الإتفاق المشبوه

في البداية لا اختلاف على أي إتفاق يصب في مصلحة لبنان يرفع من شأنه ويعوّض إزدهاره، ولا من نكد سياسي حول الموضوع سوى مقاربته من ناحية موضوعية واعتراض بنّاء.
تحوم حول الإتفاق منذ بدء المفاوضات علامات تثير الشبهات وتطرح التساؤلات، لا مغفرة من السكوت عنها أو عدم إيجاد مبررات عنها من الأطراف اللبنانية التي فاوضت.
أبحر مسار ترسيم الحدود البحرية اللبنانية/الإسرائيلية مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين المولود في إسرائيل والعسكري السابق في صفوف الجيش الإسرائيلي، فكانت الشبهة الأولى، إذ سيكون الوسيط منحازًا لطرف أكثر من طرف.
ثانياً، أكد الرئيس عون في بيان له في 13/10/2020، أن التفاوض سيكون على الخط 29 الذي وضعته قيادة الجيش، انطلاقاً من رأس الناقورة، وقابله رأي من هيئة التشريع والاستشارات يؤكد ان الخط 23 خطأ ويجب ان يعدّل، وفي 28/1/2021 اعطى عون توجيهاته لإبلاغ الامم المتحدة ان كاريش منطقة متنازع عليها، واذا لم يأخذ لبنان حقوقه سيرسل تعديل للمرسوم 6433 الى الامم المتحدة، ليأتي يوم 12/2/2021، ويصرح فيه "فجأة"، لصحيفة "الاخبار"، ان الذي طرح الخط 29 كان من دون برهان، وان خطنا هو الخط 23، مع العلم ان قيادة الجيش أرسلت وثائق تثبت علمية الخط 29 مع الوفد العسكري المفاوض. بت الإتفاق ولم يعدل المرسوم، طار الخط 29 وخسر لبنان 1434 كلم2 من منطقة تحتوي على ثروة نفطية مثبتة، بالإضافة إلى بقاء خط الطفافات ضمن حدودنا وهو ثغرة قد تؤثر على الحدود البرية لاحقاً، بالإضافة أننا لم نثبت لبنانية رأس الناقورة. حتى اليوم نجهل سبب التراجع عن المطالبة بالخط 29 وهذا يكون شبهة ثانية على خاصرة الإتفاق.
ثالثاً، إنتهاكٌ فاضح للدستور اللبناني بحيث تنص المادة 52 منه على تولي رئيس الجمهورية التفاوض، كما وأيضاً تنص على أن المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، "لا يمكن إبرامها" إلا بعد موافقة مجلس النواب، الذي غاب عنه الإتفاق والمسار الذي سلكه في المفاوضات، وباتت أغلبية النواب تجهل مضمون الإتفاق سوى النواب المقربين من الرئيس عون.
بينما في المقابل سيعرض الإتفاق على الكنيست الإسرائيلي للمصادقة عليه وسلوكه الطريق الصحيح قبل التوقيع. إذاً القفز فوق مجلس النواب أمرٌ يثير الشك عما يشمل الإتفاق، وما القطبة المخفية التي يخشون من أن يفضحها نواب المعارضة؟
رابعاً، جاهر البعض أننا فرضنا معادلة "كاريش مقابل قانا"، قد تكون معادلة، لكن علامَ إرتكزت؟
كاريش حقل منقّب مثبت فيه وجود الغاز وبكميات تجارية، بينما حقل قانا لا إثبات من وجود الغاز فيه سوى المراهنة على أن أرض الحقل قريبة من كاريش. بؤس هكذا معادلات وحنكة هكذا مفاوضين، أمن عاقلٍ يشتري سمك بالبحر؟ أيضاً و لسخرية القدر بعد أن سرب نائب إسرائيلي الإتفاق وتمت ترجمته في لبنان، يتبين لنا أن الجانب الإسرائيلي يمتلك السيادة على الجزء الواقع جنوب الخط 23 كما وله تعويضات بنسبة 17 بالمئة من شركة توتال أي أن المردود المالي للحقل ليس كاملاً لخزينة الدولة اللبنانية.
خامساً، كيف لحكومةٍ مستقيلة موكلة تصريف الأعمال وهي لا تحظى بثقة مجلس النواب الجديد أن توقع هكذا إتفاق؟

في المحصلة نعيد ونكرر دعم أي إتفاق يصب في مصلحة لبنان، لكن العمل بطريقة شفافة وأوضح يبعد الشكوك عن الإتفاق ويرفع منسوب ثقة اللبنانيين بالمفاوضات التي جرت. حتى الآن كل شيء يوحي أن المستفيد الأكبر إسرائيل ولبنان المتنازل الأكبر، لكن تحمل الأيام المقبلة خفايا وأسرار الإتفاق كما عودنا الزمن الذي لا تطمس فيه حقيقة إلا ويأتي يوم لإعلانها، فإما تشهد للرئيس عون ما خطته آخر أيام ولايته أم تنصف الأجيال القادمة الرئيس أمين الجميّل الذي خوّن في إتفاق 17 أيار بالرغم من أن حصة لبنان من المياه البحرية حينها أوسع ممّا حصده إتفاق اليوم.
وأخيراً حذارِ من إثبات حقيقة مقايضة جزء من الثروة النفطية مقابل رفع العقوبات عن رجل العهد سلطان باسيل، أم السكوت على السلاح.