المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ريشار حرفوش
الجمعة 11 تموز 2025 06:45:16
في قرار أثار جدلًا وردود فعل، أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية بدء تنفيذ إجراءات صارمة لتطبيق قانون السير الذي يمنع استخدام دراجات "التوك توك" لأغراض النقل العمومي والسياحي، وبذلك، أصبح "التوك توك" العمومي ممنوعًا رسميًا، بينما يبقى "التوك توك" الخصوصي، المسجّل بلوحات بيضاء وللاستخدام الشخصي، مسموحًا بموجب قانون السير اللبناني.
وقد أثار تطبيق هذا القرار القديم احتجاجات واسعة في مناطق لبنانية عدة، من طرابلس وصيدا إلى الهرمل، حيث عمد بعض السائقين إلى قطع الطرق وإشعال الإطارات رفضًا لمصادرة مركباتهم، بينما يعد هذا الإجراء تطبيقًا حرفيًا من قبل الجهات المسؤولة للقانون الذي يضع حدًا للفوضى المرورية.
"الداخلية" تشرح…
في هذا السياق، أوضحت مصادر وزارة الداخلية والبلديات لـ "نداء الوطن" أن قرار "وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار لا يمنع سير دراجات "التوك توك" بالمطلق، بل يطلب فقط التشدد في تطبيق القانون لناحية منع استخدامها في نقل الركاب، نظرًا إلى أن هذه المركبات تُسجّل كدراجات ثلاثية العجلات ولا تُمنح لوحات عمومية، ما يجعل استخدامها كـ "تاكسي" أي نقل مشترك مخالفاً للقانون".
أضافت المصادر: "يجب تطبيق قانون السير، والوزارة حريصة كل الحرص على كل القطاعات، لكن السلامة المرورية بالنسبة لها هي الأولوية".
ختمت المصادر: "الأجهزة الأمنية مولجة تطبيق القوانين والقوى الأمنية تضبط حصرًا المخالفين".
لكن المفارقة، حسبما علمت "نداء الوطن"، أن مصادر مراقبة استغربت توقيت انطلاق هذه الحملة، بالتزامن مع بداية موسم الصيف، حيث تزداد الحركة في المناطق السياحية، ما يجعل توقيتها محط تساؤل، خصوصًا أن الظاهرة ليست جديدة بل قائمة منذ سنوات.
لكنها لم تستبعد أن تكون الاسباب تنظيمية، وقالت: "وزارة الداخلية تنكب على تطبيق قانون السير بكل تفاصيله بمؤازرة من الجهات الأمنية المختصة".
وفيما تنفّذ قوى الأمن الداخلي الحملة على الأرض عبر حواجز ميدانية في مناطق عدّة من لبنان، يعتبر معارضو القرار أن المسألة تتطلب حلاً تشريعيًا وتنظيميًا لا أمنيًا فقط، محذرين من تفاقم الأوضاع الاجتماعية في عدة مناطق حيث يعتمد السكان بشكل رئيسي على "التوك توك" في تنقلاتهم.
موقف لجنة "الأشغال"
وفي وقت ينتظر فيه صدور موقف رسمي من لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية، تؤكد مصادر برلمانية لـ "نداء الوطن" أن الأولوية اليوم ليست في المنع بل في التنظيم، فـ "التوك توك" موجود في أغلب البلدات والقرى اللبنانية، من بعلبك إلى جبيل، ومن أحياء بيروت الفقيرة إلى الأزقة السياحية في جونية وكسروان، ويُستخدم في نقل الأشخاص والبضائع والخدمات اللوجستية في ظل غياب حاد لشبكات النقل المشترك خارج نطاق العاصمة بيروت.
وفي ظل غياب بدائل، فإن إيقافه بشكل كامل يهدد بدفع آلاف العائلات نحو مزيد من الفقر والعجز عن تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم اليومية، لا سيما وأن بعض الجمعيات، مثل اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA)، كانت قد قدّمت "توك توك" كهبة في مشاريع دعم للأسر الأكثر حاجة، خاصة في منطقة بعلبك – الهرمل.
مخاطر مروريّة
من جهته، يُسلّط الخبير في السلامة المرورية ورئيس جمعية "اليازا " زياد عقل الضوء على التهديدات الحقيقية المرتبطة باستخدام "التوك توك" بشكل غير منظم. فهو، كما يؤكد عقل، ليس مصممًا وفق المعايير الحديدية أو التقنية التي تضمن سلامة الركاب والسائقين على الطرق العامة، خصوصاً السريعة منها.
وأشار عقل إلى أن "معالجة ملف السلامة المرورية لا يكون بهذا الشكل، و"التوك توك" وسيلة خطرة للنقل ظهرت مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، وتكون خطرة جدًا في المناطق التي تستخدم فيه كوسيلة نقل عام كما يحصل تحديدًا في البقاع".
وختم: "في الطرقات الدولية والعامة "التوك توك" خطر للغاية على السلامة المرورية، ويجب إيجاد الحلول السريعة لهذه المعضلة التي لا تقل أهمية عن مخاطر الدراجات النارية والشاحنات، وغيرها…".
اتحاد النقل العام
على خطٍ آخر، شرح مصدر في النقل العام لـ "نداء الوطن" أن اتحاد النقل العام كان يطالب مرارًا بحد تواجد "التوك توك" وتنظيم هذا القطاع".
أضاف: "التوك توك وجد في بعض المناطق للمضاربة على السائقين العموميين بطريقة غير شرعية، وهذا ما حذرنا منه مرارًا".
بين الحل والحظر
بالمختصر، بدأت حكاية "التوك توك" بعد العام 2019، كخيار فرضته الأزمة المالية والشلل التام في المؤسسات اللبنانية، فاعتمدت الطبقات الأفقر على "التوك توك" كوسيلة غير مكلفة للعمل أو التنقل، فخلق قطاعاً واسعاً غير رسمي داخل الاقتصاد، وسرعان ما تمدّدت الظاهرة في مختلف المناطق، وأصبح "التوك توك" أداة توصيل في المدن، ووسيلة تنقل في القرى بشكل عمومي مخالف، فبات ينقل الطلاب إلى مدارسهم، ويؤمّن الخبز اليومي لعائلات قروية، وأداة توصيل أي Delivery لعدد كبير من المطاعم، ووسيلة لـ Trip سياحية في الأسواق التجارية، والمدن، وغيرها…
لكن هذا الحل "الاضطراري" تحوّل تدريجاً إلى أزمة نتيجة غياب أي تنظيم أو متابعة تشريعية واضحة من الدولة.
إن "التوك توك"، وإن لم يكن الحل المثالي، فهو انعكاس لواقع اقتصادي مرير لا يمكن تجاوزه بالمنع الأمني فقط. وأي حملة أمنية ستُعتبر مجرّد مسكّن موضعي لأزمة مزمنة تتطلب الكثير من التنظيم من قبل كل الوزارات المعنية، والأجهزة الأمنية، والسلطات المحلية...