الأوراق النقدية الجديدة تعزّز "اقتصاد الكاش"

مرّ اقتراح قانون تعديل قانون النقد والتسليف في البرلمان مرور الكرام. تلهّت وسائل الإعلام في نظيره (تعديل قانون السرية المصرفية) ولم تتلفّت إلى الإجازة التي منحها النواب في تلك الجلسة إلى مصرف لبنان، لطباعة فئات جديدة وكبيرة من الأوراق النقدية.

 

تناول تعديل قانون النقد والتسليف 8 مواد (من المادة 2 إلى 8) وأجاز لمصرف لبنان طباعة أوراق من فئات جديدة "مع الحفاظ على حجم الكتلة النقدية في السوق"... إذ يتوقّع البعض بلا أيّ دليل أو إشارة صريحة من مصرف لبنان، أن يقوم الأخير بطباعة ورقتين هما: ورقة الـ500 ألف، وورقة المليون ليرة لبنانية.

 

هل كانت تلك التعديلات ضرورية؟ هل طباعة فئات أكبر من 100 ألف ليرة مسألة مهمة؟ وما هي الاجراءات وبأيّ مهلة زمنية؟ ما هي السلبيات وكذلك الإيجابيات الناتجة عن ذلك؟

 

 

سلبية واحدة 

بداية، لا بدّ من التذكير بأنّ لبنان مدرج على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي FATF، وكذلك موضوع تحت "مجهر" مراقبة ما يقوم به من أجل مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب. مصرف لبنان والقطاع المصرفي مستثنيان من تلك الإجراءات باعتبار أنّهما يلبيان الشروط، واستطاعا أن يستجيبا لمطالب المنظمة.

 

التقصير يكمن في الإدارة اللبنانية. تحديداً في عمل المؤسسات العامة والوزارات والقضاء، هذه المؤسسات التي تطالبها المنظمة بالتحرّك لمكافحة "اقتصاد الكاش" وليس بطباعة الأموال... وهو ما يُعتبر "دعسة ناقصة" أو انحرافاً عن الخط الإصلاحي المتوقع.

 

قد تكون تلك السلبية الوحيدة (على أهميتها) للتعديل. لكن ثمّة إيجابيات لا بدّ من ذكرها، وهي كالتالي:

 

1. تسهّل على المواطنين (الأفراد والشركات ومحلات الصرافة والمصارف) أساليب الدفع، لأنّها عامل مساعدة على حمل المزيد من الليرات اللبنانية بدلاً من العملات الصعبة (الدولار).

 

2. تعيد الاعتبار إلى الليرة اللبنانية بوصفها "عملة وطنية" وترفع الطلب عليها، لأنّ طباعة الأوراق النقدية الجديدة سيرفع حماسة الناس على حيازتها.

 

3. تزيد من احتياطيات مصرف لبنان، لأنّ الطباعة سوف ترفع الطلب على الليرة اللبنانية بأوراقها الجديدة، وهو ما سيدفع المواطنين نحو استبدال دولاراتهم بتلك الأوراق التي سيتكفل مصرف لبنان بضخها في السوق مقابل حصوله على تلك الدولارات.

 

 

الطباعة ليست قريبة

برغم هذه الإيجابيات، ثمة معوقات. مصادر مصرف لبنان تؤكد لـ"نداء الوطن" أنّ طباعة أوراق نقدية جديدة "ليست أمراً سهلاً وقد تستغرق قرابة سنة وأكثر"، وذلك في حال قرر مصرف لبنان السير بهذا الأمر اعتباراً من اليوم. بداية، فإنّ عملية الطباعة بحاجة إلى "تصميم الأوراق النقدية وتحديد الكميات المطلوبة". ثم وضع دفتر شروط لتنظيم مناقصة تتقدم إليها الشركات المختصة لاختيار السعر الأفضل. العملية كلّها بحسب مصادر المركزي "يُفترض أن تخضع لقانون الشراء العام"، الذي تعتبره المؤسسات الرقابية الدولية "حجر زاوية" في عملية الإصلاح وضبط الإنفاق العام.

 

بعد إتمام كل تلك الإجراءات، سوف يكون المصرف المركزي مضطراً إلى "حجز دور له في المطبعة التي تكون غالباً أجنبية" (آخر شركة تعامل معها مصرف لبنان كانت روسية) لأنّ "مواصفات الأمان تحتاج لتقنيات حديثة تمنع عملية تزوير العملة".

 

 

هل هناك حلول أفضل؟

إذاً، الأمر لن يحصل قريباً ولا سريعاً مثلما يظنّ البعض. كما أنّ التعديلات الأخيرة بموجب القانون ليست فرضاً واجباً على مصرف لبنان تنفيذها بمجرد إقرارها. ربما يرتئي المصرف المركزي السير بآلية مختلفة. لأنّ الطباعة تعني حكماً تسهيل التعامل بـ"الكاش"، أي تعزيز الاقتصاد النقدي الذي نشكو منه ولبنان مطالب بمكافحته. صحيح أنّ الخطوة تبدو منطقية ومبرّرة في ظلّ شلل القطاع المصرفي وامتناع المواطنين عن استخدام القطاع في تعاملاتهم التجارية، إلاّ أنّ الحلول تتطلب أساليب أخرى أكثر ابتكاراً، كي تلبي 3 شروط:

 

1. تسهيل أمور المواطنين اللبنانيين.

 

2. مكافحة اقتصاد الكاش.

 

3. تحاشي التلاعب بسعر الصرف والتضخّم.

 

 

ماذا عن "الليرة الرقمية"؟

طباعة الفئات الجديدة، بمعزل إن كانت 500 ألف أو مليون أو 5 ملايين، تلبي شرطاً واحداً من ثلاثة أعلاه (تسهيل أمور المواطنين) لكنّها لا تساهم في مكافحة "اقتصاد الكاش" ولا تتحاشى التضخّم أو التلاعب بسعر الصرف. قد تكون الخطوة الأكثر أماناً وتلبية للشروط الثلاثة أعلاه، هي "الليرة الرقمية" أو "الليرة الإلكترونية" التي لا تحتاج لطباعة أوراق، بل كل ما تحتاجه هو تطبيق أو Application يصدره مصرف لبنان ويفرضه على الجميع من خلال استخدامه لها من خلال دفع التزامات الدولة بواسطتها... فتكرّ السبحة.

 

"الليرة الرقمية" كفيلة بضبط "اقتصاد الكاش"، وتعزيز دور الليرة اللبنانية كعملة وطنية. تمنع "الليرة الرقمية" المضاربات، وتحفّز مصرف لبنان على تجفيف الليرات النقدية في السوق لحدود 70 أو 80 %، ليقتصر استخدامها على الضرورات فقط.

 

هذه الآلية يُفترض أن تدفع وزارة المالية ومصرف لبنان إلى التخلّي عن دفع رواتب القطاع العام بالدولار، وإنما دفعها رقمياً بالليرة بواسطة محافظ إلكترونية على الهواتف الذكية وعبر تطبيق يرعى إنشاءه مصرف لبنان.

 

قد يقول البعض ولماذا إنشاء منصة جديدة طالما أنّ هناك قرابة 13 منصة خاصة؟ ألا يمكن استخدامها لضبط الأوراق النقدية واستخدامها بالدفع؟ أو لماذا لا يتمّ الاعتماد على البطاقات المصرفية البلاستيكية بشكل أكثر فعالية وأكثر انتشاراً؟

 

الإجابة على هذه التساؤلات بسيطة:

 

1. المحافظ الإلكترونية المنتشرة في السوق اللبناني وغيرها غير مترابطة ولا يمكن استخدامها في جميع نقاط البيع والدفع.

 

2. أموال تلك المحافظ لا يمكن تحويلها من محفظة إلى أخرى مختلفة.

 

3. التعامل فيها يحتاج إلى إيداع أموال "كاش" (بالليرة أو بالدولار لا فرق) مما يعني أنّها عنوان مموّه لـ"اقتصاد الكاش".

 

4. البطاقات البلاستيكية الصادرة عن المصارف يحتاج أغلبها لفتح حساب Fresh جديد وهو أمر غير متاح أو سهل في كل المصارف.

 

قد تكون تلك، عملية سرد لسلبيات وإيجابيات طباعة العملة، مع طرح فكرة مبتكرة لحلّ "أكثر فعالية". لكن القرار في النتيجة متروك لإدارة مصرف لبنان...