أموال السعودية لن تتدفّق الى لبنان!

كتب أنطون الفتى في وكالة "أخبار اليوم": 

"عا حجّة الوردة رح تشرب العلّيقة"، وبتعبير آخر، يظهر بوضوح أنه على هوامش السّعي لتأمين الكهرباء للبنان، ستستفيد سوريا بأكثر من شكل وطريقة، أقلّها تخفيف بعض العقوبات عنها، وإعادة تأهيل وبناء بعض البنى التحتية الخاصّة بها. 

تأشيرات دخول

وبانتظار "الموعودات" من الغاز والكهرباء للبنان، حديث عن نفط إيراني سيدخله، بموازاة الكثير من الكلام الذي يُحيط بالإتّفاق بين رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، حول إلغاء تأشيرات الدخول بين العراق وإيران، الذي ما كان ليحصل لولا موافقة أميركية، رغم علامات استفهام كثيرة في شأنه، بسبب انعكاساته المُحتمَلَة على مصالح العراق الإقتصادية. 

أسوأ ساحة

يَظهَر "المناخ التسووي" الأخير مُلتبِساً أمامنا، بكثير من أوجهه وتفاصيله، بموازاة تصاعُد الدور القطري من الباب الأفغاني، وبطلب أميركي، في مشهد يُعيد رسم بعض ملامح "ترقيعات" مرحلة ما بين عامَي 2008 و2011، التي اشترت بعض الهدوء لمنطقتنا بعد حروب أفغانستان (2001) والعراق (2003) وحرب تموز (2006) في لبنان، والهجمات الإرهابية والإنتحارية في العراق (2003 - 2008)، والإغتيالات في لبنان (2005 - 2008)، قبل أن تصطدم (تلك "الترقيعات") بـ "الشيكات" الإيرانية - السورية المزوّرة، والبلا رصيد، التي أسفرت عن حصول طهران ودمشق على كل شيء، مقابل عَدَم تقديمهما إلا القليل القليل، وهو ما جعل سوريا إحدى أسوأ الساحات العربية المُشتعِلَة بـ "الربيع العربي". 

"خلطات"

ولكن هذا المشهد المشابه لكثير ممّا يحصل حالياً، يصطدم اليوم بوقائع مختلفة عن تلك التي كانت سائدة خلال الأعوام السابقة، وهي التطبيع الإسرائيلي - الخليجي، وإدارة سعودية مختلفة، منذ عام 2015 تحديداً، وتصاعُد مصري في المنطقة، في ظلّ تكامُل وتناقُض بين "الأجندتَيْن" الروسية والإيرانية في الشرق الأوسط عموماً، وزيادة في متانة العلاقات الروسية - الإسرائيلية، في شكل يعقّد "خلطات" التسويات الإقليمية الجديدة، أكثر من السابق. 

لا تتناسب

شدّد مصدر واسع الإطلاع على أن "لكلّ إدارة أميركية مشاريع تسوية تتعلّق برؤيتها الخاصّة، والتي قد لا تتناسب كلّها مع الرغبات الإسرائيلية، بالكامل".

وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أنه "رغم القوّة التي يبدو أن إيران تكتسبها حالياً، ورغم المصالح على الخطّ المصري - الأردني - اللبناني، عبر سوريا، وعلى الخطّ العراقي - الإيراني، والعراقي - السعودي، والسعودي - الإيراني،  إلا أن أمام الجميع الكثير من الأشواط لتجاوزها. فضلاً عن أن معادلات أعوام ما بين 2008 و2011 انتهت بجزء كبير منها، لأنه يستحيل على طهران السيطرة الفعلية على لبنان بكامله". 

ضياع سُنّي

وأوضح المصدر أنه "لا يُمكن لإيران أن تسيطر على المناطق اللبنانية ذات الغالبية المسيحية، التي ستنعم بوضع خاصّ مستقبلاً. والمشكلة الأساسية هي أن مستقبل المناطق اللبنانية ذات الغالبية السنيّة غير واضح حتى الساعة، انطلاقاً من غياب الإمتداد العربي عنها، وعن التفاوض على مستقبلها، وسط ضياع سُنّي بين السعودية وبعض دول الخليج من جهة، وقطر، ومصر، وتركيا، من جهة أخرى".

وشرح:"السعودية لم تَعُد مهتمّة بلبنان. وهدف الإدارة السعودية الحالية الأساسي، هو التخلُّص من مشكلة اليمن، وإعادة بناء المملكة على أساس فكر ورؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان".

أوّلاً

وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت الإدارة السعودية الحالية تتعامل مع الملفات الخارجية، على الطريقة الأميركية "الترامبية" تحديداً، أي من مستوى أن "السعودية للسعوديين أولاً"، وذلك على غرار "أميركا للأميركيين أوّلاً"، أجاب المصدر:"نعم. فالسعوديون يرون أنهم غير مضطّرين لإنفاق المال على أحد في الخارج، ولا للتدخّل في ساحات تحوي الكثير من التعقيدات المُكلِفَة مالياً وسياسياً. فالسعودية للسعوديين أوّلاً، وما يبقى يُعمَل به في المنطقة".

وأضاف:"طالما أن ولي العهد السعودي يتصدّر المشهد السعودي، فإن هذه هي السياسة السعودية. وإذا تغيّر هذا الوضع، ولم يَعُد هو الذي يسيطر هناك، قد نجد سلوكاً سعودياً مختلفاً في تلك الحالة". 

الجغرافيا

وعن إمكانية تراجُع أسهم بن سلمان مستقبلاً بالفعل، طالما أن تداول السلطة في دول منطقتنا لا يتمّ وفق الديموقراطيات الغربية، قال المصدر:"حدث معيّن، وغير متوقَّع، قد يغيّر كل المعادلات، ويُدخِل أسماء أخرى الى المشهد السعودي مستقبلاً، ومعها سياسات سعودية جديدة".

وأضاف:"على صعيد باقي الدّول العربية، لا أحد يعلم ما تريده الإمارات بدقّة. فهي حقّقت مبتغاها، وربما أكثر، بالسلام مع إسرائيل، وبدأت بفتح خطوط لها مع تركيا، بطريقة مُبهَمَة. أما مصر، فلا شكّ أنها دولة أساسية يزداد نفوذها في المنطقة، ولكن دورها كلاعب إقليمي ليس ناضجاً تماماً بَعْد".

وختم:"هذا كلّه يصعّب التفاوُض حول المشهد السُنّي في لبنان، ويؤخّر التفاوُض حول الكثير من الملفات عموماً، على طريق البحث عن حَسْم مستقبل الجغرافيا اللبنانية والإقليمية، الذي سيشتدّ الحديث عنه بدءاً من الأشهر القادمة".