إسرائيل تجاوزت حدوداً... الضربة على القنصليّة الإيرانيّة في دمشق تفاقم أخطار حصول تصعيد إقليمي

يرى محللون أن الضربة التي قتلت الاثنين في دمشق مسؤولين عسكريين إيرانيين والتي نُسبت إلى إسرائيل، تهدّد بتوسّع إقليمي للحرب الدائرة في قطاع غزة حاولت طهران حتى الآن تجنّبه.

ودمّر قصف جوي إسرائيلي مقرّ القنصلية الإيرانية في دمشق الإثنين بحسب مسؤولين سوريين وإيرانيين، ما تسبّب بمقتل قياديَين أحدهما أكبر مسؤول عسكري إيراني في سوريا وعناصر في الحرس الثوري الإيراني.

وأفاد الحرس الثوري الإيراني أنّ سبعة من عناصره بينهم ضابطان كبيران قتلوا في الضربة.

وبلغت حصيلة الضربة الجوية 13 قتيلاً بينهم سبعة أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، حسبما أفاد التلفزيون الرسمي في طهران الثلثاء.

ويرى المحلل الباحث المتخصص في الشأن الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز "إنه تصعيد كبير"، مضيفًا "من خلال استهداف منشأة ديبلوماسية إيرانية، تكون إسرائيل قد تجاوزت حدودًا".

وشنّت إسرائيل خلال الأعوام الماضية مئات الضربات الجوّية في سوريا طالت بشكل رئيسي أهدافاً إيرانيّة وأخرى لحزب الله، بينها مستودعات وشحنات أسلحة وذخائر، لكن أيضاً مواقع للجيش السوري.

ونادراً ما تؤكد إسرائيل تنفيذ هذه الضربات، لكنها تكرر أنها ستتصدى لما تصفه بأنها محاولات طهران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.

ومنذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من تشرين الأول، كثّفت الدولة العبرية استهدافها لمواقع في جارتها الشمالية.

من جهتهم، عمد حلفاء إيران في المنطقة من لبنان إلى العراق وصولًا إلى اليمن، مهاجمة أهداف إسرائيلية أو أميركية لدعم حماس. غير أنهم امتنعوا عن القيام بأعمال واسعة النطاق، فيما أكّدت طهران أنها لا تريد حرباً إقليمية.

لكن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أكّد الثلثاء أن الاستهداف "الجبان" لقنصلية بلاده في دمشق "لن يمرّ دون رد".

وأكّد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي بدوره أنّ إيران "ستعاقب" إسرائيل و"ستجعلها تندم على هذه الجريمة وغيرها".

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق ومدير مركز دمشق للأبحاث والدراسات بسام أبو عبد الله أن "استهداف القنصيلة الإيرانية في دمشق هو عمل تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء".

ويقول "كان هناك قواعد اشتباك، لكن أصبحت الحرب الآن مفتوحة بين ما يمكن أن نسميه محور المقاومة، وإسرائيل".

وتقود إيران ما يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تنضوي فيه فصائل فلسطينية بينها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وأخرى عراقية إضافة إلى الحوثيين اليمنيين وحزب الله اللبناني.

- "طهران أمام معضلة" -
ويضيف أبو عبد الله "انتقلنا إلى مرحلة من الواضح أن عنوانها التصعيد"، متابعًا "إذا كان الهدوء قد توقف باتجاه القواعد العسكرية الأمريكية، فقد نجد تصاعدًا للهجمات تجاه تلك القواعد في سوريا وفي العراق أو في أي مكان آخر".

وكانت كتائب حزب الله في العراق قد أعلنت أواخر كانون الثاني "تعليق" العمليات العسكرية والأمنية ضد الولايات المتحدة في البلاد بغية عدم "إحراج" الحكومة العراقية.

ومنذ نهاية شباط، أوقفت المجموعات الموالية لإيران هجماتها على مواقع أميركية في سوريا، بحسب المرصد.

من جهته، أكّد حزب الله أن الضربة الإسرائيلية على مقر القنصلية الإيرانية "جريمة لن تمرّ دون أن ينال العدو العقاب والانتقام".

ويرجّح علي فايز أن "تجعل إيران إسرائيل تدفع ثمنًا لكن بطريقة غير مباشرة ومن خلال شركائها وحلفائها في المنطقة".

ويشير الخبير في الشأن الإيراني إلى أن "طهران أمام معضلة تتمثل في أن عدم ردّها قد تنظر إليه إسرائيل على أنه علامة ضعف، فيما قد يهدّد الردّ الانتقامي (الإيراني) بأن تتخذ الولايات المتحدة وإسرائيل تحرّكًا أكثر قسوة".

- "أخطر عدو" -
من الجانب الإسرائيلي، قد تكون الضربة على دمشق محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المنخرط منذ نحو ستة أشهر في حرب دامية في قطاع غزة، لإشعال نزاع على المستوى الإقليمي، وفق محللين.

ويقول الباحث في معهد "نيولاينز" نيك هيراس "تحت الضغوط التي يمارسها الأميركيون، لم يعد أمام رئيس الوزراء (بنيامين) نتنياهو وقتًا كافيًا لمواصلة الحرب في غزة، لذلك يلجأ بدلًا من ذلك إلى لبنان وسوريا من أجل إضعاف الجهد العسكري الإيراني الإقليمي".

ويشير إلى أن "إسرائيل تنظر إلى النزاعات ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان كأنهما جبهتان في حرب عابرة للحدود ضد إيران، يديرها الإيرانيون من دمشق".

ويضيف "يتوقع نتنياهو من الولايات المتحدة أن تنضمّ إلى إسرائيل في حرب (...) إقليمية واسعة النطاق ضد إيران".

ويتابع "يعلم الإسرائيليون أن الحرس الثوري الإيراني سيكون أخطر عدو في هذه الحرب، لذلك يحاولون القضاء على أهم القادة وأكثرهم خبرة لإضعاف الخطط والقدرات الإيرانية قبل هذه الحرب".

لكن يبقى محتملًا أن تكسر الضغوط الديبلوماسية حلقة التصعيد.

وندّدت وزارة خارجية روسيا، حليفة سوريا، بالهجوم "غير المقبول"، محمّلة الجيش الإسرائيلي مسؤولية الضربة.

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة عامة الثلثاء بشأن الضربة بناء على طلب روسيا، حسبما أفاد نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي.

ونددت بالضربة كل من الصين وهي كذلك عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، والسعودية والإمارات.

من جهتها، أبلغت واشنطن طهران بأنه "لم يكن لها دور" في الضربة على دمشق الاثنين، حسبما نقل موقع "أكسيوس" الإخباري عن مسؤول أميركي.