيف 2022 الذي أطلقته وزارته تحت شعار "أهلا بهالطلة". وبعيداً عما إن كان من واجب اللبنانيين أن يهنئوا حكومتهم على إعادة الحياة الى الاقتصاد والتوازن الى ميزان المدفوعات من خلال هذه المليارات، يبقى سؤال عفوي وساذج: من أين أتى وزير السياحة بهذه الأرقام؟ ومن رحم أي مركز دراسات وُلدت، وبناءً على أي إحصاءات رسمية استند؟ فلبنان الذي يعوم منذ بداية الانهيار وتفاقم الأزمة على اقتصاد الكاش، لم تعد مصارفه أكثر من صراف آلي، وتالياً فإنها لا تستطيع أن تحصي وتدقق وتستنج أي أرقام وإحصاءات، حتى إنها لا تستطيع بناء رسم بياني لحركة الاقتصاد أو أي من قطاعاته.

صحيح أن لبنان، بالرغم من أزماته المستعصية ومشاكله الاقتصادية وانهيار بنيته التحتية، لما يزل قادراً على اجتذاب مئات ألوف اللبنانيين والسيّاح بسبب طبيعة ونمط الحياة فيه والبيئة السياحية النشطة، على الدوام، لكن مبلغ الستة مليارات دولار الذي أعلنه وزير السياحة، يحتاج علمياً، إذا افترضنا حسن النية وقدرة السياح الإنفاقية المرتفعة، الى ما لا يقل عن 3 ملايين سائح، فهل وفد هذا الرقم صيفاً إلينا؟ وفي هذا الإطار، يؤكد الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن الأرقام التي أعلنها وزير السياحة عن الوافدين الى لبنان من سيّاح ومغتربين مبالغ فيها جداً، وقد استند فيها الى عدد الوافدين الى مطار بيروت عموماً، وقدّر شمس الدين الأعداد بنحو 546 ألفاً خلال أشهر تموز وآب وأيلول بإنفاق لم يتجاوز 550 مليون دولار.

ولكن بعيداً عن الأرقام المتفائلة والمبالغ فيها جداً وفق أكثر من مصدر مطلع، الحق يقال إن حملة "أهلا بهالطلة" بالرغم من ضآلة الموارد وغرق البلاد في عتمة الكهرباء والقيود السياسية والمشاكل، نجحت نسبياً في كسر الجمود الاقتصادي. وكان مقدّراً لها أن تستمر فترة أطول وأن تعود بمردود أكبر على السياحة والاقتصاد، بيد أن الحجوزات الكبيرة من الدول العربية اتجهت هذه الفترة بصورة استثنائية نحو قطر ومونديالها الناجح الذي اقتطع قسماً كبيراً من كعكة الموسم السياحي، على أمل أن لا ينعكس أيضاً على الموسم المقبل "عيدها عالشتوية" خصوصاً أن السيّاح أنفقوا الكثير من الأموال في قطر، وتالياً ثمة خشية من أن يفرملوا إنفاقهم خلال الفترة المقبلة. وعلى الرغم من كل ذلك، يبقى التعويل على نجاحٍ وإن مقبولاً لـ"عيدها عالشتوية" إذا ما توافر لها أمران خارجان عن إرادة الوزارة: الأول هبوط الجنرال الأبيض باكراً على الجبال وافتتاح مواسم التزلج، والثاني استقرار سياسي وأمني و"دولاري" يمنح السيّاح والوافدين بعضاً من الاطمئنان النفسي طيلة فترة إقامتهم.

إذن، بعد حملتها الصيفية التي أطلقت عليها عنوان "أهلا بهالطلة"، تحشد وزارة السياحة لموسم الشتاء تحت شعار "عيدها عالشتوية" والتي ستستمر حتى شهر آذار المقبل بغية استقطاب أكبر عدد من المغتربين اللبنانيين والسياح العرب والأجانب، لعلها تدرّ على الخزينة مدخولاً مشابهاً لمدخول "أهلا بهالطلة" التي قيل إنها درّت بين 4 و6 مليارات دولار. المؤشرات التي تستند إليها وزارة السياحة من شركات السياحة والسفر والفنادق وبيوت الضيافة تفيد أن الحجوزات خلال شهري الأعياد تناهز 600 ألف سائح بمدخول قد يصل الى ملياري دولار.

وإن كان البعض يستبعد أن يكون القطاع السياحي درّ على لبنان نحو 6 مليارات دولار في فترة الصيف خصوصاً أن هذه النسب والأرقام تحدّدها أرقام ميزان المدفوعات التي تصدر عن دائرة الإحصاء في مصرف لبنان (لم تصدر بعد)، يوضح وزير السياحة أن مبلغ 6.4 مليارات دولار الذي دخل لبنان في موسم الصيف، خرج منه نحو مليارين ونصف مليار دولار فيما بقيت 4 مليارات ونصف مليار دولار نقداً. أمّا عدد الوافدين خلال أشهر الصيف الثلاثة فقدّرهم بنحو مليون و720 ألف وافد، على أن يستقطب لبنان خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول، نحو حدود نصف مليون وافد، بإيرادات تراوح بين مليار وملياري دولار.

ولكن نقيب أصحاب المؤسسات السياحية بيار الأشقر الذي لم يشأ أن يشكك في الارقام التي أوردها وزير السياحة والتي جاءت متفائلة جداً، حسم أن هذه الأرقام هي للبنانيين مغتربين يعملون في الخليج وأفريقيا، وهؤلاء يحرصون على زيارة أهلهم في فترة الاعياد، أما الأردنيون والعراقيون والمصريون فقد "اعتدنا زيارتهم في الأعوام الاخيرة بأعداد كبيرة، فيما عدد الأجانب قليل جداً ويكاد لا يُذكر". فلبنان برأي الأشقر "لم يعد موجوداً على الخريطة السياحية بسبب المقاطعة الخليجية ومنع السعودية والإمارات مواطنيهما من زيارة لبنان، فيما عمّمت الدول الغربية والأوروبية على مواطنيها تحذيرات من زيارة لبنان على خلفية الأوضاع السائدة فيه أمنياً وسياسياً".

أمّا عن نسبة التشغيل في بيروت فيقدّرها الاشقر بين 65% و70% في فترة الاعياد التي لا تتجاوز 10 أيام، لافتاً الى أن "90% من اللبنانيين يقضون ليلة عيد الميلاد في منازلهم مع عائلاتهم والاصدقاء"، فيما تغيب الحفلات الكبرى عن فنادق لبنان في فترة رأس السنة حيث يحيي الفنانون اللبنانيون هذه الليلة في الدول العربية والخليجية. أما مناطق التزلج فهي تستقطب فترة الميلاد ورأس السنة، لافتاً الى أن "التعويل على موسم التزلج الذي يمكن أن ينعش الفنادق والشاليهات في مناطق معيّنة حيث يمكن أن يمكث بعض السيّاح والزائرين اللبنانيين أياماً عدة".

هذا بالنسبة لفترة الأعياد، أما بالنسبة لنسبة التشغيل في الفترة الحالية، فيشير الأشقر الى أنها تراوح بين 35 و45% في نطاق مدينة بيروت، فيما تعمل الفنادق خارجها بنسب تشغيل تصل الى ما بين 10 و15% وثمة فنادق في بعض المناطق الساحلية تصل نسبة التشغيل فيها الى ما بين 20 و25%. ويلفت الى أن الكثير من الفنادق أقفلت أبوابها من دون أن يعلن أصحابها عن ذلك حتى لا يخسروا زبائنهم، ولأنه إذا قرروا إعادة تشغيلها فإنهم سيتكلفون الإعلان عن إعادة الافتتاح، أما المؤسسات التي لا تزال تعمل فهي عائلية بحت حتى بإداراتها.

الى ذلك يشير الأشقر الى أن الحديث اليوم هو عن عدد الطائرات التي تصل الى لبنان ممتلئة، ولكن يغيب عن بال هؤلاء أن الطائرات التي تغادر ممتلئة أيضاً باللبنانيين الذين سيقضون فترة الأعياد في الخارج.

على صعيد الشقق المفروشة، يشير نقيبها زياد اللبان، الى أن نسبة الحجوزات في الشقق المفروشة لا تتعدّى 20% في فترة الأعياد، وهذه الحجوزات تعود للعائلات اللبنانية من المغتربين، فيما غابت هذه السنة الحجوزات من الدول العربية، عازياً السبب الى "المونديال" في قطر الذي استقطب الكثير من العرب الذين اعتادوا زيارة لبنان في هذه الفترة. ونقل شكوى أصحاب الشقق المفروشة الذين بالكاد يستطيعون تأمين رواتب موظفيهم نظراً الى التكاليف التي يتكبّدونها على فواتير المياه والكهرباء والمولدات، آملاً أن تستقر الأوضاع الأمنية والسياسية حتى يستطيع هؤلاء تعويض ما فاتهم من أرباح.