المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جومانة زغيب
السبت 14 حزيران 2025 07:10:55
زمن العجائب العسكرية والأمنية مستمر بفصل جديد، ولو كان المرتكب هو "الشيطان الأصغر" بحسب التسمية الإيرانية لإسرائيل، باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية هي "الشيطان الأكبر". على أن الكلام على انعدام التنسيق بينهما غير صحيح ويجافي الحقيقة، فالأميركيون في الأساس، أوحوا لأكثر من سياسي لبناني على علاقة جيدة معهم، بأن الضربة الكبيرة إذا كان لا بد منها لإيران، فستنفذها إسرائيل، مع دعم استخباري ولوجستي أميركي واستعداد للتدخل عند بروز أي صعوبة أو تعثر.
واعتراف واشنطن بأنها أُبلغت مسبقاً بالضربة يكفي للتأكيد على دور أميركي مساند، علماً أن الأميركيين أكدوا دائماً أن الهدف من التفاوض مع إيران هو ثلاثة أمور:
أولاً: وقف البرنامج النووي الإيراني لجهة القدرة على التخصيب بما يقود إلى إنتاج قنبلة نووية، وقد وضع الرئيس دونالد ترامب هامشين لهذه المسألة، إما حصر التخصيب بعد تخفيض نسبته بإنتاج الطاقة لأغراض سلمية، وإما منع التخصيب كلياً.
ثانياً: تخلي إيران عن صواريخها الباليستية بعيدة ومتوسطة المدى، بشكل تحتفظ فيه بصواريخ لا يتخطى مداها 800 أو ألف كيلومتر، مما يعني عدم قدرتها على استهداف إسرائيل ودول أوروبية عدة.
ثالثاً: تخلي إيران عن أذرعها العسكرية في الشرق الأوسط، بما يعنيه من وقف الدعم لها بالسلاح والذخائر والمال والخدمات الأمنية، ومن أبرزها "حزب الله" اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق.
وفي الواقع من الواضح أن إسرائيل نفذت وتنفذ عملياً الأجندة الأميركية التي تتفق على أولوياتها مع الأميركيين. وبحسب أوساط دبلوماسية غربية، فإن المسؤولين الإيرانيين لم يصدّقوا التحذيرات الأميركية المتكررة، بل حاولوا أخيراً اللعب على الحافة، اعتقاداً منهم أنه لا يمكن تنفيذ ضربة كبيرة في العمق، بل سيتم الاكتفاء بضربات موضعية محدودة نسبياً لجر طهران إلى تليين موقفها التفاوضي.
وبحسب الأوساط، فإن إيران ذهبت بعيداً في رهانها على تحدي أميركا وإسرائيل، علماً أن الإيرانيين يعرفون جيداً أن البلدين لم يقصدا مرة تدمير إيران وإسقاط النظام فيها، بل حاولا، ولا سيما الولايات المتحدة إقناع إيران بأنها تخطت حدود النفوذ المسموح بأشواط، وأن فترات السماح الطويلة انتهت. فالتسليم بقوة إقليمية مهمة لا يمثل مشكلة، طالما أن هذه القوة هي للحماية الذاتية وليس للتورط في صراعات عسكرية بشكل مباشر وغير مباشر، كما أن إسرائيل لم تكن منزعجة أحياناً كثيرة من التوجهات الإيرانية التي كانت تركز على الصراع مع دول عربية عدة أكثر منها مع إسرائيل، لكن انكشاف الدور الإسرائيلي في عملية طوفان الأقصى، دفع الأميركيين والإسرائيليين إلى مراجعة مواقفهم، علماً أن تورط "حزب الله" تحت شعار إسناد غزة ساهم في مضاعفة الاقتناع الأميركي الإسرائيلي بضرورة وضع حد للنفوذ الإيراني.
وتشير الأوساط، إلى أن العملية الإسرائيلية ليست بنت ساعتها، وأنه تم الإعداد لها منذ فترة لا بأس بها، وتلفت إلى أنه كان ينبغي لإيران الاتعاظ مما حصل لـ "حماس" و"حزب الله"، والتصرف بشكل عقلاني أكبر، فما كان متاحاً لإيران قبل الضربة ومن خلال التفاوض، كان أهم ما سيتبقى لها لتفاوض عليه. ولا تستبعد الأوساط الدبلوماسية أن يتحرك الشارع الإيراني تعبيراً عن تعبه وغضبه من سلطة لم تهتم إلا بالتوسع الخارجي، ودعم قوى سياسية وعسكرية في دول عدة، على حساب الخزينة الإيرانية ومصالح الإيرانيين المنهكين.
أما في ما خص "حزب الله"، فكبار المسؤولين فيه يدركون في قرارة أنفسهم أن الزمن إلى مزيد من التحول، وأن الرهان على الاحتفاظ بالسلاح بات رهاناً ضعيفاً، وإن حاول "الحزب" شراء الوقت، واتباع أساليب تهويلية واستعجال الحصول على مكاسب تعزز موقعه في الدولة، كتعويض عن تخليه عن السلاح. ولذلك، آن الأوان لـ "حزب الله" كي يستمع بدوره إلى صوت العقل، وأن يعرف أن عرقلة مسيرة الدولة لاستعادة سيادتها الكاملة على قرارها وأراضيها لا يمكن أن تنكفئ.
ومن الطبيعي أن يتولى الرئيس نبيه بري دوراً أكبر في مسألة "حزب الله" ونفوذه وسلاحه، ولكن عليه أن يدرك أن الخلطات السحرية والأرانب لم تعد بالفاعلية ذاتها، خصوصاً وأن دوره التقليدي دونه تساؤلات باعتبار أن حصرية السلاح لا يمكن أن تتم على قاعدة المقايضة، وأن الإصلاح الجدي لا يمكن أن تتم مقاربته بالشكل المعهود، على أساس الترقيع والتسويات والمحاصصات، ويبدو أن في الجعبة الأميركية بعض الملفات المحرجة.