إرجاء الـ"كابيتال كونترول" يضاعف مسؤولية الدولة في حل الأزمة

أعادت الهيئة العامة لمجلس النواب اليوم، مشروع القانون الوارد في المرسوم الرقم 9014 المتعلق بوضع ضوابط استثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة (المعروف بالـ"كابيتال كونترول") إلى اللجان بناءً على طلب رئيس الحكومة.

وتردّد في السياق، أن رئيس المجلس نبيه بري أمهل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شهرين للعودة بمشروع قانون الـ"كابيتال كونترول" ضمن سلة متكاملة.

هذا التأخّر في إقرار مشروع القانون هذا دونه تعمّداً من أركان الدولة للتهرّب من المسؤولية التي تقع على عاتقهم في حل الأزمة المالية والمصرفية العالقة! أمرٌ بات يُجمع عليه خبراء المال والاقتصاد منذ بداية الأزمة وحى اليوم...

الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي يشير عبر "المركزية" إلى أن "المطلوب اليوم، قبل الحديث عن إعادة هيكلة المصارف، هو الانتظام المالي مع قانون "كابيتال كونترول" واضح يتحدّد فيه سعر صرف واضح، للعمل لاحقاً على إعادة الهيكلة بشكل عادل كي لا يُظلم المودِعون في المصارف التي تُعتبر متعثرة والتي أودعت أموالها لدى مصرف لبنان والدولة.

ويأسف "لعدم وجود حتى اليومرؤية واضحة أو اعتراف واضح من الأطراف الفاعلة في الأزمة بمسؤوليّتها، بعد مرور 4 سنوات على بداية الأزمة الحقيقية في البلاد.. وهنا نتحدّث عن الدولة اللبنانية المتمثلة في الحكومات المتعاقبة والقوى السياسية المشارِكة في تلك الحكومات ولا سيما بعد العام 2005. ثم عن البنك المركزي كونه مصرف الدولة وطرفاً اقتصادياً حقيقياً فاعلاً في إصدار التعاميم وغيرها، وأخيراً عن المصارف الشريك الأساسي في الأزمة لأن الناس أودعت أموالها لديها".

وإذ يقول "حتى اليوم لم نرَ أي اعتراف حقيقياً خصوصاً من الدولة اللبنانية والحكومات حول المبلغ الأساسي الذي استعملته من أموال المودِعين"، يشير إلى أن "الدولة هي أكبر دائن من أموال المودِعين، سواء من المصارف مباشرةً أو من مصرف لبنان. لذلك لا يجوز لها أن تضع القوانين الراعية للأزمة، إذ لا يمكن أن تكون "الخصم والحَكَم"! من هنا يجب عليها أن تناقش الموضوع مع البنك المركزي والمصارف في الإطار الطبيعي والفعلي".

ويذكّر جباعي بأن "مصرف لبنان أقرض الدولة بما قيمته 68 مليار دولار، وهذا المبلغ لا يشكّل خسائر في ذمة مصرف لبنان بل هو مثابة ديون لأجَل. إذ إن ضمن ميزانية البنك المركزي لا يُسجَّل أي خسارة بل يقوم بواجبه الطبيعي مع الدولة اللبنانية التي استدانت منه 68 مليار دولار وهذا المبلغ مفصّل عبر التدقيق الجنائي بحوالي 48 ملياراً ومبلغ آخر استدانته الدولة بالليرة اللبنانية، ليصل المجموع إلى 68 ملياراً تقريباً. هذا الرقم هو عبارة عن ديون في ذمّة الدولة اللبنانية تُضاف إليها الفوائد لصالح مصرف لبنان".

إذاً، يُضيف جباعي، " ليس لدى البنك المركزي خسائر حقيقية، بل التزامات في ذمّة الدولة اتجاه مصرف لبنان. أما الالتزام الآخر في ذمّة الدولة فهو للمصارف التجارية التي اكتتبت بقيمة 20 مليار دولار في سندات الـ"يوروبوند" وكذلك اكتتبت في سندات الخزينة التي أصدرتها الدولة اللبنانية بقيمة 56 مليار دولار واستثمرت المصارف في جزء كبير منها، حتى ذهب ما نسبته تقريباً 30% من ميزانيات المصارف، إلى الدولة مباشرةً أو عبر وزارة المال، بالـ"يوروبوند" وسندات الخزينة".

في خلاصة العرض، "لا يمكن للدولة اللبنانية أن تتهرّب من الحل، فهي الأساس في الموضوع. صحيح أنها ليست الوحيدة في تحمّل المسؤولية لكنها تتحمّل الجزء الأكبر منها. مع التشديد على وجوب الاعتراف بكيفية صرف الأموال كي يتم استردادها بطريقة أو بأخرى" بحسب جباعي.

وليس بعيداً، يُلفت إلى أن "مشكلة المودِعين اليوم ليس فقط مع المصارف المسؤولة عن ردّ الأموال، فالمصارف وقعت في مشكلة كبيرة مع الدولة اللبنانية التي استدانت منها بمبالغ كبيرة جداً".

كذلك لم يغفل جباعي الإشارة إلى أن "المصارف أقرضت القطاع الخاص أيضاً بما يفوق 40 مليار دولار، منها 32 ملياراً تم تسديدها على سعر صرف 1500 ليرة أو عبر شيكات مصرفية! بخسارة بلغت 30 مليار دولار هي من أموال المودِعين. هذه المسألة تتطلب لا محالة، دراسة حقيقية للمعالجة".

ويتابع: هذه الوقائع، تؤكد أن مشكلة المصارف ليست مع مصرف لبنان بل مع الدولة، تماماً كما مصرف لبنان علماً أن الأخير حاول في الفترة الماضية عبر تعاميم عدة أن يردّ مع المصارف، الأموال للمودِعين، لكن هذه الجهود الحثيثة لم تكن كافية. فالانتظام المالي من مسؤولية الدولة للتوصّل إلى الصيغة المأمولة، وذلك يتم عبر الحوار مع الأفرقاء المعنيين كافة.

"من الضرورة بمكان الضغط لإيجاد حل عادل لهذه الأزمة، والذي يكمن في ترتيب المسؤوليات" يختم جباعي.