التطويع في أمن الدولة يفتح للمديريات الأمنية نقصٌ في العديد.. وانتظار التمويل

بعد توقف دام سنوات عاد التطويع الى بعض المديريات الامنية ومنها مديرية أمن الدولة التي أجرت مباراة لتطويع 254 عنصراً.

فهل فُتح الباب امام الراغبين في الالتحاق بالاجهزة الامنية بعد سنوات من الاقفال؟

منذ العام 2018 لم تعلن الاجهزة الامنية عن حاجتها الى تطويع أفراد أو رتباء أو حتى ضباط. ومن يدخل الى المواقع الالكترونية لقوى الامن الداخلي او الجيش اللبناني وكذلك الامن العام، لا يجد أي اعلانات عن الحاجة الى التطويع، وبعد بحث بسيط يمكن التأكد من ان سنوات طويلة مضت على آخر اعلان.

الاعلان من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، على سبيل المثال، عن إجراء مباراة للتطوع في قوى الأمن لرتبتي رقيب متمرن ودركي متمرن من بين المدنيين الذكور والإناث (عازب - أرمل أو مطلّق من دون أولاد)، ومن عسكريي الخدمة الحاليين والسابقين في القوات المسلحة (...) يعود الى شهر شباط من العام 2018، اي منذ 6 سنوات، ولم يدخل أي عنصر جديد الى قوى الامن الداخلي. فما انعكاسات ذلك على المديرية؟

بحسب الاحصاءات ان ما يقارب الـ 700 عنصر ورتيب وضابط يحالون سنوياً على التقاعد في قوى الامن الداخلي، لكن هذا الرقم شهد ارتفاعاً ليس في عدد المحالين على التقاعد وانما من خلال الذين طلبوا تسريحهم أو تركوا الخدمة بسبب الاوضاع الاقتصادية والازمة المالية التي تضرب لبنان منذ خريف العام 2019.

والعسكريون هم الاكثر تضرراً من تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية امام الدولار الاميركي، ولا سيما بعدما وصل سعر صرف الدولار الى ارقام قياسية العام الماضي متخطياً عتبة الـ140 الف ليرة. هذه الظروف دفعت بعشرات العسكريين الى ترك الخدمة سواء من خلال طلب التسريح أو الفرار. وقُدرت أعداد الفارين من الاسلاك العسكرية بالآلاف خلال الاعوام 2019 2021 و2022 بعدما تهالكت قيمة رواتبهم وتراجعها من نحو 800 دولار عام 2019 الى 50 دولاراً. هذه الاسباب وغيرها دفعت بنحو 5000 منتسب للاسلاك العسكرية الى طلب التسريح او الفرار ما انعكس سلباً على بعض الاسلاك التي باتت بحاجة الى تطويع عناصر جديدة.

254 عنصراً الى أمن الدولة!

عندما أعلنت المديرية العامة لأمن الدولة عن إجراء مباراة لتطويع عناصر جديدة بعد نيل الموافقات اللازمة من الجهات المختصة، لم يتقدم الى تلك المباراة اكثر من 700 شخص، علماً ان المباريات السابقة كانت تشهد "زحفاً لافتاً" في اتجاه مراكز امن الدولة لتقديم طلبات، وكان العدد يصل الى ما بين 5 و7 آلاف واكثر في كل مباراة.

لكن الرواتب المتدنية ورغبة الشباب في الهجرة او البحث عن وظيفة مدولرة الراتب في القطاع الخاص، دفعت في اتجاه الإحجام عن تلبية "الدعوة"، واللافت ان التوازن الطائفي تطلّب تخفيضاً في المعدل المطلوب الى ان وصل الامر الى قبول الغالبية العظمى إن لم يكن جميع الذين تقدموا الى المباراة من الطائفة المسيحية، ووصل عددهم الى 103 مسيحيين فقط.

هذه الارقام تشي بنفور حيال الوظائف العسكرية، ولا سيما ان الراتب للمتطوع الجديد لا يزيد عن 100 أو 120 دولاراً في حده الاقصى، ما يجعل تلك الوظائف غير مرغوب فيها.

"لا سماسرة ولا محسوبيات!"

غالباً ما كان يرافق كل مباراة تطوع تدخلات سياسية وارسال لوائح جاهزة بالاسماء المطلوب تطويعها لهذا الزعيم او ذاك، لكن تجربة المباراة الاخيرة في أمن الدولة اثبتت الى حد كبير انه حتى التطوع لم يعد بحاجة الى رضا الزعيم الطائفي لان المطلوب تطويعهم يكاد يكون مطابقاً لعدد الذين تقدموا الى المباراة (عدد المسيحيين في مباراة أمن الدولة اقل مما هو مطلوب في حال اعتماد المناصفة).

اما عن الكلفة المالية لهؤلاء المنتسبين حديثاً الى امن الدولة، فتشير المعطيات الى ان المديرية لن تكلف الخزينة أي مبالغ اضافية، وان الرواتب المحجوزة للفارين ستكون من نصيب المنتسبين الجدد.

 

"القطاع العام: المطلوب ترشيقه"

معضلة التوظيف في القطاع العام كانت من اكثر القضايا الاشكالية في لبنان نظراً الى التخمة في التوظيفات السياسية في الادارات العامة وغيرها. ولكن هل بات القطاع العام اليوم بحاجة الى دم جديد، أم ان الامر تغيّر بعد الازمة؟

الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين يؤكد ان "القطاع العام في لبنان يعاني تخمة وفائضا في عدد الموظفين، ولاسيما في الأجهزة الأمنية والعسكرية".

بَيد ان هذا التوصيف يعود الى ما قبل العام 2019 عندما كان عدد العاملين في القطاع العام يقدَّر بنحو 300 الف، وبحسب شمس الدين فإن "ابرز مطلب لصندوق النقد الدولي كان خفض العدد تدريجاً إلى النصف، أي ضرورة تسريح نحو نصف العاملين في القطاع العام".

ويلفت الى ان عدد المنتسبين الى الاسلاك العسكرية يصل الى 100 ألف، "وبالتالي هذا العدد يفيض عن حاجة لبنان تبعاً لمساحته وعدد سكانه، واي تطويع اضافي او اي نوع من خلق فرص عمل وهمية لكي يوزعها الزعماء على اتباعهم ومحاسبيهم". إلا ان بعض الاجهزة كان عديدها يصل الى نحو 30 الفاً واليوم بات بحدود الـ 24 الفاً، كقوى الامن الداخلي، ما يعني ان هناك حاجة لتعويض النقص.

يعتقد شمس الدين ان "الأمن في لبنان ليس في أحسن حال، لكنه لم يكن ولا مرة يُضبط من خلال العناصر الأمنية بل من خلال السياسة والتسويات، بدليل ان الحرب التي بقيت لسنوات في طرابلس مشتعلة وكان الجيش منتشرا ولم يستطع ايقافها بل توقفت عندما حصلت تسويات سياسية". ويخلص الى ان لبنان لديه فائض وتحديدا بالقوى الأمنية، واليوم اذا كان هناك نقص في جهاز يمكن ان ننقل من جهاز إلى آخر، وبالتالي لا لزوم لأي تطويع إضافي لأنه يسبب إنفاقا إضافيا في وقت ليس لدى الدولة الإيرادات المالية الكافية".