إضراب القطاع الخاص "فشِل": ترويض الأساتذة بدولارات الأهل

رغم أن الإضراب التحذيري، الذي نفذته نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، لم يكن بقدر تطلعات النقابة، نظراً لعدم التزام مدارس عدة به، إلا أن الضغوط التي مارسها اتحاد المدارس الخاصة على الهيئات التعليمية لعدم إنجاح الإضراب، لا يعني أن الأزمة الحالية في القطاع التربوي انتهت، بغالب ومغلوب. فالأساتذة سيواصلون احتجاجهم بالطرق كافة، خصوصاً في ظل تمنع إدارات مدارس عدة عن دفع أي مساهمة مالية لدعم الأساتذة. والمدارس لن تجد إلا جيوب أهالي الطلاب لدفع أي مساهمة. ومرد ذلك إلى وجود فوضى في كيفية تعامل وزارة التربية مع هذا القطاع الحيوي الذي يهم الغالبية الساحقة للبنانيين.


عدم نجاح الإضراب
نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة نعمة محفوظ أكد لـ"المدن" أن النقابة لن تلجأ إلى الإضراب المفتوح في الوقت الحالي. فالإضراب التحذيري الذي نفذته النقابة اليوم لم يكن ناجحاً بسبب الضغوط التي مارسها اتحاد المدارس على الهيئات التعليمية. فقد كان الإضراب ناجحاً في مناطق الأطراف، أما في بيروت وجبل لبنان فنسبة تجاوب الهيئات التعليمية لم تكن جيدة. حتى أن إدارات مدارس أبلغت الأساتذة أنها ستزيد نسبة الدولار في رواتبهم عشية الإضراب. 

وأضاف محفوظ أن لجوء مدارس إلى رفع رواتب المعلمين يعني أن سلاح الإضراب كان فعالاً وأمّن لهؤلاء الأساتذة مداخيل إضافية. لكن عدم تضامن الهيئات التعليمية مع زملائهم في المدارس التي لا تدفع أي مبلغ بالدولار أمر معيب، يقول محفوظ، مضيفاً أن النقابة تتجه إلى عدم الدعوة لإضراب مفتوح إلا في المدارس التي لم تمنح أساتذتها حتى الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. فهناك نحو عشرين بالمئة من المدارس لا تدفع ولو دولار واحد للأساتذة.

ضغوط على الأساتذة
تضامنت مدارس كبرى مع نقابة المعلمين، كما حصل في مدارس البعثات الفرنسية في بيروت، حيث لجأت الهيئات التعليمية إلى الإضراب. والسبب أن الهيئات التعليمية في هذه المدارس منظمة نقابياً ولديها لجان فاعلة. أما في مدارس اتحاد المدارس الخاصة (الانجيليات والمدارس الكاثوليكية والانطونيات والمقاصد وغيرها) فلم تلتزم الهيئات التعليمية بالإضراب، إما بسبب الضغوط المباشرة التي تمارس على الأساتذة أو للجوء العديد من المدارس إلى رفع قيمة مساهمتها للأساتذة. فكان الإضراب قد شمل بعض المدارس في الاتحاد فقط لا غير.

ورغم أن الإضراب لم يكن عاماً، إلا أن أهالي الطلاب يتوجسون لدى سماع كلمة إضراب. فالمدارس ترحل أزمتها مع الهيئات التعليمية من خلال رفع الأقساط، والتي باتت حالياً تسمى مساهمات الأهل. وقد علا صراخ الأهل بعد إعلان الإضراب، خصوصاً أن الإضراب الفائت، الذي امتد ليوم واحد ترافق مع طلب المدارس رفع مساهمات الأهل بالدولار. وتراوحت نسبة الزيادة التي طلبتها المدارس بالدولار بين 50 و300 دولار.

الوزارة غائبة عن السمع
وتشير رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور، لما الطويل، إلى أن الأساتذة محقون بمطالبهم بتحسين رواتبهم، لكن المشكلة تبدأ في إدارات المدارس التي تريد تكديس الأرباح في ظل الانهيار الحالي. فلا يمكن قراءة رفض إدارات المدارس التدقيق في الميزانيات لتحديد الأقساط رواتب المعلمين، إلا أنها تريد الحفاظ على أرباح، في وقت بات جزء كبير من اللبنانيين يرزحون في الفقر.
وتشرح الطويل، أن المدارس تأخذ إضراب المعلمين ذريعة لرفع الأقساط، وتواصل غيّها في رفض التدقيق في الميزانيات، وتستعين بلجان أهالي غب الطلب، فيما وزارة التربية غائبة عن السمع.
وأضافت الطويل أن اتحاد لجان الأهل دعا النقيب محفوظ منذ البداية إلى التعاون من أجل ممارسة ضغوط على إدارات المدارس، للكشف عن ميزانياتها. لكن مشكلة نقابة المعلمين أنها تتطلع لتحقيق مطالب الأساتذة بمعزل عن مشاكل لجان الأهل مع المدارس بما يتعلق بالأقساط.

العام المقبل قنبلة موقوتة
لجان الأهل تدرك أن هناك مدارس متعثرة حيال ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مئة ألف ليرة، لكن أي زيادة يفترض أن يسبقها قبول المدارس بالكشف والتدقيق في الميزانيات، تؤكد الطويل. وتضيف أن لجان الأهل حذرت مرارا من التلاعب الذي تمارسه إدارات المدارس، عبر إنشاء صناديق خاصة غير خاضعة لرقابة الأهل، ولا تخضع لأي تدقيق في مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية.
في ظل الأزمة الوجودية التي يعاني منها اللبنانيون، دفنت إدارات المدارس ووزارة التربية رأسهما بالرمال غير عابئين بمصير مئات آلاف الطلاب. فالعام الدراسي الحالي شارف على الانتهاء، وصرخة الأهل الحقيقة ستطلق في غضون نهاية الشهر المقبل، أي عندما تبدأ المدارس بمراسلة الأهالي حول أقساط العام الدراسي المقبل. فمسار الأمور لا يبشر بالخير حيال الجشع الذي ظهر هذا العام. ففي ظل الفوضى التي تعم القطاع الرسمي، والتي أدت إلى لجوء الطلاب المدارس الرسمية إلى القطاع الخاص، إلى أين سينزح الطلاب العام المقبل، عندما تصبح أقساط المدارس الخاصة حكراً على الأغنياء؟