أطفال ومسبح... ورشوة بطيخ!

بالأمس عاينت الرشوة بالعين المجرّدة. لم أكن بحاجة لأجهزة أمنية ولا قضائية. لم أستعن بضابطة عدلية، او تفتيش مركزي او ديوان محاسبة، او مسارات قضائية. فخلال ثوان، اكتملت المسؤوليات أمامي، بين المرتكب والمتواطىء والمسهّل، وأصدرت الحكم.

 

ففي عطلة عيد الأضحى، وخلال تمضية بضع ساعات في أحد المنتجعات البحرية، كان عدد من الأطفال يسبحون ليلاّ. وبما أن تواجدهم في بركة السباحة، تجاوز التوقيت المعمول به في المنتجع، طلب منهم الـ maître nageur المغادرة. لكن والد الأطفال، الذي كان جالساً في الشاليه المطل على المسبح، سارع الى مناداته، ودعوته لتناول بعض البطيخ والفواكه. لم اسمع الحديث الدائر بينهما من المكان الذي كنت فيه، لكنني سمعت احد الأطفال يقول لصديقه "خلص ما تطلع من البيسين... البابا عطاه بطيخ... خليك ما رح يقلنا شي".
هي عبارة مضحكة مبكية، تظهر أن هذا الطفل اعتاد على الاعتماد على رشوة الوالد لتحقيق ما يريد، كما أن الوالد اعتاد على الرشوة، كنفوذ يمكّنه من تأمين ما يريد. 
قد يرى البعض هذا المشهد سخيفاً. ويقد يقول آخرون "منيح... كلّها حز بطيخ... ولاد بدن يلعبوا". لكنه مثال مؤسف على ما يحصل عندنا، وعلى الرسالة التي يتناقلها الآباء لأبنائهم، والأمهات لبناتهم... "وبلد بدو يظبط". فبينما الجميع يتحدّث عن مكافحة الفساد وضبط الهدر والمليارات الضائعة في مغارة علي بابا اللبنانية، فإن الفساد عندنا يبدأ بحز بطيخ، وسيجارة...

 

الأكيد أن الرشوة عندنا ثقافة. واقتلاعها من جذورها لا يبدأ بالقوانين والتشريعات والقرارات والإجراءات الرسمية، إنما في المنازل. فوحدها التربية على اللارشوة، يمكن أن توصل الى مجتمع خال منها. والاّ... فالج لا تعالج!