"التيار" يتقن فنّ الشعبوية الانتخابية... جلسة مساءلة أم عرض تلفزيوني؟

كأنها لم تكن جلسة مساءلة حكومية، بل حلقة من برنامج سياسي مفتوح على الهواء مباشرة، حيث تصدّر "التيار الوطني الحر" المشهد من موقعه الجديد ـ أو المتجدد ـ كمعارض، إنما بمعايير استعراضية أكثر منها رقابية. ففي قاعة المجلس، التي يُفترض أن تكون منبرًا للمحاسبة الجادة والرصينة، تحوّلت مشاركة نواب "التيار" إلى عرض سياسي محض، مليء بالتهويل، ورفع النبرة، واختيار اللحظات المناسبة أمام الكاميرات، بما يشي بأن البوصلة الحقيقية كانت توجيه الرسائل إلى الشارع الانتخابي، لا إلى الحكومة.

منذ اللحظة الأولى، بدا جليًا أن التيار لم يأتِ إلى الجلسة بهدف المساهمة في صياغة موقف وطني موحد من الملفات الحساسة، وعلى رأسها ملف السلاح غير الشرعي، بل أتى ليفرض نفسه كصوت "مُختلف"، يسعى للتمايز عن سائر القوى، ولو بالتلاعب في الخطاب السياسي. فبينما ذهب معظم النواب، وفي طليعتهم رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميّل، إلى طرح مسألة حصرية السلاح بيد الدولة من باب الدستور والميثاق، اختار نواب التيار الانزلاق نحو العبارات الرمادية التي تحاول إرضاء الجميع: "نريد من حزب الله أن يسلّم سلاحه للدولة، لكننا نرفض التحريض والحرب الأهلية". عبارة مزدوجة المعنى، تخاطب جمهورين متناقضين، وتحاول استثمار الموقف بدل تبنيه.

وإذا كان التشويش المتكرّر والتركيز على الشعارات الرنّانة من سمات الجلسة عمومًا، فإن التيار أخذ هذا الأسلوب إلى ذروته، مستفيدًا من كل لحظة لفرض حضوره الإعلامي أكثر منه البرلماني. وكأن نوابه أرادوا تثبيت حقيقة واحدة لا غير: نحن اليوم في المعارضة، ونحن الأحق بالصوت العالي، لأننا خارج المنظومة التنفيذية.

المفارقة أن هذا الأداء، الذي لبس عباءة المحاسبة، لم يحمل أي مضمون فعلي جديد أو مقترحات قابلة للبناء عليها. لم يُطرح مشروع، لم تُقدَّم بدائل، ولم يُسجَّل موقف وطني صريح من جوهر المسألة: هل هناك نية حقيقية لدعم حصرية السلاح بيد الدولة، أم أن التيار ما زال يمسك العصا من المنتصف، على قاعدة "نحن مع الدولة... ولكن"؟

كل ما خرجت به الجلسة أمس، والتي اختتمت دورتها اليوم، هو تثبيت مواقع انتخابية، وإعادة تموضع إعلامي، وتحميل الحكومة مجددًا كل الأوزار الوطنية، مع تجاهل صارخ لمسؤوليات سياسية شارك فيها التيار نفسه لسنوات طويلة. وإذا كان نزع السلاح غير الشرعي هو عنوان المرحلة المقبلة، فإن اللعب على حبال التناقض لم يعد يجدي، مهما كانت جودة الإخراج.