المصدر: النهار
الكاتب: خيرالله خيرالله
الأربعاء 3 كانون الاول 2025 08:04:04
يعطي الكلام الأخير الذي صدر عن نعيم قاسم الأمين العام لـ"حزب الله" فكرة عن الدور الذي لعبه الحزب من خلال أشخاص مثل هيثم علي طبطبائي خارج الحدود اللبنانية وخارج المواجهة مع إسرائيل... هذا إذا كان يمكن الحديث عن مواجهة، بمقدار الحديث عن "قواعد اشتباك" متفق عليها.
اعترف خليفة حسن نصرالله بأنّ طبطبائي، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت، كان في اليمن بين 2015 و2024، وأنّه قاتل أيضاً في سوريا دفاعاً عن النظام الأقلّوي الذي ورثه بشّار الأسد عن والده. سقط النظام العلوي قبل سنة. لم ينفع التورط المباشر للحزب في الحرب على الشعب السوري سوى في خلق حال من العداء بين أكثرية السوريين وفئة لبنانيّة وضعت نفسها في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني، السعيد الذكر.
كانت المرّة الأولى التي يلمّح فيها الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح إلى الدور الإيراني في دعم الحوثيين صيف العام 2004. كان ذلك في حديث أجريته معه ونشر في وسائل إعلام عربيّة عدة، كان بينها صحيفة "المستقبل" اللبنانيّة، التي توقفت لاحقاً عن الصدور. تطرّق الرئيس اليمني الراحل الذي اغتاله الحوثيون في مثل هذه الأيّام قبل ثماني سنوات إلى العلاقة بين "حزب الله" والحوثيين أيضاً، وهي علاقة يبدو أنّها كانت قديمة. بعد أسابيع قليلة من الحديث، في خريف 2004، بدأت الحرب الأولى، من أصل ستة حروب بين الحوثيين والجيش اليمني. استمرت تلك الحروب حتّى 2010، أي إلى ما قبل شهور من الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون على نظام علي عبدالله صالح في شباط 2011، مستغلين "الربيع العربي".
ما يهمّ في التاريخين اللذين وردا على لسان نعيم قاسم، بالنسبة إلى سنوات خدمة طبطبائي في اليمن، أن المسؤول العسكري الكبير في الحزب بدأ نشاطه الواسع في اليمن في 2015، أي في مرحلة ما بعد وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 أيلول 2014. هذا لا يعني أن "الجمهوريّة الإسلاميّة" كانت بعيدة عن اليمن قبل ذلك التاريخ، بمقدار ما يعني أنّها كانت بحاجة إلى التركيز أكثر على تمكين الحوثيين من الإمساك بصنعاء. كذلك، لا يعني ذلك أنّ طبطبائي كان، مع آخرين، غير معني باليمن قبل 2015.
من هذا المنطلق، تظهر ضرورة جعل شخص بثقل هيثم طبطبائي شبه متفرغ لليمن، على ضوء التطورات التي شهدها ذلك البلد مع النجاح الحوثي في السيطرة على صنعاء. الأهمّ من ذلك كلّه ينكشف الدور الإيراني، مباشرة أو عبر "حزب الله"، في حرق المراحل وصولاً إلى اليوم الذي لم يعد فيه أي طرف في صنعاء يستطيع أن يكون له وزن ما في عمليّة اتخاذ القرار السياسي اليمني، أقلّه في الشمال.
ليس صدفة إذن أن يكون طبطبائي في صنعاء في الفترة التي سبقت احتدام الخلاف بين علي عبدالله صالح والحوثيين، ابتداء من شهر آب من العام 2017، وهي فترة توجت بإعلان الرئيس الراحل رفضه للهيمنة الحوثية في 2 كانون الأوّل 2017. لم تمض أيام إلّا واغتال الحوثيون الرجل الذي كان يمتلك حسابات خاصة به لم تعد تتفق مع "الشراكة" المتفق عليه بينه وبين عبد الملك الحوثي.
لعب "حزب الله" أدواراً كثيرة خارج حدود لبنان. كان جزءاً من استراتيجيّة إيرانية، نفّذها هيثم علي طبطبائي وآخرون غيره، أكان ذلك في سوريا أم في العراق ولبنان نفسه... أم في اليمن. كانت لليمن أهمّية خاصة نظراً إلى أنّه، جغرافياً، جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة. كان تحويله إلى قاعدة صواريخ إيرانية في شبه الجزيرة تلك تأكيداً للدور الإيراني في ابتزاز دول مجلس التعاون الخليجي الواحدة تلو الأخرى.
لم تكن نهاية هيثم علي طبطبائي الإيراني – اللبناني، بالطريقة التي انتهى بها، مجرّد نهاية عادية. مثلت النهاية تلك سقوطاً لمشروع إيراني تبيّن أنّه غير قابل للحياة. كان اليمن، وقبله لبنان، في قلب هذا المشروع الذي بات مصيره على المحكّ على ضوء الحدث السوري، الذي أعاد سوريا إلى السوريين بانتظار اليوم الذي يعود فيه الجزء اليمني المحتل من إيران... إلى اليمنيين!