استباقاً لمعرض صوَر: وزارة الطاقة تخفي قاذوراتها وتنظّف حمّاماتها

هل نظلم الوزارات في لبنان إن قلنا أنّ حالتها من حالة مراحيضها؟ تشبيه مقزز ربما، لكن فرضته روائح الفساد في مؤسسات الدولة، والتي تطغى حتى على روائح قذارة "دورات المياه" فيها، المهملة لأسابيع وأشهر وتعاني من انقطاع المياه، وهو ما حوّل مبنى وزارة الطاقة والمياه، حرفياً لـ"حمّام مقطوعة مياهه". لكن، ولحسن حظ اللبنانيين واللبنانيات، لن تطلب وزارة الطاقة "سلفة خزينة" لإمداد حمامات الوزارة بالمياه. فاليونيسف لبّت النداء!

قرر وزير الطاقة وليد فياض القيام بـ"حملة نظافة" في الوزارة أخيراً، ليس من أجل ضمان سلامة موظفيها، بل لإخفاء "القذارة" المتراكمة في مبنى الوزارة، أمام "الأجانب"، من سفراء وجهات مانحة، في "معرض الصور" حول مشاريع المياه في لبنان، الذي تقيمه اليونيسف في مبنى الوزارة الثلاثاء المقبل، ربما خشية من أن تشمّ الجهات المانحة "الرائحة" فتهرب، وتهرب معها مشاريع المياه المقبلة، والأموال.

قد يقول أحدهم بعد قراءة السطور الآتية، "اللغة... ثم اللغة"، لكنّ -عذراً- فللأشياء مسميات لا يمكن تجاوزها. فكيف نشرح للبنانيين أن موظفي وزارة الطاقة ممتنعون عن "قضاء حاجتهم" خلال دوام عملهم في الوزارة من شدة تلوث مراحيضها؟ وهم لذلك يداومون ساعتين فقط؟ وهو ما ينعكس كذلك تقصيراً بتلبية "حاجات" المواطن من معاملات؟

وانطلاقاً من مبدأ عرض "الصورة قبل المعرض" و"الصورة أثناء المعرض"، هناك واقع القذارة التي يجري إخفاؤها بتأنّ، في وزارة تعيش على القروض وسلف الخزينة وتمويل مصرف لبنان، وتكلف الدولة العجز الأكبر بين الوزارات، ويختصر الوزير صورتها بـ"تبييض" جدرانها ومراحيضها، وليس بتحسين الأداء.

صور نمتنع عن نشرها
حصلت "المدن" على صور حديثة للورشة القائمة، تقابلها صور حالة دورات المياه وسلال المهملات في مبنى وزارة الطاقة والمياه في بيروت، والتي تظهر أنّ القذارة ليست بجديدة، بل نتاج تراكم أسابيع وربما أشهر، فمغاسل دورات المياه أكلها الغبار، ومضى عليها -بلا مياه- زمن.

والتحفظ عن نشر صور وردتنا، حرصاً على عدم خدش الذوق العام، لا يلغي خدش كرامات موظفي الوزارة، مع ظروف عمل تهدد أبسط حقوقهم الانسانية، بالعمل في بيئة يتعذر عليهم فيها استخدام دورة المياه.

حملة نظافة وكهرباء 24/24
"حملة النظافة" بدأت في الوزارة منذ يومين، وتنتهي قبل يوم من المعرض، وبدأ الكنس والمسح ويحكى عن "طرش" جدران الوزارة في "جناح" المعرض، ليليق بـ"صور" مشاريع اليونيسف في الوزارة.

وعمّم وزير الطاقة وليد فياض، على المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية، المديرية العامة للاستثمار، المديرية العامة للنفط، واللجنة المشتركة للصيانة، "لمواكبة الأعمال التحضيرية لمعرض الصور حول مشاريع المياه الذي تعده منظمة اليونيسف مع KFW" (بنك التنمية الألمانيّ).

ويبدو أنّ الوزير، انتهز المعرض كفرصة لـ"المونة" على اليونيسف بتنظيف الوزارة وإجراء الإصلاحات اللازمة، على قاعدة أن على مبنى الوزارة أن يليق باليونيسف ومعرض صور مشاريعها. 

الوزير المتجاهل لظروف عمل الموظفين القاسية، حيث يعملون بلا كهرباء وماء في مبنى وزارة الطاقة، مع الانقطاع شبه المستمر للمياه عن بيروت، طلب من المديريات المعنية "تقديم التسهيلات المطلوبة بغية السماح لفرق العمل والمتعهدين من قبل اليونيسف بالدخول الى حرم الوزارة" من تاريخ 25 تموز ولغاية الثاني من آب المقبل، أي قبل يوم من المعرض، "بغية القيام بكافة التصليحات والتنظيفات المطلوبة أثناء وخارج الدوام كما وتأمين التيار الكهربائي والمياه طيلة فترة التحضيرات وخلال المعرض وذلك حين تدعو الحاجة".

هكذا وبلمح البصر، تأمنت المياه والكهرباء في وزارة الطاقة 24/24 والعمل أثناء الدوام وبعده جار على قدم وساق بهدف تلميع صورة الوزارة والوزير.

الصورة.. أهم من موظفي الوزارة
إلا أنّ ورشة النظافة التي ستبيض فيها الوزارة "صفحتها" لأيام أمام الكاميرات والمانحين، سوّدت صفحة الوزير مع موظفي الوزارة.

"صورة في المعرض أهم من موظف لدى الوزير"، يقول أحدهم، مضيفاً، "لا يكفي تدهور رواتبنا، لتهدد صحتنا باستخدام دورة مياه ملوثة منذ قرابة العام، ولم يكن ينقص نفسيتنا المحبطة إلا تنظيف الوزارة، ليس لأجلنا، بل لأجل التقاط صور تضم إنجازات الوزارة والوزير، في قمة الإهانة لكراماتنا كموظفين".
فأكثر ما يحبط موظفي الوزارة، هو معرفتهم المسبقة بأنه ما إن تنطفئ كاميرات الإعلام عن "معرض الصور"، حتى تعود روائح الاهمال لمبنى الوزارة، وتعود وزارة الطاقة والمياه بلا طاقة وبلا مياه، بانتظار "معرض صور" آخر، وهم في السياق يدعون المدعوّين لمعرض الصور "للسير أبعد منه خطوتين في الوزارة حيث لا ورشة تنظيف، ليروا ظروف عملنا المأساوية، بعيدا عن محاولات التلميع".

الوزارات كلها
والواقع غير الصحي في وزارة الطاقة، تعاني منه غالبية الوزارات في لبنان منذ الانهيار وتقلص ميزانياتها. أما تنظيف جدران الوزارة من الخارج، فيشبه حملة "اهلا بهالطلة أهلا" لوزارة السياحة، أو "بيروت عاصمة الإعلام العربي" لوزارة الإعلام، أو "بيروت عاصمة الشباب العربي" لوزارة الشباب والرياضة.. وكلها حملات وزارية تدّعي بأن الوزارات بخير.

فالأزمات في الوزارات متراكمة كالقمامة فيها في ظل تحلل مؤسسات الدولة وتغييب الإصلاحات. أما تنظيف جدران الوزارة، فقد يمحو اسودادها، لكنه لا يمحو تاريخاً أسود من الفساد والهدر في وزارة الطاقة والمياه، هدر يفوق 50 مليار دولار.