إسرائيل تغتال "الرقم الأصعب" في "حزب الله"... تدشين لمرحلة الضغط الأقسى

... هل هي «الساعة صفر» لعودة الحرب الاسرائيلية على الجبهة اللبنانية، أم أنها تدشينٌ لمرحلةٍ «قِتاليةٍ» جديدة مع «حزب الله» لن تَرْتقي إلى مواجهةٍ شاملةٍ؟

سؤالان دَهَما لبنان مع اغتيالِ اسرائيل بعد الظهر الرجل الثاني في «حزب الله» رئيس أركانه هيثم علي طبطبائي، بغارةٍ في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت.
وإذ بدا هذا التصعيد النوعي والجغرافي بالاستهدافات الاسرائيلية «مُتَوَقَّعاً» بفعل «التمهيد» السياسي و«الميداني» له من تل أبيب، فإنه اكتسب دلالات بالغة الأهمية في ضوء الآتي:

- أن اغتيالَ طبطبائي، الذي أدار حربَ الـ 65 يوماً مع اسرائيل خريف 2024 وبات الرجل الثاني في «حزب الله» بعد اغتيال فؤاد شكر (30 يوليو 2024)، شكّل أوّل عملية ضدّ قياديّ من التنظيم بهذا المستوى منذ إعلان اتفاق وَقْفِ الأعمال العدائية في 27 نوفمبر بين لبنان والدولة العبرية.

وهذا الاتفاق لم يخمد نارَ المواجهةِ ولكنه خفض مستواها إلى ضرباتٍ «من جانب واحد»، أي اسرائيل التي واصلتْ استهدافاتها التي تركّزت على المئات من عناصر «حزب الله» خصوصاً في الجنوب بذريعةِ أدوارهم بمهماتٍ اعتبرتْها خَرْقاً لاتفاق 27 نوفمبر وجوهره الذي اعتبرتْ أنه يتمحور حول وجوب سَحْبِ سلاح الحزب بالكامل.

- أن الضربة القاسية للحزب باغتيال طبطبائي، شكّلت أول استهدافٍ من هذا النوع في قلب الضاحية الجنوبية.

ولم تَسْلم الضاحية على مدى الأشهر الـ 12 الماضية من غاراتٍ اسرائيلية، ولكنها كانت تطول مباني في عيْنها وفق سيناريو «الإنذارات على الخريطة» من الناطق باسم الجيش افيخاي أدرعي، يَعقبها ترْك فسحة زمنية لإخلاءاتٍ ترافقها موجة نزوح قبل تنفيذ الضربات بالطيران الحربي بحجة استهداف مستودعات أسلحة أو مسيرات لحزب الله.

- أنّ اغتيالَ طبطبائي (وهو لبناني من أصول إيرانية) الذي سبق أن تولى قيادة «قوة الرضوان»، تمت بأمرٍ من بنيامين نتنياهو وتحت عنوان أنه «كان يقودُ عمليةَ بناء قدرات المنظمة الإرهابية وإعادة تسليحها»، وهو العنوان الذي يشكّل الشعارَ الذي تدقّ على أساسه تل أبيب «نفير» الحربِ على لبنان بحجةِ إزالة تهديد «حزب الله» أو إضعافه في ضوء اعتبارها أن بيروت تتلكأ في سَحْب سلاحه.
- أن غارةَ الضاحية التي استُخدمت فيها 8 صواريخ صوّبت على المبنى حيث ذَكر إعلام اسرائيلي أنه يضم «المخبأ السري» لطبطبائي، والتي أدت الى سقوط 4 آخرين وجرح 28، جاءتْ على وقع تكرار لبنان الرسمي وبلسان رئيس الجمهورية جوزف عون الدعوة إلى التفاوض مع اسرائيل طارحاً إطاراً لإنهاءِ تل أبيب احتلالها للنقاط داخل الأراضي اللبنانية ولوقفٍ نهائي لاعتداءاتها و«لحصْر كل سلاح خارج الدولة».

من هنا، بدا جلياً أن استهداف الرجل الثاني في حزب الله بعد أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، يُشكّل بلا أدنى شكّ فاتحةَ مرحلةٍ جديدةٍ من المواجهة، استحضرت معها أوساط سياسية ما سبق انفجار حرب الـ 65 يوماً من اغتيالاتٍ متسلسلة في الضاحية الجنوبية، ولا سيما عقب «اصطياد» تل أبيب فؤاد شكر وما تلاه من ضربات مؤلمة للحزب وليس أقلّها لاجتماعٍ لعدد من قادة «الرضوان».

وإذا كان ما بعد 23 نوفمبر 2025 لن يكون بالتأكيد كما قبله على صعيد الميدان المفتوح بين «حزب الله» واسرائيل، فإن مدى التصعيد الذي دشّنتْه اسرائيل في سياق الضغط التصاعدي على الحزب ولبنان تحت عنوان «سحب السلاح اليوم قبل الغد» يبقى مرتبطاً بمسألتين رئيسيتيْن:

- الأولى قرارُ اسرائيل التي يسود اعتقادٌ أنها ربما لا تحبّذ تجديد حربٍ شاملة، ما لم تكن مضطرة عليها، وأنها قد تَكتفي باستئناف موجة الاغتيالاتِ لقادة في حزب الله وفي الضاحية الجنوبية وتوسيع رقعة الاستهدافات لمواقع ومَناطق حتى في محيط العاصمة، في إطار «عضّ أصابع» تَستدرج الحزب إليه ومن ورائه لبنان الرسمي لحضّه على إنجاز مَهمة سَحْبِ السلاح قبل نهاية السنة، وأيضاً لإيجاد أمر واقعٍ تتولى من خلاله إضعاف قدرات «حزب الله» قبل الجلوس إلى مفاوضاتٍ بات «الرسم التشبيهي» لإطارها وأفقها جاهزاً وبدفْعٍ من الولايات المتحدة.

وفي هذه النقطة، تَبرز قراءةٌ بأن واشنطن لا تؤيّد الحرب الكبرى على «حزب الله» وأنها لا تمانع «أياماً قتالية» أو نسَقاً أعلى من الضرباتِ الاسرائيلية «المحدّدة الهدف» والموصولة بهدف سياسي، علماً أن لغطاً ساد حيال هل كانت الولايات المتحدة على علم مسبق باغتيال قائد الجناح العسكري لحزب الله والذي نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين في الاستخبارات أنه «كان الصوت الأبرز داخل الحزب ضد قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح الجماعة وأنه كان يضغط لإنهاء وقف النار واستئناف القتال مع إسرائيل».

وفي حين صدرت إشاراتُ من تل أبيب بعيد الاغتيال أنه تم بالتنسيق مع واشنطن التي على عِلْمِ بالعملية، نقل موقع «اكسيوس» عن مسؤول أميركي رفيع «لم تُطلِعنا إسرائيل مسبقاً على الهجوم، وقد جرى إبلاغنا مباشرة بعد تنفيذ الضربة»، فيما أكد مسؤول أميركي رفيع ثانٍ «ان الولايات المتحدة تعلم منذ أيام أن إسرائيل تستعدّ لتصعيد هجماتها في لبنان، لكنها لم تكن على اطلاع مسبق بموعد الهجوم ومكانه والهدف الذي سيُستهدَف».

ولاحقاً أعلنت إذاعة الجيش الإٍسرائيلي أن تل أبيب «أبلغت الولايات المتحدة في نفس وقت تنفيذ العملية وليس قبلاً لضيق الوقت»، قبل أن تشير القناة 13 إلى «ان البيت الأبيض لم يعد يعارض تنفيذ هجوم ببيروت مع تعاظم قوة حزب الله وعجز الحكومة».

- أما المسألة الثانية الكفيلة بتحديد «اتجاه الريح» على الجبهة اللبنانية، حرباً شاملة أم أياماً قتالية، فترتبط بردّ فعل «حزب الله» على اغتيال قائده العسكري، وسط انطباعٍ بأن الحزب «سيعض على الجرح» في ضوء وقوعه بين «فكي كماشة»: فإذا «مرّر» الاغتيال الذي كرّس التفوق الاستخباراتي والأمني الاسرائيلي، فإن تل أبيب ستَمْضي بسلسلة استهدافات لقيادييه وفي قلب الضاحية من الآن وصاعداً، وفي حال انزلق إلى الردّ فإن اسرائيل تضغط الإصبع على زناد الحرب الكبرى التي تريدها مع ما ستعنيه من موجات نزوح وتَهجيرٍ في فصل الشتاء وإمعان في استدراج غضبة لبنانية عليه.

وفي الوقت الذي يسود اعتقادٌ بأن حتى تنفيذ ردّ داخل النقاط التي تحتلها اسرائيل في جنوب لبنان قد يكون مستبعداً لأنه سيكون بلا تأثير رادع، وأن أي «ثأر» أقل من استهداف تل ابيب هو غير ذي جدوى والقيام به يعني ما يعنيه لجهة فتْح أبواب جهنّم من جديد، كان بارزاً ما نُقل عن أن لجنة «الميكانيزم» التي تتولى الإشراف على تنفيذ اتفاق 27 نوفمبر تبلغت أن اغتيال إسرائيل طبطبائي لن يشكل تصعيداً إلا إذا ردّ عليه الحزب.

وإذا كان هذا يعني أن لبنان بات واقعياً وعشية زيارة البابا ليو الرابع عشر لبيروت الأحد المقبل، «بين ناريْ» تسونامي اغتيالاتٍ آتية وضربات موسّعة، أو حرب شاملة، فإنّ في خلفية هذا المشهد البالغ الخطورة تقف إيران التي يَبقى ملف «حزب الله» وسلاحه الرافد الأساسي لها في «معركتها الديبلوماسية» مع الغرب وربما العسكرية المحتملة مع اسرائيل.

عون يناشد المجتمع الدولي التدخل لوقف الاعتداءات

اعتبر رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، «ان استهداف اسرائيل الضاحية الجنوبية من بيروت وتَزامُن هذا الاعتداء مع ذكرى الاستقلال دليل آخر على أنها لا تأبه للدعوات المتكررة لوقف اعتداءاتها على لبنان وترفض تطبيق القرارات الدولية وكل المساعي والمبادرات المطروحة لوضع حد للتصعيد وإعادة الاستقرار ليس فقط إلى لبنان بل إلى المنطقة كلها». وأضاف «ان لبنان الذي التزم وقف الأعمال العدائية منذ ما يقارب سنة حتى اليوم، وقدّم المبادرة تلو المبادرة، يجدد دعوته للمجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤوليته ويتدخل بقوة وبجدية لوقف الاعتداءات على لبنان وشعبه منعاً لأي تدهور يعيد التوتر إلى المنطقة من جهة، وحقناً لمزيد من الدماء من جهة أخرى». وأشار رئيس الحكومة نواف سلام إلى «ان الاعتداء على الضاحية الجنوبية يتطلب توحيد كل الجهود خلف الدولة ومؤسساتها». ورأى سلام «أنّ حماية اللبنانيين ومنْع انزلاق البلاد إلى مسارات خطرة هي أولوية الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة. فهي ستواصل العمل بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة، من أجل حماية اللبنانيين، ومنع أيّ تصعيد مفتوح، وبما يضمن ووقف اعتداءات إسرائيل وانسحابها من ارضنا، وعودة أسرانا». وأضاف «لقد أثبتت التجارب أنّ الطريق الوحيد لترسيخ الاستقرار يمرّ عبر التطبيق الكامل للقرار 1701، وبس».

«حزب الله»: العدوان خرق واضح للخط الأحمر

في أول إشارة من «حزب الله» إلى ما «قد يكون» بعد استهداف قائده العسكري هيثم علي طبطبائي، أكّد نائب رئيس مكتبه السياسي محمود قماطي أنّ «المقاومة هي مَن تقرر كيفية الرد على هذا العدوان»، موضحاً أنّ «القيادة تدرس الخيارات كافة وستتخذ القرار المناسب في الوقت الذي تراه ملائماً». وشدد من موقع الاغتيال على أنّ الاتفاقات مع إسرائيل «عديمة الفائدة» وأنّ كل الاحتمالات تبقى مفتوحة بعد هذا الهجوم، موضحاً «أنّ الغارة على الضاحية الجنوبية استهدفت شخصية جهادية بارزة»، لم يسمّها.وقال إنّ «هذا العدوان يشكل خرقاً واضحاً للخط الأحمر ويفتح الباب أمام تصعيد قد يطول كلّ لبنان»، مشيراً إلى التزام التنسيق الكامل مع الدولة والجيش اللبناني.


من هو هيثم علي طبطبائي؟

هيثم علي طبطبائي، والمعروف أيضاً باسم أبوعلي طبطبائي، هو القائد السابق لوحدة «الرضوان» الخاصة التي شاركت بالعمليات العسكرية في سوريا واليمن.

وبينما وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه «الرجل الثاني» في «حزب الله» بعد الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، نقل مراسل «الجزيرة» في بيروت عن مصادر من داخل الحزب أنه لا يوجد هذا الوصف لديهم، وأن المقصود هو قيادي عسكري بارز.

ووفقاً للمعلومات المتداولة عن طبطبائي، يعتبر أحد مهندسي قوات النخبة، وشارك في الحرب السورية على محاور قتالية عدة، وسعى لاحقاً لتعزيز الحضور الميداني للحزب في جنوب سوريا، وقد حاولت إسرائيل اغتياله في القنيطرة قبل نحو 10 سنوات.

وتضيف المعلومات أن طبطبائي كان عاملاً أساسياً في إدارة «حرب الإسناد» في قطاع غزة، ثم حاولت إسرائيل تصفيته بعد اغتيال فؤاد شكر.

وبعد اتفاق وقف إطلاق النار، تولّى القيادة العسكرية للحزب، كما ارتبط اسمه بمحاولات تهريب السلاح عبر خطوط سرّية من سوريا.

وأفاد الإعلام العبري بأن طبطبائي شارك العام الماضي مع محمد حيدر، في إعادة تأهيل وتعزيز القدرات العسكرية للحزب.

وكان برنامج «مكافآت من أجل العدالة» الأميركي رصد مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل معلومات عن طبطبائي، مشيراً إلى أن الأعمال قام بها في سوريا واليمن ما هي إلا جزء من جهد أكبر يبذله الحزب لتوفير التدريب والعتاد والجنود لدعم أنشطته الإقليمية لزعزعة الاستقرار.