المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الثلاثاء 27 آب 2024 07:12:15
ليس جديدا القول إن المنظومة المالية العالمية لا تحبذ التعامل بالاقتصاد النقدي، وتحذر من تبعاته في موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مؤسسات التمويل الدولية، والمصارف المراسلة، وكذلك مجموعة العمل المالي FATF. وبما أن خطر التصنيف السلبي من "فاتف" من خلال الإدراج على اللائحة الرمادية، يتعاظم كلما تعاظم حجم الاقتصاد النقدي في لبنان، فقد نجح مصرف لبنان وفق ما تسمح به صلاحياته في الحد من توسع الاقتصاد النقدي والاعتماد المتزايد على المعاملات النقدية. من هنا، أعاد تفعيل العمل في الأنشطة الإلكترونية وبطاقات الدفع في التعامل المالي لتخفيف اقتصاد الكاش. وقدرت بعض الدراسات حجم الاقتصاد النقدي بما بين 11- 14 مليار دولار، أي ما يقارب نصف حجم الاقتصاد حاليا.
ووفق المدير التنفيذي للعمليات وأنظمة الدفع في مصرف لبنان مكرم بو نصار "يعمل مصرف لبنان على تشجيع استعمال وسائل الدفع الإلكتروني، وتخفيف استعمال الدفع النقدي (الكاش) في السوق اللبنانية، وذلك بالتوافق مع المعايير الدولية ولا سيما تلك المتعلقة بمكافحة تبييض الاموال ومكافحة تمويل الإرهاب".
وفي هذا المجال، أصدر مصرف لبنان عام 2023 التعميم رقم 165 المتعلق بالمقاصة وتسوية الشيكات والتحويلات النقدية بالدولار والليرة اللبنانية عبر مصرف لبنان، فيما بدأ استعمال التحويلات والشيكات "الفريش" بالارتفاع وأصبحت وسيلة دفع أساسية وآمنة في الاقتصاد اللبناني.
وبلغة الأرقام، يشير بو نصار إلى أن عدد التحويلات النقدية بالليرة اللبنانية على نظام الدفع RTGS بلغ منذ بدء تطبيق التعميم 165 أي منذ تموز 2023 حتى نهاية تموز 2024 نحو 39 ألف تحويل نقدي، بقيمة إجمالية توازي 4.5 مليارات دولار حسب سعر منصة مصرف لبنان، وبزيادة شهرية بنسبة 10%. أما بالنسبة إلى التحويلات النقدية بالدولار الأميركي، فقد بلغ عددها 17 ألف تحويل نقدي بقيمة 1.5 مليار دولار، وبزيادة شهرية نسبتها 10% أيضا. في حين بلغ مجموع الشيكات "الفريش" بالليرة اللبنانية 38 ألف شك قيمتها توازي 650 مليون دولار حسب منصة مصرف لبنان (89500 ليرة لكل دولار)، وبزيادة شهرية 13%، وذلك منذ تموز 2023 حتى نهاية تموز 2024.
أما بالنسبة إلى عدد الشيكات النقدية بالدولار الأميركي، فبلغ 11 ألف شيك قيمتها 160 مليون دولار أميركي بزيادة شهرية نسبتها 25%، مع الإشارة إلى أن عدد الشيكات "الفريش" المرتجعة قليل جدا، "بما يعزز الثقة باستخدامها"، وفق بو نصار الذي أشار إلى أنه خلال سنة من تطبيق التعميم 165 بلغ مجموع قيمة التحويلات والشيكات "الفريش" نحو 6.7 مليارات دولار، أي ثلث الناتج المحلي الإجمالي في لبنان.
فضلا عن ذلك، بادر مصرف لبنان بتوجيه من الحاكم بالإنابة إلى إعادة تشجيع استعمال بطاقات الدفع بالتنسيق مع المعنيين، ولا سيما شركتي ماستركرد(MasterCard) وفيزا (VISA) والمصارف والمؤسسات المالية المعنية بإدارة البطاقات وإصدارها. ومن بين هذه الإجراءات، يلفت بو نصار إلى "خفض كلفة استعمال بطاقات الدفع محليا خصوصا البطاقات الصادرة خارج لبنان، والمستعملة في السوق اللبنانية. كذلك يدرس مصرف لبنان وضع سقف مدروس ومنطقي على العمولات المستوفاة عند استخدام بطاقات الدفع، ولا سيما البطاقات الصادرة محليا والمستخدمة في السوق اللبنانية بالعملة اللبنانية. وإذ يأمل مصرف لبنان من التجار كافة عدم وضع أي رسوم أو أعباء إضافية على المستهلك عند استعماله بطاقات الدفع، لكون ذلك مخالفا للقانون ويلحق ضررا بالاقتصاد الوطني، تشير الإحصاءات المتوافرة إلى أن استعمال بطاقات الدفع بالدولار، ارتفع في شكل ملحوظ السنة الماضية، وكذلك حجم الإنفاق عبر البطاقات بالعملة اللبنانية. لكن الأرقام في رأي بو نصار لا تزال بعيدة عن المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة، ويعود ذلك إلى الوضعين المالي والمصرفي والأزمات الامنية التي كان لها تاثير سلبي على القدرة الشرائية للبنانيين.
إلى ذلك، يعمل مصرف لبنان بالتعاون والتنسيق مع وزارة المال على مشروع اعتماد بطاقات الدفع كوسيلة لتسديد الضرائب والرسوم لدى جميع صناديق وزارة المال الأساسية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، بعد تركيب نقاط بيع (POS Machines) لدى هذه المراكز. وفي عام 2023، عدل مصرف لبنان التعميم رقم 69 المتعلق بالمدفوعات الإلكترونية، وأعطى مصرف لبنان تراخيص لعدد من المحافظ الالكترونية (Mobile Wallets) المستوفية الشروط. وتسمح هذه المحافظ الإلكترونية لمستخدميها بتحويل الأموال في ما بينهم تجارا وأفرادا، في شكل فوري وآمن وفقا للقوانين والأنظمة ذات الصلة. ويكشف بو نصار أن مصرف لبنان يقوم حاليا بدراسة التعديلات اللازمة على التعميم 69 وفقا لأفضل المعايير الدولية، وبالتنسيق مع فريق من خبراء البنك الدولي.
كذلك، يدرس إطلاق نظام الدفع الفوري Instant Payment System مستقبلا. وهذا النظام هو عبارة عن منصة دفع فورية تتيح إجراء تحويلات فورية بين زبائن كل المصارف في لبنان على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. ويمكن من خلال هذا النظام تسديد الفواتير على أنواعها والدفع في المتاجر والمطاعم بطريقة سريعة وآمنة. ولكن إطلاق هذا النظام يتطلب في رأي بو نصار التعاون بين مصرف لبنان والمصارف، وأن يكون الجميع جاهزا من الناحية التقنية لإطلاقه"، آملا أن "تتحسن الظروف في المستقبل القريب، لنتمكن من العمل معا على إطلاق هذا النظام المهم الذي يساهم في تخفيف الاستعمال النقدي".
الإجراءات التي يقوم بها مصرف لبنان، بدأت بتخفيف التعامل النقدي في السوق اللبنانية بشكل جيد وتدريجي. ويختم بو نصار مؤكدا "مواصلة العمل نحو العودة لاستعمال وسائل الدفع الإلكتروني، مع المحافظة على الأمان والسرعة واحترام معايير الامتثال ومكافحة تبييض الأموال".