اكتشاف مذهل بقمر إنسيلادوس: إمكانية وجود حياة

ضمن رحلتهم الطويلة لاكتشاف إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض، توصل علماء الفلك إلى اكتشافٍ جديد غير مسبوق، بتأكيدهم وجود عناصر مطلوبة لنشوء الحياة على أحد الأقمار التابعة لكوكب زحل المعروف باسم "إنسيلادوس"، الغني بعدد من المركبات والمواد العضوية.

أول اكتشاف من نوعه في الفضاء
في حين رصدت الدراسات الفلكية السابقة وجود علامات للعناصر الخمسة اللازمة للحياة في "إنسيلادوس"، ألاّ وهي الكربون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأوكسجين، والكبريت. تفيد الدراسة الجديدة التي نُشرت في مجلة "نايتشر Nature" العلمية المرموقة، بإضافة الفوسفور إلى تلك القائمة، وهو عنصر أساسي للحياة.

وشرح عالم الفلك المشارك في الدراسة، فرانك بوست بيرج، أهمية هذا الاكتشاف بقوله "اتضح وجود سمات كيميائية لكمية كبيرة من الأملاح الفسفورية داخل الجزيئات الجليدية المتناثرة على القمر. وهذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها علماء من اكتشاف عناصر من هذا القبيل خارج كوكب الأرض".

المكان الواعد
يُعدّ الفوسفور جزءاً لا يتجزأ من الحياة على الأرض. إنه ثاني أكثر المعادن وفرة في جسم الإنسان بعد الكالسيوم، وهو مفتاح تكوين العظام والأسنان وأغشية الخلايا والحمض النووي. وهذا العنصر هو جزء من حوالى 550 معدناً مختلفاً على الأرض والعنصر الثاني عشر الأكثر وفرةً في قشرة الكوكب.

لكن حتى الآن، لم يتعرف علماء الفلك على وجود الفوسفور في محيط كوكبٍ آخر. وبالتالي يجعل هذا الاكتشاف من "إنسيلادوس"، حسب عالمة الكواكب كارولين بوركو، قائدة فريق علم التصوير في مهمة "كاسيني" حول مدار زحل بين عاميّ 2004 و 2017، المكان الواعد في نظامنا الشمسي للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض.

مهمة "كاسيني"
حقق العلماء الاكتشاف الجديد بفضل بيانات مركبة "كاسيني" التابعة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، التي أمضت 13 عاماً في استكشاف زحل وأقماره. وانتهت مهمتها بالغوص في أجواء زحل في عام 2017. عندما جمعت "كاسيني" المعلومات، سرعان ما ظهر "إنسيلادوس" كمرشحٍ رائع للدراسة. فهذا القمر مغطى بقشرةٍ جليدية، والانفجارات البركانية عليه تطلق أعمدة من حبيبات الجليد والغازات من خلال الشقوق في قشرته إلى الفضاء. وتشكل هذه المواد المقذوفة الحلقة "E" الخاصة بزحل، لذلك يمكن لـ"كاسيني" التعرف على ما يوجد داخل المحيط الهائل من خلال دراسة تلك الحلقة.

ودرس العلماء بيانات 345 حبة جليدية من الحلقة "E"، واكتشفوا وجود الفوسفات، وهي مركبات كيميائية تحتوي على الفوسفور، في تسعةٍ منها. ليجدوا أيضاً أن تركيزات الفوسفور قد تكون أعلى بمئة مرة في محيط "إنسيلادوس" منها في محيطات الأرض.

وهذا الاكتشاف يدحض العديد من الفرضيات القديمة حول "إنسيلادوس". فبعد أن نشر ماناسفي لينغام، عالم الفيزياء في معهد "فلوريدا للتكنولوجيا"، ورقة بحثية عام 2018 جادلت بناءً على النمذجة بأن المحيطات مثل "إنسيلادوس" سيكون بها فوسفور أقل من كوكب الأرض، عاد ليقول فور انتشار الدراسة الجديدة بأن الاكتشاف يقلب النتائج من نموذجه السابق.

الخطوة التالية
تشير الدراسات الفلكية إلى أن المحيطات في عوالم مماثلة، مثل قمر المشتري يوروبا، يمكن أن تحتوي أيضاً على الفوسفور. ليبقى السؤال الأهم الآن يتمحور بما إذا كان هذا المحيط يحتوي بالفعل على أي حياة.

من هنا تأتي أهمية اكتشاف "إنسيلادوس" عن قرب، ويشرحها كريستوفر غلين، العالم الذي قاد بحوث العمليات الجيوكيميائية في الدراسة قائلاً "بهذا الاكتشاف، بات من المعروف أن محيط إنسيلادوس يلبي ما يُعتبر عموماً أكثر متطلبات الحياة صرامة. الخطوة التالية واضحة، ونحتاج إلى العودة لإنسيلادوس لمعرفة ما إذا كان المحيط صالحاً للسكن أو مأهولاً بالفعل بمخلوقاتٍ لم ترصدها مهمة كاسيني".