المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 8 آب 2025 17:42:29
خسر لبنان نحو خمس سنوات كان يمكن خلالها تدارك انزلاقه إلى أزمة بنيوية تتعاظم كلّما تجاهل المسؤولون عنها ضرورة الإسراع في حلّها. واليوم، تصبح الحاجة أكثر إلحاحاً لتسريع الإصلاح في ظل التحوّلات السياسية والاقتصادية في المنطقة، والتي لن تنتظر سطحية السجالات اللبنانية الداخلية، خصوصاً أنّ الدول العربية، لا سيّما الخليجية منها، منخرطة تماماً في تلك التحوّلات، وهي لم تعد تنظر إلى لبنان بوصفه الطفل المدلّل، بل بوصفه طفلاً مشاكساً يعاند إجراء الإصلاحات الجوهرية واللحاق بتحوّلات المنطقة. فهل تكفي الإصلاحات الراهنة لحجز دور للبنان ضمن تلك التحوّلات؟.
دور المغتربين بالنهوض
يبحث لبنان عن دور له في تحوّلات المنطقة، لكن البحث يبقى قاصراً إذا لم يرتبط بإنجاز الإصلاحات. ورغم إقرار بعض القوانين الإصلاحية، إلاّ أنّ لبنان لم يستطع حتى الآن جذب الاستثمارات بشكل فعّال، وخصوصاً استثمارات المغتربين الذين يبحثون عن فرص في المنطقة انطلاقاً من لبنان.
الانطلاق من لبنان يستوجب ترتيب وضعه الداخلي، وهذا يعني، برأي الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي، وضع "خريطة طريق واضحة تقوم على توفير بيئة محفّزة للاستثمار تعيد الثقة للمودعين وتعيد للمصارف دورها الأساسي وتضع رؤية جديدة للاقتصاد". وتلك الخريطة لا توضَع من دون إصلاح، الذي بدوره "لا ينفع إن لم يكن مدعوماً بإرادة سياسية جامعة، ومن دون إشراك المغتربين الذين شكّلوا على مدى عقود صمام أمان، ليس فقط من خلال التحويلات المالية، بل أيضاً من خلال الحضور السياسي والاقتصادي والثقافي للبنان في العالم".
بين الحديث عن الإصلاح وبين ما يُلتَمَس في الواقع "تبقى التحديات المطروحة أمامنا كثيرة"، وفق ما قاله أبو زكي خلال إطلاق النسخة الرابعة من "مؤتمر الاقتصاد الاغترابي"، الذي عقد في بيروت بمشاركة أكثر من 450 شخصية من لبنان مثّلت 37 دولة حول العالم. وتلك التحديات "تبدأ بالإصلاح المالي والاقتصادي واستعادة الثقة بالمصارف والعملة مروراً بإصلاح القطاع العام والقضاء بما يعيد للدولة حضورها كمرجعية قوية وفاعلة".
وفي الوقت نفسه، فإنّ إتمام الإصلاحات التي تشجّع المغتربين وتجذب استثماراتهم، ستسمح بأن يكون المغترب "مستثمراً وناقِلاً للمعرفة وشريكاً في التخطيط والقرار، فيأتي حاملاً معه فكراً جديداً وشبكة علاقات واسعة وإرادة يخلق من خلالها فرص عمل، ويدعم المشاريع الصغيرة التي تنبض بالحياة في كل منطقة من لبنان"، على حدّ تعبير رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي رأى ضمن كلمته في المؤتمر أنّه "علينا العمل على دبلوماسية اقتصادية جدّية تفتح للبنانيين أبواب العمل والاستثمار، ليس فقط في الخارج، بل أيضاً في لبنان".
التحديات كبيرة
ما يحاول لبنان فعله على المستوى الداخلي، لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تفرضها التحوّلات في المنطقة. ويستحيل على لبنان أن يحجز لنفسه مكاناً في الجانب الاقتصادي لتلك التحوّلات، ما لم يُعِد تفعيل علاقته بالدول العربية لما في ذلك من ترابط بين الداخل والخارج، وهو ما عبر عنه أبو زكي بقوله أنّه "لا يمكن الحديث عن أي خطة تعافٍ من دون إعادة تفعيل العلاقة مع كل الأشقاء العرب". ولذلك يدرك عون أهمية "ربط لبنان بدور إقليمي منتج، من خلال حضوره في عملية إعادة الإعمار والمشاريع الإقليمية والتحولات الكبرى التي تعيد رسم خريطة الاقتصاد بالمنطقة".
هذا الدور الداخلي والإقليمي، لا يكتمل إلاّ بوجود استقرار أمني وسياسي، وهو ما يبحث عنه المغتربون، وفق رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، عباس فواز، الذي قال في حديث لـ"المدن" إنّ "الاستقرار مهم ومطلوب. والمغتربون يدركون واقع لبنان وهُم لا يعتبرونه فندقاً بخمس نجوم، بل وطناً رغم كلّ مشاكله، ولذلك يشاركون منذ عقود في إعادة النهضة للاقتصاد". وربطاً بالدور الإقليمي، رأى فواز أنّ "أهمية المؤتمر الاغترابي تكمن في مشاركة عدد كبير من المغتربين والاقتصاديين، وبحضور رجال أعمال عرب ولبنانيين يعملون في دول خليجية".
المغتربون الذين ساهموا منذ بداية الأزمة في تمويل الدورة الاقتصادية حتّى شكّلت التحويلات نحو 33 في المئة من الناتج المحلّي في العام 2023 ونحو 25.5 في المئة في العام الماضي، يعرفون أنّ متطلّبات الاستثمار هائلة ولا تقف عند الإصلاحات على مستوى القوانين، وهو ما قد يعيق التقدّم على صعيد النهوض الداخلي وعلى صعيد المشاركة في المشاريع الإقليمية.
وبرأي الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين، فإنّ "حجم الإصلاحات غير كافٍ، ونحن نحتاج لإصلاحات أوسع إذا أردنا الدخول إلى مناخ اقتصادي أكبر". وبحسب ما يقول ناصر الدين لـ"المدن"، فإنّ الإصلاحات التي تعمل عليها السلطة السياسية "هي حاجة لبنانية داخلية تعتمد على تشخيص واقع الأزمة وكيفية معالجتها، لكن الدخول إلى المشاريع الاقتصادية في المنطقة، يحتاج أكثر من ذلك". وعلى سبيل المثال، ترتبط المشاريع الكبرى بالتكنولوجيا، وهو ما يفرض على لبنان إصلاحات على صعيد التكنولوجيا والإدارة الإلكترونية والبنية التحتية، خصوصاً في قطاع الاتصالات والإنترنت".
لا يزال الساسة اللبنانيون يشاكسون في ملعب المراهقة السياسية ويظنّون أنّ العالم ينتظرهم كما كان يفعل سابقاً، ويعتقدون أنّ التذاكي ببعض الإصلاحات الشكلية يمرّ عابراً. لكن لا يدرك هؤلاء أنّ التغيير في المنطقة بات "تحصيل حاصل"، وأنّ الدول الكبرى إلى جانب الدول العربية، لن يسمحوا بأن يكون لبنان عثرة أمام التغيير. أمّا إن أراد اللحاق بالواقع الجديد، فعليه إجراء ترتيبات سريعة تتماشى مع الواقع، وإلاّ، سنغرق أكثر، وهو ما لم يقله المغتربون صراحةً، وإنّما عبّروا عنه من خلال التركيز على العلاقات مع الدول العربية والتحوّل التكنولوجي إلى جانب إتمام الإصلاحات الأخرى.