التعميم 151 والحكومة ومنصوري ومجلس النواب: "هيركات" المصارف أقوى

لا تقتصر خيبة أمل المودعين على عرقلة مسألة تعديل التعميم 151 بسبب تقاذف المسؤوليات بين مصرف لبنان ومجلس النواب والحكومة، لا بل تنسحب الخيبة أيضاً على المبلغ المالي موضوع الخلاف الذي يمثّل جانباً من الخلاف، اي الـ150 دولاراً التي لم يعد لها قيمة تُذكر في وجه تضخم يأكل كبرى المداخيل.

أما ما لم يحسب المودعون حسابه، فهو حقيقة أن مصرف لبنان ومجلس النواب يتقاذفان موضوع تسعير الدولار رسمياً، ويخدمان بشكل أو بآخر المصارف الرافضة أصلاً إدخال أي تعديل على سعر صرف السحوبات العائد الى التعميم 151 منتهي الصلاحية.

وفي حين عمد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري إلى ربط السحوبات المصرفية بإقرار موازنة 2024، أقر مجلس النواب الموازنة بعدة أسعار صرف، وتهرّب صراحة من مسألة تحديد سعر صرف رسمي. وبين مصرف لبنان والسلطة التشريعية، تقف الحكومة مكتوفة الأيدي. فهل يستمر الواقع الحالي القائم على اقتطاع 85 في المئة من الودائع؟ وثمة سؤال أساسي حول سعر صرف السحوبات المصرفية الحالي أي الـ15000 ليرة، ماذا يمثل هذا السعر وما هو مستنده القانوني؟

بين منصوري ومجلس النواب
دفع منصوري بمسألة تحديد سعر الصرف الرسمي باتجاه مجلس النواب، على اعتبار أن سعر الصرف الذي ستعتمده موازنة 2024 هو ما سيتم تطبيقه على السحوبات المصرفية تلقائياً، من دون أي تعميم من مصرف لبنان. فالمصارف -حسب ما نُقل عن منصوري- "ملزمة باعتماد سعر الصرف الرسمي على السحوبات"، خصوصاً أن سعر الـ15000 ليرة والعائد إلى التعميم 151 منتهي الصلاحية، ولم يعد له وجود، بعد إقرار موازنة 2024.

إلا أن موازنة 2024 التي أقرت منذ أيام لم تكن على مستوى آمال منصوري. فلجنة المال والموازنة حرصت بالتعديلات التي أدخلتها على الموازنة، على عدم ذكر سعر صرف رسمي، بل أوردت في عموم الموازنة تعبير "حسب سعر الصرف الذي يحدده مصرف لبنان". وأكثر من ذلك اعتمدت موازنة 2024 عدة أسعار صرف، من دون أن تمسها، إنما عمدت إلى تطبيقها في احتساب الإيرادات والنفقات. وقد اعتمدت على سبيل المثال سعر 89500 ليرة للدولار تطبيقاً لضريبة الدخل على الرواتب والأجور، في حين اعتمدت سعر 1500 ليرة على العديد من النفقات و60 ألف ليرة على عدد من الرسوم.

إذاً، لم يعد من مجال أمام منصوري لإسناد مسألة تحديد سعر الصرف الرسمي على قانون موازنة 2024. بمعنى آخر، نجح مجلس النواب بالتهرب من مسؤولية حماية أموال المودعين، حتى أن لجنة المال أعلنت أكثر من مرة عدم مسؤولية السلطة التشريعية حيال تحديد سعر الصرف الرسمي.

عادت الكرة إلى ملعب منصوري. وحسب مصدر من مصرف لبنان، فإن منصوري كان يعتزم تعديل التعميم 151 نهاية الشهر الحالي ما لم تصدر موازنة 2024. وبما أنها أقرت ولم تعتمد سعر صرف رسمي، فإن منصوري دخل دوامة المفاضلة بين حقوق المودعين واستمرار قدرته على ضبط سعر الصرف.

إذاً، لم يحصل المودعون حتى اللحظة على أموالهم تلقائياً بسعر الصرف الجديد المعتمد بالموازنة العامة. وفي حال الأخذ بالاعتبار أن السعر المعتمد في غالبية بنود الموازنة هو 89500 ليرة، مَن سيُلزم المصارف على تطبيقه؟ ووفق أي سقوف؟

هنا يأخذنا النقاش إلى عقبة أخرى، تتمثل بتحديد آلية السحوبات بموجب قانون الكابيتال كونترول، الذي طالب منصوري بإقراره، لتأمين مظلة قانونية تحدد حجم السحوبات المصرفية. وهو ما يعمد مجلس النواب على عرقلته منذ سنوات لأسباب عديدة.

خلاف مع المصارف وبينها
وبعد وصول ملف تحديد سعر صرف للسحوبات المصرفية إلى حائط مسدود بين مجلس النواب ومصرف لبنان، يتّجه الأخير إلى محاولة التوصل إلى حلول بالاتفاق مع المصارف. فقد دخل مصرف لبنان بالتفاوض مع المصارف قبل إقرار الموازنة، في سبيل التوصل إلى صيغة مشتركة تقوم على سداد 150 دولاراً لكل مودع لا تخضع وديعته لشروط التعميم 158، بالإضافة إلى تحديد السحوبات على أساس سعر الصرف الحقيقي، المعتمد اليوم من مصرف لبنان للسداد الرواتب والأجور، أي 89500 ليرة.

في الجولة الأولى من المفاوضات بين مصرف لبنان والمصارف، رفضت الأخيرة أي طرح يشمل تغطيتها السحوبات على السعر الحقيقي. كما رفض عدد كبير من المصارف سداد 150 دولاراً نقداً. وحسب المصادر، فإن عدداً من كبرى المصارف وافق طرح منصوري سداد 150 دولاراً شهرياً، مع تحفظه على تحديد السحوبات بالليرة على أساس السعر الحقيقي، ما لم يتم وضع سقف للسحوبات. في المقابل، تعددت آراء المصارف بين رافض بالمطلق (وهذه الفئة من المصارف تعترف بشكل غير مباشر بإفلاسها)، وبين فئة تطالب بخفض المبلغ الشهري الى 100 دولار وتقاسمه مع مصرف لبنان. وهذا طرح مستبعد.

وحسب المصادر، من المتوقع أن يستأنف مصرف لبنان اجتماعاته يوم الأربعاء المقبل مع المصارف من جهة ومع الحكومة من جهة أخرى، بهدف التوصل إلى صيغة مشتركة تجنّب المودعين الهيركات الواقع حالياً على ودائعهم والبالغ قرابة 85 في المئة. ويبقى الخوف من استمرار جميع الأطراف بممارسة سياسة التهرب من المسؤولية على حساب المودعين.

وبين الـ150 دولاراً موضوع الخلاف والـ300 دولار للمستفيدين من التعميم 158، ثمة إشكالات كثيرة تنتهك حقوق المودعين. فالمبلغ الذي يتم التفاوض بشأنه ضئيل جداً بالنسبة إلى عموم الودائع، بالإضافة إلى أن مبلغ الـ150 دولاراً من شأنه ترسيخ التمييز بين المودعين. إذ يتيح التعميم 158 سحب 300 دولار للمستفيدين منه.