الثمن في الداخل لنزع السلاح وليس من إسرائيل!

ليس "حزب الله " وحده أو إيران من ورائه وحدها من لا يتحمل فكرة تقليص أو إضعاف هيمنتهما على القرار اللبناني، بل يعتبر سياسيون أن الأمر ينسحب أيضاً على الرئيس نبيه بري الذي يندرج تمسكه بعدم تصويت المغتربين في الانتخابات المقبلة برفضه بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن الحزب تراجع "الهيمنة" الشيعية على السلطة في لبنان وفقاً لهم. وهذا ما لا يخفيه بري نفسه أمام زواره، فيما يبدو مشروعاً أو مفهوماً من الناحية الواقعية السياسية على الأقل استخدام أي فريق سياسي كل الأسلحة بين يديه لضمان سيطرته أو تعظيمها. وتقول مصادر إن هذه ورقة تبقى في يد بري وتالياً عدم التساهل أقله في المدى المنظور في إظهار أي مرونة من جانب الحزب في موضوع تسليم سلاحه إلى السلطة اللبنانية ما لم يضمن استمرار هيمنته في المرحلة المقبلة. لكن تأمين ديمومة سلاح الحزب يعرض لبنان لخطر كبير مجدداً، ومن غير المرجح أن تستطيع الوساطات الإقليمية أو الدولية تجنيب لبنان كارثة جديدة تحت وطأة المكابرة الإيرانية التي تدفع بلبنان لكي يتكبد الأثمان الكبيرة وتحت وطأة عجز الثنائي الشيعي عن الخروج إلى الدولة والالتحاف بها وحدها بدلاً من أن يكون هو الدولة. إذ إن القرار الإيراني الذي يسعى إلى تأكيد سيطرته على القرار الشيعي غيب حتى أي تأثير للرئيس بري على رغم إدراك الأخير، ووفقاً للزوار أنفسهم، أن السلاح سيتم نزعه حرباً (من جانب إسرائيل) إن لم يتم تسليمه سلماً إلى الدولة اللبنانية. وكان ينتظر ولا يزال ينتظر أن يعلن الإيرانيون في الأسابيع القليلة التي تسبق نهاية السنة موقفاً يمهد على الأقل لعدم رمي الطائفة الشيعية ومعها لبنان ككل في جهنم حرب جديدة اعتقاداً من البعض أن إيران لا تزال تلعب على حافة الهاوية. فيما يذهب بعض آخر إلى درجة الاعتقاد أن الثنائي يفضل الأسلوب الذي تعتمده إسرائيل لأنه يوفر له السبل في المقابل للاستقواء على الداخل اللبناني. ففي الوقت الذي كان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في بيروت ساعياً إلى إبلاغ لبنان ضرورة اتخاذ الخطوات لتجنيبه حرباً جديدة على ضوء اتصالات إقليمية استبقت مجيئه إلى لبنان، بادر مستشار المرشد الإيراني إلى ضخ مضمون جديد للسردية الإيرانية حول أهمية بقاء سلاح الحزب ومحوريته بالنسبة إلى لبنان (!). وهي رسالة يمكن أن تتلقفها إسرائيل بسهولة رفضاً أو التفافاً على المبادرة المصرية لتجنيب لبنان حرباً جديدة. فيما أن الرسالة التي يفترض أن تكون إيران قد تلقفتها بما يجعل دعمها للحزب في هذه المرحلة من دون جدوى هي اغتيال القائد العسكري في الحزب هيثم علي الطبطبائي باعتباره الدليل على أن إيران لم تستطع بعد عام كامل من اغتيال السيد حسن نصرالله وخليفته سد الثغر الاستخباراتية المخترقة للحزب والتي تخضعه للشلل حكماً لدى أي تحرك.

ما صرح به وزير الخارجية المصري من عين التينة بالذات حول الأمل بدور مرتقب لبري في إدارة مرحلة تجنيب لبنان والطائفة كارثة جديدة وعن حتمية الانتقال إلى شمال الليطاني يضيق هامش القول لاحقاً استلهام عبارة "لو كنت أعلم" الشهيرة لدى الحزب بعد حرب تموز وحتى بعد حرب إسناد غزة، ويحمله مسؤولية إزاء اللبنانيين المنتقدين راهناً وبقسوة مقاربة الرئيس جوزف عون الحوارية مع الحزب لسنة كاملة والتي لم تسفر عن نتيجة في وقت تبدو إيران علناً وصراحة متحكمة بقرار الطائفة الشيعية وليس الحزب وحده. وفي الوقت الذي يحتاج اللبنانيون إلى خطاب سياسي وإدارة سياسية تطمئنهم في زمن قلق كبير يطغى الاعتقاد على نحو خاطئ أن لبنان انتقل إلى زمن الدولة وهو لم يفعل بعد.

الفرصة المتاحة تتضاءل أمام الحزب وأمام لبنان مع اقتراب نهاية السنة. وتشكل زيارة البابا لاوون الرابع عشر فرصة للبنان من حيث عدم السماح لإسرائيل بإجهاض مفاعيلها ورسالتها بإعطاء فرصة للبنان للنهوض وتلقي الاهتمام ودعم طريقه إلى السلام، وهذه كرة في ملعب إيران كذلك. ولكن ومنذ أشهر يثار التساؤل عما إذا كان كل ما يجري مساومة على ثمن في الداخل، لأن مع إسرائيل انتهت الأمور والحزب بنفسه أنهاها إن من خلال موافقته على اتفاق وقف النار أو من خلال العرض السخي الذي قدمه الشيخ نعيم قاسم بضمان المستوطنات الشمالية لإسرائيل. وتالياً فان السعي هو إلى ثمن سياسي دستوري في الداخل وفق ما سرى منذ بعض الوقت في الصالونات المغلقة. فالدستور الذي انبثق من اتفاق الطائف ضرب منطق الجمهورية الثالثة وكان الثمن هو وقف الحرب "الأهلية" في لبنان، إنما بكلفة عالية جداً، حيث فقدت رئاسة الجمهورية كل شيء باستثناء هالتها. ولذلك الخشية من الذهاب إلى مرحلة جديدة حيث الدستور مشاع بلا منطق ولا قواعد على أساس الثمن الذي يسعى إليه الثنائي كتعويض عن نزع السلاح شمال الليطاني وما بعده. إذ مقابل الضغط الإسرائيلي والأميركي على الثنائي، يضغط هو على الداخل اللبناني لابتزازه وتثبيت هيمنته.