المصدر: تروث ترند
الكاتب: مارك عون
الخميس 12 حزيران 2025 20:01:52
رئيسان أميركيان، ونهجان متضادان تمامًا. لكن النتيجة واحدة: فشل مستمر.
لم يكن نهج إدارتَي أوباما وترامب أكثر تباينًا في التعامل مع طموحات إيران النووية، ومع ذلك، تواصل طهران تطوير ترسانتها الذرية، بينما تدور واشنطن في حلقة مفرغة من الاستراتيجيات غير المجدية.
أين نقف الآن؟
وصل البرنامج النووي الإيراني إلى مستويات تنذر بالخطر. فبحسب تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست في 31 أيار/مايو 2025، فإن إيران راكمت نحو 900 رطل (نحو 400 كغ) من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، وهي نسبة تسبق مباشرة النسبة المطلوبة لصناعة السلاح النووي (90٪).
وجاء في التقرير، وفق مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها: “منذ التقييم الأخير للوكالة في شباط/فبراير، أنتجت إيران ما يقارب 300 رطل إضافي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، ما يرفع إجمالي مخزونها إلى حوالي 900 رطل، وهو ما يكفي لإنتاج تسعة رؤوس نووية، إذا قررت اتخاذ الخطوة النهائية”.
رهان أوباما على الدبلوماسية (2009–2016)
آمن الرئيس باراك أوباما بقوة الإجماع الدولي. أمضت إدارته سنوات في بناء تحالف يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، بهدف الضغط على إيران بالعقوبات مع الحفاظ على مسار التفاوض مفتوحًا.
وقد أثمر هذا النهج عن اتفاق نووي تاريخي عام 2015، خفّض مخزون إيران من اليورانيوم بنسبة 98٪، ومدد الفترة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية إلى عام كامل. كما حصل المفتشون الدوليون على وصول غير مسبوق إلى المنشآت النووية الإيرانية.
لكن الاتفاق لم يصمد. لم يحظَ بدعم الجمهوريين في الكونغرس، وتجاهل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودور طهران الإقليمي المزعزع. وعندما فاز دونالد ترامب في انتخابات 2016، بدأ العد التنازلي لانهيار الاتفاق.
تجربة “الضغط الأقصى” مع ترامب
تبنى ترامب نهجًا معاكسًا كليًا: التخلي عن الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وفرض عقوبات ساحقة لإجبار إيران على الرضوخ. في عام 2018، انسحب من الاتفاق النووي، وبدأ حملة “الضغط الأقصى”.
واليوم، في ولايته الثانية، لا يزال ترامب متمسكًا بشروط صارمة: يجب على إيران وقف كل أنشطة التخصيب، ونقل مخزونها الحالي إلى الخارج. لا استثناءات. وكما قال صراحة: إما اتفاق وفق شروطه، أو مواجهة عسكرية.
لكن المشكلة أن إيران لم تتراجع.
رد إيران: تحدٍّ وتقدّم
ردّ المسؤولون الإيرانيون بعناد. وصف دبلوماسي إيراني العرض الأميركي الحالي بأنه “مرفوض من أساسه”، بينما أكد الرئيس مسعود بيزشكيان أن بلاده “لن تتخلى بأي شكل من الأشكال عن حقوقها النووية”.
هذا التحدي يعكس حسابات استراتيجية أعمق. فمع تراجع فعالية شبكتها الإقليمية من الحلفاء—من حماس المنهكة في غزة، إلى حزب الله الضعيف في لبنان، والنظام السوري المترنح—تعتبر طهران أن برنامجها النووي هو خط الدفاع الأخير في مواجهة التفوق العسكري الإسرائيلي.
وتشير أفعال إيران إلى أن برنامجها لم يعد ورقة تفاوض، بل خيار استراتيجي. فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق، خرقت إيران كل القيود الأساسية. وكشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرًا أن إيران أجرت أنشطة نووية سرية في ثلاث مواقع غير معلنة، يُشتبه في ارتباطها بأبحاث تسلحية تعود إلى مطلع الألفية.
العد التنازلي نحو أزمة
ما يجعل المرحلة الحالية شديدة الخطورة هو ضيق هامش الوقت أمام الحلول الدبلوماسية.
في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2025، يفقد المجتمع الدولي آليته التلقائية لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. وقد حذّرت طهران من أنها ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا تم تفعيل آلية “سناب باك”.
في الوقت نفسه، تُعقّد التوترات الإقليمية المشهد. السعودية تحث طهران على قبول عرض ترامب لتفادي حرب مع إسرائيل، بينما ترى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التقدم النووي الإيراني يشكل تهديدًا وجوديًا يتطلب رداً عسكريًا محتملاً.
أخطاء النهجين الأميركيين
نجحت دبلوماسية أوباما مؤقتًا، لكنها لم تصمد أمام التحولات السياسية الداخلية. أما حملة ترامب فقد شددت العقوبات، لكنها سرّعت أيضًا وتيرة التقدم النووي الإيراني.
كلا النهجين فشلا في تقدير مدى تمسك إيران ببرنامجها النووي، الذي تعتبره مسألة سيادة وطنية وردع استراتيجي، لا مجرد أداة تفاوض.
والواقع التقني تغيّر بشكل جذري. فقد راكمت إيران معرفة وبنية تحتية نووية تجعل من المستحيل العودة إلى اتفاق يشترط مهلة عام واحد للوصول إلى السلاح. اليوم، يمكن لطهران أن تقترب من القنبلة في وقت أسرع بكثير.
المشهد الدبلوماسي الحالي
تتوسط سلطنة عمان محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران، لكن الخلافات الجوهرية لا تزال قائمة. تطالب إيران بالاعتراف بحقها في التخصيب ورفع فوري للعقوبات، بينما تصر واشنطن على وقف كامل للتخصيب وتقديم المزايا تدريجيًا.
هذه ليست خلافات تقنية، بل رؤيتان متعارضتان لدور إيران في الشرق الأوسط والنظام النووي العالمي.
ومع اقتراب موعد تشرين الأول/أكتوبر، تضيق النافذة المتاحة للتوصل إلى تسوية شاملة كما حدث في اتفاق 2015. لكن الواقع الجديد لبرنامج إيران النووي يجعل المخاطر أعلى من أي وقت مضى.