إسرائيل تستعد لتطبيق "نموذج لبنان" في غزة

في أعقاب الضربات التي شُنّت على البنية التحتية النووية الإيرانية، لم تَبرز إسرائيل أكثر جرأة فحسب، بل عازمة على استغلال الحرب لمعاودة تشكيل النظام الإقليمي وفق شروطها الخاصة. ورغم توقف الغارات الجوية، إلا أن تداعياتها الجيوسياسية بدأت للتو تتردد في كل أنحاء الشرق الأوسط.

وقد نفّذت هذه الضربات بتنسيق كامل مع القوة العسكرية الأميركية، وبدعم حاسم منها، ووجّهت ضربةً قصيرة المدى للبرنامج النووي الإيراني. لكن تأثيرها الأبرز كان سياسياً، إذ أحدث سلسلة من التحولات في المنطقة.
ففي لبنان، حيث لاتزال معاودة الإعمار متعثرة، ويواصل الاقتصاد تدهوره الجامح، انتهزت إسرائيل الفرصة. فكثّفت قواتها غاراتها الجوية، ووسّعت نطاق وجودها الإقليمي خارج المناطق المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وفي ظل غياب أي خطط واضحة للانسحاب أو أي قيود دبلوماسية، يبدو الاحتلال أقرب إلى ترسيخ إستراتيجي، وليس إجراءً موقتاً، لمعاودة تشكيل الحقائق على الأرض، بينما لايزال لبنان عاجزاً لا يستطيع الرد ولا تحرير أراضيه المحتلة.

في إيران، دفعت الحرب الأخيرة، وما واجهه ردعها الإستراتيجي، إلى رد فعل حازم. تعهدت بمعاودة بناء - ليس فقط بنيتها التحتية النووية، بل عقيدة دفاعية كاملة تُركز على انتشار وتصنيع الصواريخ، ودفع عسكري - صناعي في سباق مع الزمن. وبعيداً عن التراجع، يبدو أن طهران تُعيد ضبط نفسها لمواجهة في أي وقت وطويلة الأمد.

وفي سوريا، ثمة حوافز واسعة النطاق، مقابل مسار الانفتاح على اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل: الاعتراف بالقيادة الجديدة، أموال إعادة الإعمار المدعومة إقليمياً ودولياً، رفع العقوبات الغربية، ومعاودة الاندماج الرسمي في المؤسسات السياسية العربية.

في غضون ذلك، وداخل إسرائيل نفسها، عاود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضبْط أهدافه في غزة. ما بدأ كحرب لتفكيك «حماس» تحول الآن على مستوى الأولوية: فقد أصبحت الأسبقية لتحرير - أو التفاوض على تبادل - الرهائن الإسرائيليين، وتم تأجيل الهدف الأوسع المتمثل بالقضاء على الحركة ليتحوّل إلى إستراتيجية طويلة المدى، على غرار عقيدة إسرائيل في لبنان المتمثلة في الضربات الموجّهة والمتتالية التي تهدف إلى منع عودة ظهور المقاومة وضرب أي محاولة لبناء القدرات.

وقد تعثرت حملة «عربات جدعون» البرية التي بدأت قبل أكثر من شهر، حيث فشلت في التقدم وإنهاء «حماس» وتأمين إطلاق سراح الرهائن العشرين المتبقين بعد أكثر من 620 يوماً من الأسر. وبدلاً من ذلك، أودت بحياة 20 جندياً، ما أدى إلى تآكل ثقة الجمهور وأثار ضغوطاً متجددة من أجل حل تفاوضي وإنهاء الحرب على غزة.

وتظهر خطة جديدة - خطة يقال إنها تتماشى مع مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب. وهو حضَّ على التوصل إلى نتيجةٍ تتضمن وقفاً كاملاً للنشاط العسكري في غزة، إلى جانب إسقاط جميع تهم الفساد القديمة الموجهة إلى نتنياهو.

وقد تُمَكِّن هذه الصفقة ترامب من الترويج لنفسه كـ «صانع سلام»، ونتنياهو من تفكيك ائتلافه اليميني المتطرف الحالي، وتهميش الفصائل المتطرفة، والتوجه إلى انتخابات مبكرة بتفويضٍ متجدد وربما تشكيل حكومة جديدة تضم عناصر أكثر اعتدالاً أو معارضة.

ومع ذلك، ورغم هذا التحول في اللهجة، لايزال موقف إسرائيل مُعادياً. فقد طلبت حكومة نتنياهو زيادة فورية في ميزانية الدفاع قدرها 40 مليار شيكل - أي ما يُقارب 12 مليار دولار- لتوسيع قدراتها الهجومية والدفاعية. وقد صاغ نتنياهو هذه الجهود على أنها «جمع لغنائم» الحرب، مُصوِّراً إسرائيل في موقع المنتصر الإقليمي المُستعدّ لرسم معالم المرحلة التالية من الدبلوماسية.

ويُكرّر هذا النهج - بل ويُضَخِّمه - بتسلئيل سموتريتش، وزير المال الإسرائيلي وزعيم الحزب الصهيوني الديني اليميني المتطرف. وفي وثيقة سياسية صدرت بعد وقت قصير من الضربات الإيرانية، وصف الحرب بأنها نقطة تحول ليس عسكرياً فحسب، بل أيديولوجياً أيضاً.

واعتبر الحملة ضد إيران «معجزة»، مدّعياً أنها أزالت التهديد الوجودي لإسرائيل ومهّدت الطريق لتحول إقليمي بقيادةٍ إسرائيلية.

تعتقد إسرائيل أن طريق السلام مشروط بالتوافق الكامل مع رؤية إسرائيل للعالم. لن يكون هناك مجال لبقايا تضامن فلسطيني أو روابط إيرانية. أي اتفاق لن يعكس تسوية متبادلة، بل هيمنة الشروط الإسرائيلية.

تتجاوز عواقب حرب إسرائيل على إيران، وحملتها المستمرة في غزة، النتائج العسكرية. إنها تشير إلى معاودة تقييم أوسع للقوة - حيث لا يُسعى إلى السلام من خلال الإجماع، بل من خلال التفوق. ويقول سموتريتش لرافضي سياسة إسرائيل الجديدة... «سنتركهم في التراب».