المصدر: نداء الوطن
الكاتب: عامر زين الدين
الخميس 17 تموز 2025 07:31:24
معضلة جفاف المياه في قضاء الشوف الكبيرة التي لا تجد حلًّا وتواجه أبناء المنطقة أسوة بباقي المناطق اللبنانية، تشكل راهنًا الشغل الشاغل للمواطنين، بعدما بلغ تفاقمها الحدود القصوى وتجاوزت الخطوط الحمراء، وذلك مع دق ناقوس خطر الانقطاع شبه التام للمياه في أكثر من مكان، في فترة "عز الصيف" التي تسبق مرحلة الجفاف الأكبر التي تظهر عادة مع نهاية أيلول وبداية "التشارين"، وحتى ذلك الوقت تكون المنطقة دخلت في مدارها الأسوأ على هذا الصعيد.
فحالة الاستنفار العام التي تسيطر على المسؤولين والمرجعيات والسلطات المحلية في مواكبة الجفاف الحاصل، والبحث عن السبل الآيلة إلى التقليل من المخاطر بالحد الأدنى على الأقل، تكاد تكون الأكبر راهنًا، وذلك بموازاة التحدّيات الكبيرة والمخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه جميع اللبنانيين على أكثر من صعيد. فيما البلديات التي بدأت عملها حديثًا بعد الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة تحاول بذل أقصى طاقاتها وإمكانياتها بهذا الصدد، ولعل البارز فيها بدء التوجّه نحو الجهات المانحة للمساعدة على القيام بمشاريع حيوية وتمويل برامج، للحفاظ على الأمن الحياتي ومنها حفر آبار أرتوازية، لطالما كانت طيلة الفترة الماضية من المحرّمات للحفاظ على المخزون الاحتياطي من المياه.
بعقلين: أسبوعان للاجتماعات المكثّفة لوضع خطط مواجهة الجفاف الحاد ونقص المياه
وفي هذا السياق يؤكد رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني – رئيس بلدية بعقلين كامل الغصيني لـ "نداء الوطن" أن الأسبوعين المقبلين سيشهدان اجتماعات مكثّفة مع الفاعليات والمعنيين والأهالي، لوضع الخطط المجدية لمواجهة الخطر الحياتي الداهم، نظرًا إلى كون بلدة بعقلين، مثلًا، التي تحتوي بمفردها على أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية، وهي تعتمد جزئيًّا على مياه الينابيع الأساسية في الشوف، مثل الباروك والصفاء وسواهما، أما الاعتماد الأكبر فهو على آبارها الأرتوازية وبعض الينابيع القديمة في البلدة، والتي لم تعد تكفي في ظلّ مرحلة النقص الحاد في المياه التي طالت الآبار أيضًا، وفي ظل عشرات الآبار الجوفية التابعة للمزارعين".
ما هو حاصل في بعقلين ينطبق على دير القمر المجاورة والموازية لها حجمًا، والتي تعاني من شحّ المياه، وذلك في ظل كثرة الآبار الأرتوازية الخاصة كما هو الحال في بعقلين، مما أثّر كثيرًا على المخزون المائي الجوفي، الذي يُعتمد عليه عادة كمخزون احتياطي، أسوة بعدد كبير من بلدات وقرى الشوف، بين الشوفين الأوسط والساحلي.
رسائل الشكاوى: انقطاع المياه عن أحياء وغياب المعايير والتوزيع العادل والعدّدات
وتلقت "نداء الوطن" من مواطنين في عدد من قرى وبلدات الشوف سلسلة رسائل يشير فيها أصحابها إلى شكاوى مختلفة، تمحورت في مجملها حول عدم انتظام توزيع المياه على القرى، غياب العدالة في بعض الأحيان، والتجاوزات الحاصلة في ما خصّ "العدّادات" للمشتركين، التي تتطلب الفحص والتدقيق وطبيعة حقوق الأفراد في هذا المجال، وصولًا إلى اتهامات بالتعديات على الشبكة وسوى ذلك... إلخ.
رؤساء بلديات: على الدولة والمعنيين توفير البدائل
رؤساء بلديات ومجالس بلدية واختيارية في الشوف الأوسط يشكون أمام عدد من المراجع المسؤولة والمعنيين، مما يعتبرونه غبنًا لاحقًا بقراهم أحيانًا لمصلحة قرى أخرى، رغم الإقرار بحالة الجفاف الحاصلة والشحّ الكبير على مستوى المياه، لأنه حتى البرك الاصطناعية لتجميع مياه الشتاء لم تمتلئ كفاية هذا العام، بعد غياب الأمطار واضمحلال المجاري المائية التي تشكل الرافد الأساسي للتغذية، والبحث المشترك عن السبل الآيلة إلى توفير الحد الأدنى من كميات المياه، أقله لتمرير فصل الصيف، كما يقول عدد من رؤساء البلديات في هذا الصدد. بينما يضع العديد منهم المسؤولية على الدولة والمسؤولين، باعتبار أن الهمّ مشترك والجميع مسؤول، وعلينا توفير البدائل المجدية للمواطنين، خاصة الذين ليس بمقدورهم شراء المياه. علمًا أن الخزان الذي يتّسع لحوالى 10 براميل يباع بسعر يتراوح بين 20 إلى 25 دولارًا، والكثير من أصحاب الصهاريج لا يردّون على الناس، نظرًا لحجم الطلب على المياه، وبعض العائلات تنتظر أكثر من أسبوع ليحين دورها في شراء خزان المياه.
المؤسسة ترد: التوزيع عادل وحملات "تعيير" وقمع مخالفات في حالات التعدّي على الشبكات
في المقابل، فإن مؤسسة مياه جبل لبنان الجنوبي، يؤكد رئيس المكتب في عاليه المهندس يونس الجرماني، "تقوم بمعالجة كافة الأعطال لمنع هدر المياه ومراقبة العدّادات، وتقوم بحملات "للتعيير" وقمع المخالفات في حالة التعدي على الشبكات، وتتمنى على جميع المواطنين الكرام الترشيد في استهلاك المياه وعدم التعدي على الشبكات للمساعدة على تجاوز هذه المحنة، على أمل أن ينعم الله علينا بموسم شتاء وافر إن شاء الله. والسعي الدائم لعدم الوقوع في أي خلل على مستوى التوزيع، وبحسب الكميات المائية الموجودة ننفذ هذا البرنامج للتوزيع".
ودعا جرماني المواطنين، "للمساعدة في تقديم المعلومات عن أي تعديات من قبل المواطنين لمعالجتها فورًا، واعتبار المسؤولية هنا مشتركة بين المؤسسة والمواطنين، وأشار إلى أن العديد من التعديات تمت معالجتها بالفعل، موضحًا أنه "نعم، لا تزال هناك تعديات غير مرئية، وندعو المواطنين إلى تقديم المعلومات عنها أيضًا لمعالجتها".
آبار أرتوازية أساسية جفّت مياهها بشكل كامل والباقية تعاني النقص الحاد في الكميات
أضاف جرماني: "المصادر الرئيسية التي تغذي المياه في منطقة جبل لبنان الجنوبي هي: الباروك، الرعيان، القاع، سد القيسماني، ونحو 60 بئرًا أرتوازية، منها 33 بئرًا في منطقة إقليم الخروب فقط. وأمام النقص الحاصل في المياه وغير المسبوق في الينابيع منذ عشرات السنوات، ووصولًا إلى اليوم، باتت الآبار الأرتوازية هي المساعد الأساسي لتأمين الحد الأدنى من المياه. ومع تقدم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة برز الشح في المياه، علمًا أنه عندما نتكلم عن الآبار الأرتوازية يرادفها موضوع الطاقة من كهرباء ومولدات وأعطال، ولذا قامت مؤسسة بيروت وجبل لبنان بحشد كل الإمكانيات، من توفير لمادة المازوت، إلى الصيانة التي أصبحت تكلفتها باهظة جدًّا وتستوجب دفع مبالغ كبيرة، بعدما أصبحت الأعطال أكبر بأضعاف نتيجة سحب الرمول والأتربة من قعر الينابيع والآبار بسبب نقص مخزون المياه".
خطة لاستخدام كميات المياه المتوفّرة لضمان اجتياز الصيف
وأعطى جرماني مثالًا على النقص الحاصل، مشيرًا إلى أن إحدى آبار منطقة كفرا، التي لم يكن منسوبها ينخفض عن 135 مترًا مكعبًا على مر السنوات الطويلة، تشهد اليوم تراجعًا سريعًا إلى حدود 75 مترًا مكعبًا، ما يدل على الشح الكبير الحاصل هذه السنة. كما نوّه إلى أن نبع الباروك، مثلًا، الذي يغذي عادة 35 ألف متر مكعب، سجل هذا العام تراجعات تخزينية إلى أقل من 5 آلاف متر مكعب، وبشكل سريع أيضًا".
ورأى أن "المشكلة الأساسية الحالية والقادمة تبقى في نقص المياه، إلى جانب تناقص مخزون الآبار، ممّا يفرض واقعًا صعبًا يتطلّب استخدام الآبار لسدّ العجز الحاصل وتشغيلها لساعات طويلة لمواجهة هذا النقص الكبير".
وعليه، تعمل المؤسسة على متابعة كميات مخزون المياه في الآبار، مع الحرص على عدم استخدامها بشكل مفرط، وذلك بهدف الاستفادة من هذه الكميات وتوفيرها وفق نظام "مُقنّن" طيلة فصل الصيف، ضمن سياسة الانخفاض التدريجي لساعات السحب. فبعدما كانت الآبار تُشغّل لساعات طويلة، بات تشغيلها اليوم متقطّعًا وفق آلية ثلث ساعات تشغيل، يقابلها ثلثا ساعات توقف، لضمان استمرار ضخّ المياه بالحدّ الأدنى.
ويأتي هذا الإجراء بعد جفاف عدد كبير من الآبار التي كانت تُشكّل العمود الفقري لتغذية المياه على مستوى منطقة جبل لبنان الجنوبي، والتي تضمّ أقضية: الشوف، عاليه، وجزءًا كبيرًا من قضاء بعبدا. هذا فيما تعاني باقي الآبار من نقص حاد في كميات المياه، تنذر مؤشراته السلبية بصعوبات كبيرة مقبلة على هذا الصعيد.
ويختتم بالتأكيد على ضرورة تدارك الأسوأ، من خلال خطة مدروسة لمعالجة الحاجات عبر استخدام الكميات المتوفّرة بدقّة وعدالة بين جميع المواطنين في هذه المنطقة المذكورة.
أصحاب الصهاريج: ننتظر ساعات طويلة لملء الخزان والـ 20 دولارًا مقبولة
أفاد عدد من أصحاب الصهاريج لـ "نداء الوطن" بأنّ العديد من الينابيع التي كانوا يملؤون منها خزّاناتهم خلال نحو عشر دقائق، باتت اليوم تتطلّب ما يقارب ثلاث ساعات، بعد انتظار طويل ليحين دورهم، بحيث أصبحوا يصلون الليل بالنهار لتأمين المياه.
وفي معاصر الشوف، على سبيل المثال، بات وقت تعبئة الخزان يتجاوز ثلاث ساعات؛ أما في المختارة، فلا يُتاح لهم تعبئة المياه سوى مرّتين في الأسبوع، نتيجة شحّ مياه النبع الذي يغذّي البركة، والتي تحتاج ليومين كاملين لتجميع الكمية اللازمة.
وفي بعقلين، المعاناة نفسها تتكرر، إذ يواجهون انتظارًا طويلًا للحصول على المياه، وحتى أصحاب الآبار الذين يبيعون المياه يعانون، فقد نفدت كميات كبيرة من آبارهم. وأشار بعضهم إلى أنّ مبلغ الـ 20 دولارًا يبدو مقبولًا جدًا أمام حجم المعاناة الكبيرة للحصول على هذه الكمية من المياه، مؤكدين أنّه "لا أحد يحسدنا على وضعنا، نحن أيضًا نعاني".