أكثر من 15 ألف مبنى قديم مهدّد.. من المسؤول وماذا عن الصيانة؟

نجا سكان بناء صحراء الشويفات من كارثة بتنبّههم من إخلائه الى الشارع قبل دقائق من انهياره في مشهد بدا كالأفلام الكرتونية لدى تداعي البناء. وطاول انهياره جزءاً من بناء مجاور، هذا المبنى القديم الذي جرى تشييده في أواسط تسعينيات القرن الماضي من دون الاستحصال على ترخيص، ويتعذر تسجيل بيعه شققاً لكونه بناءً غير مرخص، بحسب مصادر قضائية. ويسكن في شققه لبنانيون وسوريون وحتى الآن لم يتقدم أي من قاطنيه بشكوى أمام القضاء، وثمه اتجاه الى استدعاء المتعهد من النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان حيث تشرف القاضية غادة عون على التحقيق الذي بوشر.


وقع الضرر في حالة هذا البناء. فقاطنوه باتوا بلا سقف في ظروف اقتصادية صعبة، ولا يمكن تعميم حالة سقوطه على سائر الحالات فلكل منها حالة خاصة تجري معالجتها قانوناً وفقاً لمعطياتها. في العادة يُفترض إبلاغ القضاء بوضع المبنى الذي يشكل خطراً على سكانه عند رؤية أي تصدع أو تشقق في حيطانه وأعمدته. ويُعدّ هذا العامل مؤشراً خطيراً وإيذاناً بالأسوأ لذا يتخذ القضاء إجراءً فورياً بإخلائه بإشارة من النيابة العامة العامة الاستئنافية التي تلجأ الى تكليف المالك أو المالكين بترميمه بعد كشف الخبير في الهندسة على التصدعات. وسبق أن أخليت أبنية عدة بقصد الترميم وبأمر من النيابات العامة الاستئنافية ومعالجة كل حالة بحالتها من القضاء.


أما وقد انهار البناء كلياً فثمة مسؤولية قد يرتبها القضاء المدني نظراً الى قدم البناء ولعدم تبليغه مسبقاً بوجود تصدع لمعالجته، إن وُجد قبل فترة من انهياره. وثمة عوامل تؤخذ في الاعتبار سواء مرور الزمن على البناء أو آثار الهزات الارضية والانفجارات الكبيرة كانفجار المرفأ يحدّدها الخبراء في تقاريرهم لتأخذ الدعوى المجرى الطبيعي من القضاء المدني تمهيداً لتحديد المسؤولية التقصيرية إذا توفرت شروطها. مع الاشارة الى وجود آلاف الابنية القديمة في لبنان التي تقارب أعمارها هذه المدة وأكثر. ويُفترض إخضاعها لكشف فني من خبراء في الهندسة لمداواة التصدعات وتدعيم البناء وطمأنة قاطنيه عبر إنذار الأجهزة المختصة بلدياً وقضائياً بالخلل لتقرير المقتضى. ومن الطبيعي أن تترتب مسؤولية جزائية عند انهيار بناء حديث بعد أعوام قليلة على تشييده أو ما زال قيد الإنشاء. ويواجه المدعى عليه أياً كانت صفته عقوبة الحبس حتى ستة أشهر وإلزامه من المحكمة الجزائية بتعويض المادي لغش في مواد البناء من المالك أو متعهد التنفيذ المعرّض بدوره للملاحقة، كحال حصول حادث سيارة مؤجرة تؤدّي الى وفاة ويحبس السائق أو عدم وجود تحذير مسبق من القاطنين في البناء عند ملاحظة آثار يمكن أن تؤدي مستقبلاً الى الانهيار من دون الإبلاغ عنه أو عدم التجاوب بتسوية الخلل وإهماله لتكون صورة المسؤولية عند تحديدها في كل الاحوال إما مشتركة أو فردية. وتشمل تلك المشتركة إهمال مراقبة البلديات تنفيذ الانذارات الموجهة من القضاء لرأب التصدعات تحوطاً لوقف الضرر ومعالجته لئلا تقع المصيبة. وفي الواقع يغدو التحرك التلقائي من الدولة شبه مستحيل وغير قابل للتحقق بالدوار على آلاف الأبنية القديمة أو حتى الحديثة لأن التحوط بمعالجة الإهمال من المالك أو المالكين أو القاطنين في البناء على السواء.


في آب الماضي انهار مبنى في المنصورية من خمس طبقات مشيّد ضمن مجمع منذ عام 1990 وأدّى إلى سقوط ثماني ضحايا ولا تزال التحقيقات فيه في طور النيابة العامة الاستئنافية. وتقول مصادر قضائية إن الابلاغ المبكر للقضاء يعد الوسيلة الأنجع. وقد أصدرت النيابات العامة الاستئنافية إشارات عدة بناءً على طلبات وردتها عبر البلديات أو قاطنين وسُوّيت أحوالها.

سبق للقضاء أن شهد منذ ستينيات القرن الماضي دعاوى تحديد المسؤولية في حالات مختلفة من تصدع أو انهيار جزء من بناء. وفصلت محكمة التمييز المدنية في قرارات عدة في مسألة توزيع المسؤوليات على المالك عن الضرر الناجم عن الانهيار في بنائه عندما يكون سبب الحادث نقصاً في صيانة البناء أو عيباً في بنيانه أو قدماً في عهده وتكون مسؤوليته مبنية على قرينة الخطأ في البناء الى أن يثبت العكس لحصول الانهيار بقوة قاهرة أو خطأ المتضرر أو فعل الغير. وتختلف معطيات كل ملف عن غيره وكذلك لجهة مدى أخذ معايير في الاعتبار تمهيداً لتحديد المسؤولية على المالك إذا حصل الانهيار نتيجة إهمال أو تقصير في صيانتة المبنى أو إصلاحه مثلما تطال المسؤولية المقاول أو المهندس إن نتج الانهيار من خطأ في التنفيذ أو التصميم. وكذلك يمكن أن تقع المسؤولية لخطأ في إصدار تراخيص البناء أو الاشراف على أعمال البناء لتطاول العقوبات الجزائية أياً منهم بتحديد المسؤولية عن الضرر والخطأ في انهيار بناء شُيّد حديثاً خلال خمسة أعوام في تقدير قضائي أمام القضاء الجزائي، بخلاف البناء القديم حيث يحدد القضاء المدني المسؤولية في الغالب ولاعتبار عدم إمكان إثبات عامل الغش في مواد البناء بمرور الزمن. وفي النتيجة يبقى تحديد المسؤول عن طبيعة الضرر من القضاء انطلاقاً من واقعة الانهيار الكلي أو الجزئي للبناء وعمره الحديث أو القديم.

ولا بد من مسح شامل للأبنية القديمة لترميمها قبل وقوع المحظور. وهو ما تنادي نقابه المالكين به. وقد حمّلت النقابة، في بيان لها الأحد، "الدولة وحكومة تصريف الاعمال برئاسة نجيب ميقاتي مسؤولية انهيار مبنى الشويفات وأي انهيارات أخرى". ونبهت الى أنه "اليوم سقط مبنى في الشويفات وغداً ستسقط مبانٍ أخرى ولن تحرّك الدولة ساكناً لأنها لا تتحمل مسؤولية سلامة مواطنيها. للأسف تحصل حوادث الانهيارات فيطالعنا النواب والوزراء بمواقف شعبوية لا ترقى الى مستوى تحمل المسؤولية ومعالجة أسباب السقوط، ومنها الإيجارات القديمة التي حوّلت المباني الى قنابل موقوتة يمكن أن تسقط في أي لحظة على رؤوس المالكين". وشددت في تحذير جديد على "وجود أكثر من 15 ألف مبنى مهدد بالانهيار، والعدد الى ارتفاع بمرور الزمن واستهلاك المزيد من المباني القديمة من دون ترميمها، لكن لا أحد يريد أن يسمع. وبدلاً من الكشف على هذه المباني والعمل على ترميمها، وخصوصاً المدارس الرسمية في طرابلس والشمال، والتي تهدد تلامذة المدارس بحياتهم، عمدت حكومة تصريف الاعمال الى رد قانون الايجارات غير السكنية، للإستفادة من الايجارات المجانية سنوات وسنوات على حساب المالكين ومن خلال تحميلهم هذه المسؤولية اللاإنسانية"، "رافضةً تحميل المؤجرين أي مسؤولية". وجددت المطالبة بقانون "يرفع عنا أي مسؤولية في هذا الأمر، حتى يصار الى تحرير جميع الاملاك المؤجرة للسكن وغير السكن، وتمكين المالكين من ترميم هذه المباني، حفاظاً على سلامة السكان".